أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليس منكم، ومع أنهم يعيشون معكم، فهم ليسوا ملكًا لكم..
أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم، ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكارًا خاصة بهم.. أنتم الأقواس وأولادكم سهامٌ حيّة قد رمت بها الحياة.
قالها جبران خليل جبران، ومضى، ولكن عن أي حياة كان يتحدث وعن أي بذور أفكار كان يخشى، مؤكد أنه لم يكن بخياله أن السهام طاشت في مهدها، والأقواس أغلبها ارتخى، وما نال الرامي صيدًا يُرتجى.
فكيف للخيال أن يستوعب مرارة الواقع، ويتقبل رؤية طفل، دون الثالثة عشرة، "قاصر"، متهما في قضية اغتصاب "طفلة" ما ودعت براءة الطفولة بعد، واقعة ربما لو طرحها الخيال لرفضها الواقع لـ"عدم معقولية تصوير الواقعة"، ذلك الدافع القانوني المستخدم للطعن في القضايا.
لكن الواقع المخيف انتصر في حادثة جديدة تُضاف لسلسلة حوادث "ما وراء الخيال"، لتقتل فينا ما تبقى من دهشة، وتزرع خوفًا جديدا في مواجهة مجتمع أنهكه سعار الجريمة، بات الجميع فيه ربما "مجرمين محتملين".
وحتى لا تموت الدهشة، ولا يصادقنا الخوف، وجب أن نبحث عن "المتهم الحقيقي"، الذي دفع طفلا قاصرًا -أستبعد أن يكون دافعه للجريمة جنسيًّا- أن يهاجم طفلة ويغتصبها، أيّا ما كان التوصيف القانوني، أو كانت المسارات القضائية.
المتهم هذه المرة في تقديري ربما يكون حاضرا في كل منزل، وفي كل يد، فبعدما غابت الأسرة عن دورها في التربية والرقابة، بغض النظر عن الأسباب والدوافع والمبررات، واتفاقنا معها أو رفضنا إياها، والحديث هنا يطول، حضر الهاتف المحمول في أغلب أوقات الأطفال، والراسم الحديث لوعيهم، ومعرفتهم، وسلوكهم.. صار البعبع متمكنًا منّا.
منظمة الصحة العالمية تقول إنه اعتبارًا من 25 أبريل/نيسان 2020، توقَّف قرابة 1.5 مليار طفل عن الذهاب إلى مدارسهم، ونتيجة لذلك، قد يقضي العديد منهم المزيد من الوقت أمام الشاشات لممارسة الأنشطة عبر الإنترنت في إطار التعليم المنزلي أو التواصل الاجتماعي مع الأقران أو الانخراط في ألعاب الفيديو، نظرًا لفرض القيود على مزاولة الأنشطة في الهواء الطلق، بسبب حظر الخروج.
وقد يتعرَّض صغار السن لأنماط الحياة غير الصحية، التي تتسم بقلة الحركة، أو التعرُّض للمحتوى الضار -العنيف أو الجنسي- أو التنمُّر الإلكتروني.
وترسم المنظمة، وهي تدق ناقوس الخطر، خارطة طريق للتعافي: تتحمَّل مختلف الفئات المستهدَفة مسؤولية اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان سلامة صغار السن عند استخدامهم الإنترنت، وتشمل هذه الفئات المستهدَفة: الآباء والأوصياء والسلطات المدرسية ومقدمي خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية وشركات التكنولوجيا الرقمية وألعاب الفيديو وراسمي السياسات.
"الحياة لا ترجع إلى الوراء.. لكن يمكن أن نعدل مساراتها قليلا"، بتركيز أكبر من الأسرة في الانتباه لسلوك أطفالها، ورقابة شديدة على ما يتابعونه، والعودة لدور الأسرة الأصيل في التوجيه والرقابة الرشيدة، وتعديل السلوك.. المسؤولية تشاركية بين الأسرة والمدرسة ومنظمات المجتمع المدني بأطيافها كافة.. لكن العبء الأكبر، والخطوة التي ليس لها بديل في تأثيرها، وصاحبة الاستجابة الأسرع، هي الأسرة، التي ما إنْ تبدأ في الانتباه والحدّ من سيطرة الغول المخيف، فسرعان ما تتعدَّل المسارات.. سِهامكم انطلقت فانتبهوا!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة