حلّ لغز «المستعمرة المفقودة» في أمريكا

رغم حجمها الذي لا يتعدى حبة الأرز، إلا أن قطعًا صغيرة من المعدن الصدئ، قد تكون المفتاح لحل أحد أقدم الألغاز في التاريخ الأمريكي.
هذه القطع المعدنية، التي تُعرف باسم "صفائح المطرقة"، عُثر عليها مؤخرًا في جزيرة هاتيراس، وتُشير بقوة إلى مصير المستوطنين الإنجليز الأوائل من سكان مستعمرة رونوك الشهيرة الذين اختفوا في ظروف غامضة أواخر القرن السادس عشر، بحسب صحيفة ديلي ميل.
تعود بداية القصة إلى عام 1587، حين قاد الحاكم الإنجليزي جون وايت 118 رجلاً وامرأة وطفلاً من أوائل المستعمرين الإنجليز إلى جزيرة رونوك، الواقعة حاليًا ضمن ولاية نورث كارولاينا الأمريكية.
وكان هؤلاء المستوطنون يأملون في تأسيس حياة جديدة في العالم الجديد، بعد محاولة استيطان سابقة فاشلة عام 1585، وكلتا الرحلتين كانتا بتمويل من السير والتر رالي، أحد أبرز الشخصيات البريطانية في عصر الملكة إليزابيث الأولى.
واجه المستوطنون صعوبات جمة، أبرزها نقص الغذاء واحتدام التوتر مع السكان الأصليين. ما دفع جون وايت للعودة إلى إنجلترا لجلب الإمدادات اللازمة لبقاء المستعمرة. وقبل مغادرته، أوصى المستوطنين بأن ينقشوا اسم وجهتهم على الأشجار أو الأعمدة إذا اضطروا للرحيل أثناء غيابه.
لكن عودته تأخرت ثلاث سنوات بسبب هجوم الأسطول الإسباني على إنجلترا، وعندما عاد أخيرًا في أغسطس/آب 1590، وجد المستوطنة مهجورة تمامًا، وقد أُزيل منها كل ما يمكن حمله، دون أي أثر للعنف أو القتال.
كان الدليل الوحيد على مصيرهم هو نقش كلمة "CROATOAN" على أحد الأعمدة الخشبية، وهي اسم قبيلة صديقة كانت تقيم في جزيرة هاتيراس، على بعد حوالي 80 كيلومترًا جنوب رونوك.
وفُسّر هذا النقش على أن المستوطنين انتقلوا للعيش مع هذه القبيلة، لكن غموض مصيرهم ظل قائمًا، وتحول إلى أحد أكبر الألغاز في التاريخ الأمريكي.
نظريات وأساطير حول المصير الغامض
على مدى أكثر من أربعة قرون، تعددت النظريات حول ما حدث للمستعمرين. فافترض البعض أنهم قُتلوا على يد قبائل معادية، أو هاجمهم الإسبان، أو ماتوا بسبب الجوع والمرض، أو حتى حاولوا الإبحار عائدين إلى إنجلترا وفشلوا. بينما رجح آخرون أنهم اندمجوا مع السكان الأصليين، خاصة قبيلة كروتوايان، استنادًا إلى نقش الكلمة على العمود.
هذا الغموض ألهم العديد من الكتّاب والفنانين، فظهرت قصة المستعمرة المفقودة في روايات ومسرحيات وأفلام ومسلسلات، بينها أعمال الكاتب الشهير ستيفن كينغ ومسلسل "قصة رعب أمريكية".
الاكتشاف الأثري الذي غيّر كل شيء
في السنوات الأخيرة، قاد العالمان مارك هورتون وسكوت داوسون عمليات تنقيب أثرية مكثفة في جزيرة هاتيراس، بالقرب من مدينة بوكسـتون. وخلال أكثر من عقد من العمل، عثروا على أدلة أثرية هامة، بينها كميات كبيرة من "مقاييس المطرقة" التي تعود إلى القرن السادس عشر، بالإضافة إلى أسلحة وشعارات معدنية وعملات أوروبية.
يؤكد هورتون، أستاذ علم الآثار، أن تقنية تشكيل المعادن التي أنتجت "مقاييس المطرقة" كانت معروفة للمستوطنين الإنجليز فقط، ولم تكن جزءًا من ثقافة السكان الأصليين. وهذا دليل قاطع على وجود المستوطنين الإنجليز في جزيرة هاتيراس، وأنهم أقاموا هناك لفترة كافية لتأسيس ورشة حدادة، ربما في انتظار عملية إنقاذ لم تأتِ مطلقا.
تعزز هذه النتائج الأثرية شهادات تاريخية سابقة، منها ما ذكره المستكشف الإنجليزي جون لوسون في أوائل القرن الثامن عشر، حيث قال إنه رأى في هاتيراس سكانًا بعيون رمادية ويرتدون ملابس إنجليزية ويتحدثون عن أجدادهم البيض ومعتقداتهم المسيحية، في إشارة واضحة إلى اندماج المستوطنين الإنجليز مع السكان الأصليين.
نهاية اللغز.. أم بداية لأسطورة جديدة؟
ويرى هورتون وداوسون أن هذه الأدلة المادية الحاسمة تُغلق الجدل حول مصير المستعمرة المفقودة، وتؤكد أن المستوطنين اندمجوا في مجتمع كروتوايان، ولم يختفوا أو يُقتلوا كما أشيع لقرون.
وهكذا، وبعد أكثر من 400 عام من التساؤلات والفرضيات والأساطير، يبدو أن لغز المستعمرة المفقودة" قد وجد حله أخيرًا في قطع صغيرة من المعدن الصدئ، لتكشف لنا أن المستوطنين الإنجليز لم يختفوا، بل عاشوا وتكيفوا وتركوا أثرهم في مجتمع جديد، بعيدًا عن أعين التاريخ الرسمي.
aXA6IDMuMTkuMjQ0LjEzMyA= جزيرة ام اند امز