انتخابات الرئاسة بروسيا منذ 1999.. تسليم وتسلم
الرئيس الأول يلتسن سلَّم الحكم إلى رئيس حكومته بوتين وسلَّم بوتين الحكم إلى رئيس حكومته ميديديف والأخير سلَّمها لرئيس حكومته بوتين.
امتاز عهد الرؤساء الروس الثلاثة الذين تولوا حكم البلاد عقب سقوط الاتحاد السوفيتي بالسلاسة في نقل الحكم على نظام "تسليم وتسلم"؛ حيث كان كل رئيس يدرك لمن يسلم مقاليد الحكم من بعده.
فقد سلَّم الرئيس الأول بوريس يلتسن الحكم إلى رئيس حكومته فلاديمير بوتين، وسلَّم بوتين الحكم إلى رئيس حكومته ديمتري ميدفيديف، والأخير سلمها لرئيس حكومته بوتين.
بوريس يلتسن
أول رؤساء ما سُمي بالاتحاد الروسي عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، متسلماً عرش روسيا في 10 يوليو/تموز 1991.
اتهمه البعض بأنه شارك في "تفتيت" الاتحاد السوفيتي عبر تشجيع بعض الجمهوريات التي كانت تابعة له لطلب الاستقلال، قائلاً: "خذوا أكبر قسط من السيادة تستطيعون حمله".
وفي 8 ديسمبر/كانون الأول 1991 وقّع يلتسين ورئيسا أوكرانيا وبيلاروس الاتفاقية التي أقرت بإنهاء وجود الاتحاد السوفيتي، وتشكيل رابطة الدول المستقلة، وذلك بالرغم من تصويت الأغلبية الساحقة من السكان لصالح الحفاظ على الاتحاد.
واجه يلتسن عدة أزمات في حكمه، خاصة مع شدة المعارضين لتفكيك الاتحاد السوفيتي، منها محاولة نواب روس عزله عام 1993، تخللتها مواجهة مسلحة بين مؤيديه ومؤيدي العزل، أسفرت عن مقتل 123 شخصاً وحل البرلمان، وإعادة هيكلته وتشكيله بالصورة الحالية.
وفي الدستور الجديد 1993 أخذ كرئيس صلاحيات أوسع على حساب ما كان للبرلمان.
واتجه نحو إصلاحات ليبرالية صادمة؛ منها الخصخصة وتشجيع اقتصاد السوق الحر، ثم واجه أزمة انهيار العملة الوطنية عام 1998، فيما وصفته وسائل إعلام روسية بأنها أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد منذ عقود، إضافة لصعود رجال الأعمال إلى الحكم وسيطرتهم على إدارة الاقتصاد.
ولا يحمل عصر يلتسن ذكريات طيبة في نفوس الروس، فقد اكتنفته كذلك أزمات تزايد الحروب الانفصالية مثل حرب الشيشان، وتراجع قوة الجيش، وانتشار الجريمة والفساد والإرهاب.
كما قدم تنازلات عدة للغرب أدت لتقليص تسليح الجيش الروسي وسحب قواته من ألمانيا.
وعلى إثر تزايد الرفض الشعبي له أعلن عام 1999 تنحيه عن الحكم، وسلَّم المسؤولية إلى فلاديمير بوتين، رئيس الحكومة آنذاك حتى إجراء الانتخابات الرئاسية.
فلاديمير بوتين
في عام 2000 فاز بوتين بالانتخابات الرئاسية بنسبة 52% من الأصوات، وكان عمره حينها (48 عاماً)، معلناً سلسلة من الإصلاحات الهادفة إلى انتشال روسيا من الهوة السحيقة التي سقطت فيها بصدمتي سقوط الاتحاد السوفيتي وفترة حكم يلتسن.
من أول تلك الإصلاحات الاتفاق مع رجال الأعمال الذين وصلوا لمراكز صنع القرار في عهد يلتسن بعدم ملاحقتهم في مقابل عدم تدخلهم في إدارة البلاد، وهو ما لم يستجب له بعضهم، مثل بوريس بيريزوفسكي، وفلاديمير جوسنسكي، وميخائيل خودوركوفسكي، ما أدى لرحيل اثنين منهم إلى الخارج وسجن الأخير.
واتخذ عدة قرارات لتعزيز الحكم المركزي، وقوة منصب الرئيس؛ ومنها منح رؤساء الاتحاد الروسي السابقين الحصانة، في مقابل رفع تلك الحصانة عن رؤساء أقاليم روسيا، وحرمانهم من عضوية مجلس الاتحاد، ثم عاد وجعل عضويتهم بالتعيين وليس بالانتخابات كما كانت قبله.
شهد عهده سلسلة من الحوادث الإرهابية، وأزمات احتجاز الرهائن، ثم بدأت حرب الشيشان الثانية التي تواصلت حتى 2009، انتهت إلى فرض السيطرة الروسية على الشيشان، وليس بالتصالح والانسحاب كما فعل سلفه يلتسن.
ومن أبرز إنجازات بوتين عمله على استعادة قوة ومهابة الجيش الروسي عبر برنامج تسليحي شامل.
كما أطلق حرباً على الفساد، وأقر قوانين بمعاقبة المسؤولين الذين يمتلكون أصولاً مصرفية في الخارج.
كذلك اهتم بالسيطرة على الإعلام سواء الداخلي أو الموجه للخارج، ومن أشهر وسائل الإعلام التي أطلقها في عهده وكالة "سبوتنيك" وفضائية "روسيا اليوم".
ديمتري ميدفيديف
تولى ميديديف الحكم عقب انتهاء ولايتي بوتين، بداية من 2008 وحتى 2012 مصحوباً بدعم قوي من بوتين الذي عمل معه كرئيس للوزراء، وهو ما وصف بأنها مناورة ليظل بوتين هو الحاكم الفعلي للبلاد، ولكن بشكل لا ينتهك الدستور الذي لا يسمح لرئيس بتولي أكثر من ولايتين بشكل متتالٍ.
وأيد ذلك أنه في 2012 عادت الكرة إلى بوتين، الذي ترشح مجدداً لمنصب الرئيس، وتبادل الأدوار مع ميديديف الذي صار حتى الآن رئيساً للوزراء.
واستكمل ميديديف خلال مدة رئاسته الملفات التي كان يعمل عليها بوتين، خاصة ما يتعلق بمكافحة الفساد وتحديث الاقتصاد وتقليل اعتماده على النفط والغاز، بسبب تأرجح أسعارهما.
وليس من الواضح ما إن كان بوتين وميديديف سيكرران نفس الدورة مرة أخرى أم لا عقب انتهاء الولاية الجديدة لبوتين المتوقع فوزه بها في الانتخابات الرئاسية المزمعة الأحد المقبل.