حانت لحظة الحقيقة بالنسبة لليبيا.. فلم يعد يفصلنا إلا نحو 80 يوما على موعد الانتخابات الحاسمة.
لا تزال أسباب الأزمة في ليبيا قائمة للأسف.. ويمكن رصدها بوضوح في "الإخوان ومليشياتها والقوات الأجنبية والمرتزقة".
من أجل ذلك تكررت مطالبات دول أوروبا، المنخرطة في الأزمة الليبية، بضرورة "إخراج القوات الأجنبية من أراضيها"، في إشارة إلى القوات التركية والمرتزقة الذين أحضرتهم أنقرة.
ويبدو أن أوروبا لم تدرك بعد أن الخطابات وحدها لن تُجبر تلك القوات الأجنبية على الرحيل من الأراضي الليبية.
يقول جيل كيبيل، مستشار الرئيس الفرنسي، في مقابلة أجريت معه مؤخرا: "غياب سياسة أوروبية موحدة للتعامل مع ليبيا سمح لتركيا بالتدخل بإرسال قواتها والمرتزقة".
وانضم وزير الدفاع الإيطالي إلى رأي "كيبيل"، وأكد مؤخرا أن "غياب أجندة أوروبية واضحة ساعد على انتشار تركيا على الأرض في ليبيا".
في غضون ذلك، تواصل المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، الدعوة إلى انسحاب المرتزقة الأجانب من ليبيا، وكأن بضع كلمات يمكن أن تُقنع تركيا بالتراجع عن مخططاتها هناك.
لقد ارتكبت أوروبا خطأ جسيما من خلال تقديم كثير من التنازلات لتركيا في ليبيا، وهي دولة يهتم بها الاتحاد الأوروبي، حيث سمحت لأنقرة بإقامة قاعدتين عسكريتين ونشر أكثر من 10000 من المرتزقة، لا يهددون ليبيا فقط، ولكنهم يشكلون أيضا خطرا على البلدان المجاورة، حسبما حذرت الجزائر وتونس ودول الساحل من وجود مثل هؤلاء المقاتلين المأجورين على الأراضي الليبية.
بالنظر إلى الوضع الحالي في ليبيا، ربما يكون من الأفضل عدم إجراء انتخابات حتى لا تحدث فوضى جديدة في البلاد يقودها الإخوان ومن يحركهم من الخارج، فالانتخابات الليبية تواجه خطرا كبيرا، سواء أقيمت في موعدها أو تأجلت، هذا الخطر يكمن ويتركز في مليشيات الإخوان، التي تهدد الاستقرار والسيادة الليبية، فضلا عن المرتزقة، الذين جلبتهم تركيا ليكونوا ورقة ابتزاز جديدة لأوروبا.
الرئيس التركي بالطبع يعرف ذلك الوضع الليبي، ومبدأ كسب الوقت لديه يبرز بين خططه لمواصلة مد نفوذه عبر أذرعه الإخوانية في الداخل الليبي وتحقيق أقصى استفادة سياسية واقتصادية ممكنة هناك، فضلا عن مواصلة الضغط على أوروبا.
ويبدو أن الاجتماع الأخير للأمم المتحدة في نيويورك قد فتح أعين أكثر من مستشار في أروقة مجلس النواب الأمريكي، ما أسهم في التعجيل بتمرير مشروع قانون يمنح الولايات المتحدة إمكانية معاقبة الأطراف الأجنبية، التي تدعم الفصائل المسلحة وغير الشرعية في ليبيا.
كما يبدو أن الولايات المتحدة تولت زمام القيادة، مُطالبة بإجراء الانتخابات الليبية في الوقت المحدد لها، 24 ديسمبر المقبل، وتعاونت حتى تُعقد اجتماعات بين الأطراف الليبية لمواصلة التقدم في المسار السياسي.
رغم كل ذلك، ربما تدرك واشنطن استحالة إجراء الانتخابات في موعدها إذا استمر الوضع على ما هو عليه.. لكن بالتوازي مع هذا الاجتماع، ركز قائد القيادة الأمريكية في أفريقيا، "أفريكوم"، ومعه السفير الأمريكي، على تفاصيل طرد المرتزقة لتهيئة الظروف للانتخابات المقبلة.
وللقيام بذلك، سيكون هناك تعاون مع اللجنة العسكرية "5+5" بانضمام مشارك جديد من الولايات المتحدة، لتحقيق هذا الهدف المنشود بخروج جميع المرتزقة من ليبيا، وقد تم التوصل حتى الآن إلى اتفاق للقيام بذلك على مرحلتين: الأولى تكون قبل الانتخابات لطرد المرتزقة، والثانية انسحاب القوات الأجنبية بعد الانتخابات وتشكيل السلطة الجديدة في ليبيا.
هذه الخطوة الأمريكية الأخيرة ليست سوى تنازل من إدارة "بايدن" لتركيا، وكأن الليبيين لا يمكنهم الذهاب إلى صناديق الاقتراع دون وجود قوات تركية على أرض بلادهم!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة