لا شك أن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعطي دفعة مهمة ونقلة نوعية في تاريخ العلاقات الروسية السعودية والروسية الإماراتية
لم يعد النظام الدولي كما كان ما بعد الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، فقد برز نظام دولي جديد (التعددية القطبية) مع بروز قوى صاعدة مثل القوة الصينية الصاعدة، وقيادة روسية نجحت في العبور بالدولة الروسية من مرحلة العزلة والانكفاء التي كانت هي السمة السائدة ما بعد الانهيار والتفكك السوفيتي، إلى مرحلة جديدة وإيجاد موطئ قدم في النظام الدولي الجديد المتعدد الأقطاب، ومن هنا حاولت روسيا أن تضمن لها مكانة مهمة في منطقة الشرق الأوسط، هذه المنطقة التي تؤثر على العالم سياسيا واقتصاديا، ومن ثم فإن روسيا التي سعت إلى الدخول في ملف الأزمة السورية وأحدثت الكثير من المتغيرات في هذا الملف دفعها لتصبح قوة فاعلة ومؤثرة على صعيد الملف السوري، وأيضا على صعيد السياسة الإقليمية والدولية عملت على ترسيخ وجودها في منطقة الشرق الأوسط، هذه المنطقة المهمة بالنسبة للقوى الصاعدة والتي لم تفقد أهميتها منذ "الحرب الباردة".
إن التقارب في المواقف السياسية بين الرياض وموسكو يعني المزيد من انحسار النفوذ الإيراني في المنطقة، ربما المتابع للمقابلة التي أجراها الرئيس فلاديمير بوتين مع عدة قنوات -منها العربية وسكاي نيوز- يجد أن مطالبة الرئيس الروسي بخروج جميع القوات الأجنبية من سوريا إشارة واضحة إلى وجود أرضية خصبة لموقف سياسي روسي جديد تجاه طهران
إن التحرك الروسي باتجاه الخليج بزيارة الرئيس الروسي إلى السعودية ثم إلى الإمارات، بلا شك يقف خلفها قناعة روسية؛ بأن هذه الدول هي مركز الثقل على الصعيد العربي، وهي مركز القيادة في كثير من ملفات منطقة الشرق الأوسط، ومركز الثقل السياسي والاقتصادي ليس فقط على الصعيد الإقليمي، وإنما أيضا على صعيد التأثير في السياسة الدولية، ومن ثم فإن وجود علاقات جيدة لروسيا مع الرياض وأبوظبي هو بلا شك تنظر له موسكو بأنه من مصلحتها، ويخدم بدرجة كبيرة "الاستراتيجية الروسية" التي تسعى للخروج من حالة الانكفاء والعزلة، ووضع موطئ قدم لها في النظام الدولي الجديد والمتعدد الأقطاب.
لا شك أن هذه الزيارة تعطي دفعة مهمة ونقلة نوعية في تاريخ العلاقات الروسية السعودية والروسية الإماراتية، بالنظر إلى عدة عوامل؛ أهمها الأوضاع التي تعيشها المنطقة، والتي تلعب روسيا والسعودية والإمارات دوراً سياسياً وعسكرياً فيها، وهو ما يقود إلى تعميق التعاون بين الجانب السعودي والإماراتي والجانب الروسي من أجل تحقيق الاستقرار، وعلى صعيد الاتفاقيات الموقعة والتي بلغت الاتفاقيات السعودية-الروسية ما يقارب الـ30 اتفاقية ومذكرة تفاهم، وهو رقم قوي جداً يعكس رغبة البلدين على تعميق وتطوير وتعزيز التعاون في المجالات كافة، حيث وفرت الرؤية السعودية الطموحة 2030 الأرضية الخصبة نحو رفع مستوى التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين، ففي حديث لرئيس الصندوق الاستثماري الروسي المباشر تحدث بلغة الأرقام عن الاستثمارات السعودية-الروسية، باستثمارات سعودية في روسيا بلغت 2.5 مليار دولار، وضخ روسي في المقابل لما يقارب المليار دولار استثمارات روسية في السعودية، وأيضا استثمارات سعودية في مجال البتروكيماويات في روسيا، ومن ثم فإن العلاقة الاقتصادية والاستثمارية السعودية-الروسية عامل مهم ومدخل رئيسي في تعميق التعاون السياسي، وهو ما سوف يقود إلى تخفيض هوة الاختلافات في المواقف السياسية تجاه قضايا المنطقة، ويقود إلى تقريب وجهات النظر بين البلدين، خاصة تجاه القضية السورية.
أيضا هناك عامل مهم في الارتقاء بالعلاقات السعودية-الروسية، وهو حجم التعويل من قبل القيادة السياسية الروسية على هذه الزيارة إلى السعودية، يمكن النظر إليها بأنها تترجم وجود رغبة روسية بتعميق العلاقة مع الرياض، والعمل على الارتقاء بها إلى مستويات عالية وجديدة وآفاق واسعة، وهو ما نشاهده في حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أكد ثقته بأن تشهد زيارته إلى السعودية "انطلاقة جديدة" لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين.
عندما ننظر إلى زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الرياض لا بد من النظر إلى زاوية مهمة، وهي "العلاقات الروسية الإيرانية"، فلا شك أن إيران سوف تتابع بقلق هذه الزيارة التي ليست مجرد زيارة عابرة بقدر ما هي مرحلة مهمة في تاريخ العلاقات الروسية السعودية، مبنية على شركة استراتيجية طويلة الأمد، وعلى رؤية السعودية 2030، لذلك هناك انعكاسات ناتجة عن ذلك على الصعيد السياسي، وتقريب وجهات النظر بين الرياض وموسكو، ومن ثم توسعة هوة الاختلافات في المواقف السياسية بين موسكو وطهران، الأمر الذي يدفع طهران بعيداً عن روسيا، التي تحاول التعويل عليها في ظل حال الضغط الدولي الذي تعيشه إيران.
إن التقارب في المواقف السياسية بين الرياض وموسكو يعني المزيد من انحسار النفوذ الإيراني في المنطقة، ربما المتابع للمقابلة التي أجراها الرئيس فلاديمير بوتين مع عدة قنوات -منها العربية وسكاي نيوز- يجد أن مطالبة الرئيس الروسي بخروج جميع القوات الأجنبية من سوريا إشارة واضحة إلى وجود أرضية خصبة لموقف سياسي روسي جديد تجاه طهران؛ لأن المقصود بالدرجة الأولى خروج إيران ومليشياتها، ومن ثم فإن هذه الدعوة تأتي في سياق تقارب المواقف السياسية بين الرياض وموسكو، كما أن الموقف السياسي تجاه طهران لن يتوقف عند هذا الحد بقدر ما سيقود إلى أن يتطور أكثر فأكثر؛ لأن من مصلحة روسيا أيضا إضعاف النظام الإيراني، لأن هذا سوف يقود إلى التفرد الروسي بالنفوذ في الساحة السورية، بدلا من المضايقات الإيرانية التي تحاول أن تتقاسم مع الروس النفوذ في الأراضي السورية، وتسعى لاقتحام مناطق نفوذ موسكو كما يحدث في ميناء اللاذقية الذي بدأت تتوجه إيران في الآونة الأخيرة إلى إدارة هذا الميناء الذي يقع ضمن مناطق النفوذ الروسي، وهو بالتالي يحمل معه إشارة واضحة إلى انهيار التوافق الروسي-الإيراني في الملف السوري، ليحل التنافس بين طهران وموسكو، بدلاً من مرحلة التوافق وتقاسم النفوذ.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة