توحي جملة تطوارت وجهود ومعطيات أزمة سوريا في الفترة الأخيرة بأنها دخلت مرحلة جديدة.
هذه المرحلة الجديدة لسوريا يمكن القول إنها مرحلة عودتها تدريجيا إلى محيطها العربي والإقليمي في إطار البحث عن حل سياسي مستدام بتوافق روسي- أمريكي.
مثل هذا الحل المنشود لن يكون سهلا بعد أن فشلت جميع المبادرات السابقة في وضع الأزمة على سكة الانفراج، حيث تضارب المصالح والأجندات الإقليمية والدولية على الساحة السورية، واستنزاف اللاعبين الإقليميين والمحليين من جراء الأزمة التي دمرت مناطق واسعة في سوريا، وهجّرت الملايين، وجعلت لقمة العيش أُمنية صعبة لمن يعيش في الداخل، ولعل هذه الصورة هي التي دفعت باللاعبين المعنيين إلى البحث عن حل ممكن، حل يضمن وحدة الأراضي السورية، ويطلق عملية سياسية تعيد أوصال ما انقطع، ويحرك الاقتصاد بحثا عن واقع سياسي جديد يسهم في النهوض بسوريا، بل ودول الجوار السوري، التي تضررت كثيرا من هذه الأزمة.
ومؤخرا جرى اتصال هاتفي بين الرئيس السوري بشار الأسد، والعاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، بعد أيام من الإعلان عن فتح معبر "جابر" الحدودي بين البلدين، فيما أعلن عن مشاريع إقليمية لمد الغاز العربي من مصر إلى لبنان عبر الأردن.
الأمر المهم هنا، ليس نقل الغاز عبر سوريا إلى لبنان بقدر ما هو أهمية الموقف الأمريكي، الذي بدا كأنه يتجاوز العقوبات، التي نص عليها "قانون قيصر"، سواء في قضية نقل الغاز أو في تسهيل التفاهمات الأردنية-السورية، التي يُنظر إليها على أنها خطوة على طريق إعادة سوريا إلى البيت العربي، أي الجامعة العربية، خلال القمة العربية المقبلة المقرر عقدها في الجزائر.
وفي "سوتشي"، وخلال استقبال "بوتين" نظيره التركي، تحدث الرئيس الروسي لأول مرة عن "تحقيق السلام في سوريا"، كما قال الرئيس التركي إن الوقت قد حان "لتطبيق حل نهائي ومستدام للأزمة السورية"، وذلك بعد أن كان حديث الجانبين يتركز فقط على مناطق خفض التصعيد والتفاهمات بينهما في مثل هذه القمم، ما يعني أن جبهة "إدلب" مقبلة على تطورات مهمة في المرحلة المقبلة.
وهناك تأكيدات للعديد من مسوؤلي الأمم المتحدة وحكومات العالم، بأن الجولة المقبلة للجنة الدستورية ستكون مختلفة، لا سيما في ظل الحديث عن تفاهمات روسية-أمريكية تؤكد ضرورة إنهاء الأزمة السورية.
الإشارات السابقة تؤكد جملة من المسائل المؤثرة والفاعلة في أزمة سوريا، لعل المسألة الأولى تتعلق بحجم توافق المصالح الأمريكية-الروسية في سوريا، ما يعني أن الحل المستدام والمنشود لهذه الأزمة سيكون روسيًّا-أمريكيًّا بامتياز، وفي إطار هذا التوافق ينبغي النظر إلى دور الجانبين في تسهيل الحل السياسي من خلال الضغط على اللاعبين الإقليميين، تحديدا تركيا وإيران.. وفي هذا تتجه الأنظار إلى روسيا، التي دخلت في تفاهمات مع الطرفين بشأن الأزمة السورية، حيث من المأمول أن تقوم بدور فاعل في خروج قوات الطرفين من سوريا على مراحل، فيما تبدو الولايات المتحدة معنية بتقديم مزيد من التسهيلات، على رأسها تخطّي "قانون قيصر" في العديد من المجالات الاقتصادية والتجارية والإنسانية والصحية.
كل ذلك يأتي بهدف تسهيل خطوات الحل، التي تتطلب من الحكومة السورية الانخراط في عملية سياسية تحقق الاستقرار والتغيير معا، معطيات توحي ربما بنهاية عهد الرهان على السلاح في سوريا لصالح لغة الحوار والتوافق، على غرار ما جرى في ليبيا.. حل يبدو أنه سيكون على الطريقة الروسية-الأمريكية، فيما على الأطراف المحلية والإقليمية المعنية تنفيذ خريطة الطريق، التي تُطبخ حاليا على نار هادئة في الغرف المغلقة بين الروس والأمريكان على أمل التوصل إلى حل نهائي ومستدام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة