يستعد العراقيون بعد غد للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التشريعية الخامسة منذ سقوط النظام السابق عام 2003.
يأتي ذلك وسط مشهد سياسي بالغ التعقيد، وضغوط اقتصادية وأمنية ستحدد مستقبل العملية السياسية وقدرة الدولة العراقية على الاستمرار.
لذلك يمكن القول إن هذه الانتخابات ستشكل تحديات كبيرة للجماعات والمكونات العراقية وأحزابها كافة.
رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، بادر بإبعاد نفسه عن الترشح، رغم حقه في ذلك، بهدف طمأنة الناخبين بأنه لن يكون هناك أي إخلال بالعملية الانتخابية، في ظل مراقبة محلية عالية، ومشاركة مراقبين دوليين، فضلاً عن التنبيه إلى خطورة استخدام المال، أو عدم التوجه إلى صناديق الاقتراع بكثافة عالية، باعتبار أن الانتخابات حق للشعب، ويجب ألا يغيب أحد عن أداء دور فيها، وتأكيد أنه لا تأييد لأي كتلة، وأن المرجعيات تقف على مسافة واحدة من الجميع.
هذه الدورة من الانتخابات العراقية تختلف عن الدورات السابقة، فالعراق اليوم أكثر انفتاحاً على عالمه العربي، وذلك بفضل جهود رئيس حكومته، الذي تحرّك في الوقت المناسب وبرؤية مدروسة لاستعادة المكانة التي تليق ببلاد الرافدين، فأطلق مشروع "الشام الجديد" وتعاون بقوة لتحقيق شراكة "مصرية-عراقية-أردنية"، وانفتح على محيطه العربي بزياراته إلى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وانحاز إلى قاموس التهدئة وتبريد الصراعات في المنطقة من خلال استضافة 6 دول من الجوار في قمة بغداد للتعاون والشراكة خلال أغسطس الماضي.
هذه المؤشرات تمثل مصادر تفاؤل بأن العراق مقبل على انتخابات نزيهة، فهي خطوة مهمة على طريق الوصول بالعراق إلى دولة وطنية قوية لها قرارها السياسي المستقل بعيداً أي تدخلات إقليمية وأي تجاذبات دولية.
هناك حالة ترقب واسعة تجاه ما ستسفر عنه انتخابات العراق، ومدى إسهامها في تحقيق الاستقرار له وللمنطقة، وأعتقد أن نجاح هذه الانتخابات بشكل يرضى عنه الشعب العراقي ستكون له آثاره الإيجابية على مختلف المسارات، سواء في الداخل أو في خارج العراق.
داخلياً، فإن إجراء هذه الانتخابات مبكراً يمثل استجابة قوية لصوت الشارع العراقي، الذي خرج غاضباً قبل عامين.
كل الإجراءات، التي اتخذتها الحكومة العراقية، تؤكد أنها تسعى بجدية إلى انتخابات نزيهة من شأنها أن تضمن طابعاً من الاستقرار الداخلي، وثباتا في مؤسسات الدولة العراقية، وذلك بلا شك سيشيع حالة رضا لدى المواطن العراقي، غير أن إجراء الانتخابات في موعدها رسالة تؤكد قدرة بغداد الأمنية على تنظيم اقتراع مثل هذا.
أما فيما يتعلق بتأثير وانعكاسات هذه الانتخابات على المسارات الخارجية، فإن نجاح هذا الاستحقاق الانتخابي يمثل موقفاً عراقياً واضحاً تجاه أي تدخلات خارجية، مفاده أن العراق لن يكون ساحة لعقد الصفقات أو تصفية الحسابات، وأنه لا بديل عن عودة العراق إلى محيطه العربي، وحمايته من أي مخططات أو مشروعات تهدف إلى اختطافه من هذا المسار.
وما بين الداخل والخارج، يجب على جميع الأطراف العراقية أن تتعامل بإيجابية ووفق أهداف وطنية لإنجاح العملية الانتخابية، فالفرصة سانحة للتغيير، والشعب العراقي يستحق مَن يمثل إرادته ويلبي طموحاته.
لقد قطع العراق أشواطاً كبيرة على طريق الاستقرار، والدول العربية جاهزة لدعمه في مرحلة ما بعد الانتخابات، فصعود العراق بمثابة رافعة للعمل العربي المشترك ودعم لاستقرار الإقليم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة