حملت النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية العراقية مفاجآت عدة، أبرزها تقدم التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر بأكثر من 70 مقعدا.
حملت النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية العراقية مفاجآت عدة، أبرزها تقدم التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر بأكثر من 70 مقعدا.
وتمثلت المفاجأة الثانية في الخسارة الكبيرة لتحالف "الفتح"، الذي يضم "الحشد" والعديد من المجموعات الولائية المرتبطة بإيران.
المفاجأة الثالثة كانت في احتلال حزب "تقدم"، بزعامة محمد الحلبوسي المرتبة الثالثة، فيما المفاجأة الأهم كانت تقدم القوى الجديدة، التي انبثقت من رحم الاحتجاجات الشعبية، كحزب "امتداد" وحزب "إشراقة كانون" وحزب "الجيل الجديد"، إذ حصلت هذه الأحزاب مجتمعة على نحو 24 مقعدا، فضلا عن مستقلين حصلوا على 10 مقاعد.
وفي إقليم كردستان العراق فاز الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود البارزاني، بـ33 مقعدا، مقابل تراجع كبير لكل من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير، "كوران"، وأحزاب الإسلام السياسي.
السؤال الآن: ماذا تعني هذه النتائج؟
بداية، رغم نسبة المشاركة القليلة نسبيا، فإن مجرد إجراء الانتخابات بسلام شكّل انتصارا مزدوجا، فأولا هو انتصار لقوى الاحتجاجات، التي طالبت بالانتخابات المبكرة بعد أن نجحت في دفع رئيس الوزراء السابق إلى الاستقالة وتشكيل حكومة مصطفى الكاظمي، وثانيا هو انتصار لنهج الدولة العراقية في تكريس سلطة المؤسسات والجيش، بدلا من سلطة المليشيات التي تأتمر من الخارج.
وهنا ينبغي النظر إلى دلالات نتائج الانتخابات العراقية بالملخصات التالية:
1- الانتخابات تشكل وسيلة حضارية سلمية للتغيير، وقد تجسد هذا الأمر في تقدم القوى المدنية، التي حملت راية التغيير، على حساب القوى الأيديولوجية، التي فقدت مواقعها المتقدمة، كتحالف الفتح بزعامة العامري، وتيار الحكمة بزعامة عمار عبد الحكيم، وائتلاف النصر بزعامة حيدر العبادي، ما يعني خسارة سياسية كبيرة لتيار أيديولوجي لصالح القوى المدنية، التي تطالب بتطبيق القانون والدستور والعمل المؤسساتي.
2- التيار الصدري، ورغم عدم حصوله على الأغلبية البرلمانية التي تؤهله لتشكيل الحكومة وحده، إلا أن ثمة واقعا سياسيا يشي بإمكانية قيام تحالف قوي بينه وبين "الحلبوسي" و"البارزاني"، بوصف هذا الثلاثي يمثل المكونات الأساسية الفاعلة للشعب العراقي، ولعل التصريحات الإيجابية لقادة الأطراف الثلاثة توحي بإمكانية حصول مثل هذا التحالف، الذي يمكن القول إنه كفيل بترسيخ البنيان السياسي للدولة العراقية وخياراتها السياسية الداخلية والخارجية.
3- في الحديث عن الانتخابات العراقية، وسير العملية الانتخابية، لا يمكن تجاهل الدور الكبير، الذي بذله رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، خلال الفترة الماضية، ورغم عدم ترشحه في هذه الانتخابات، فإن كل المؤشرات تؤكد أهميته كـ"رجُل توافق" ربما يتم اللجوء إليه مجددا لتشكيل الحكومة المقبلة.
والتوافق هنا له أهمية كبيرة في الساحة العراقية، نظرا لحجم الانقسامات والخلافات، لا سيما إذا اتجهت قوى معينة لضرب نتائج الانتخابات عبر إعلان رفضها واللجوء إلى الشارع، كما فعل وهدد تحالف "الفتح" مثلا.
4- في الترجمة السياسية لنتائج الانتخابات، يمكن القول إن العراق المقبل سيكون أكثر انفتاحا واستعدادا للتوجه نحو حاضنته العربية، كما أن هذه النتائج توحي بعدم تغيير في السياسة العراقية إزاء مسألة الوجود العسكري الأمريكي على أرض العراق، وكذا العلاقة مع الولايات المتحدة، خاصة أن العراق لا يزال بحاجة كبيرة إلى دعم واشنطن في مختلف المجالات.
لقد وفرت نتائج الانتخابات العراقية إذاً فرصة كبيرة للقوى، التي تمثل التوجهات الجديدة، للمشاركة في الحكم، وكسرت في الوقت نفسه جمود الساحة السياسية العراقية، مع تراجع نفوذ القوى الأيديولوجية، التي كانت مهيمنة على البرلمان، كما أن هذه النتائج وضعت العراق أمام مرحلة جديدة نحو الاستقرار وانتهاج سياسات تقربه أكثر من محيطه العربي، كما تحافظ على تحالفه القديم مع الولايات المتحدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة