"شرطي الحرب الباردة".. "منظمة الأمن والتعاون بأوروبا" بمرمى هجوم روسيا
عادت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى الواجهة مجددا في الصراع بين روسيا والقوى الغربية، بعد هجوم روسي عليها.
المنظمة التي كان يطلق عليها مجازا "شرطي الحرب الباردة"، والتي نشأت على وقع الصراع بين واشنطن وموسكو، اتهمها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بأنها "فقدت الثقة كقاعدة أمنية وجسر للتواصل بين بلاده والغرب".
- العقوبات ضد روسيا.. 17 مليار يورو أصولا مجمدة لـ90 فردا في أوروبا
- "القمع" وظلال روسيا.. أوروبا تحضّر لإيران "حزمة عقوبات"
ما هي المنظمة وما دورها؟
المنظمة بدأت مشاورات تكوينها على وقع الحرب الباردة في 24 مايو/أيار 1972 خلال اجتماع بين الرئيس الأمريكي، آنذاك، ريتشارد نيكسون، وسكرتير الحزب الشيوعي السوفياتي ليزنيد بريجنيف، للتفاوض بين البلدين بشأن تقليص قواتهما في أوروبا، وإقامة جسر للتعاون بين البلدين.
وأعقب هذا الاجتماع سلسلة من المفاوضات اتفق خلالها الطرفان على تأسيس ما يسمى بـ"مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا، الذي تغير اسمه فيما بعد إلى "منظمة الأمن والتعاون في أوروبا".
وعقب مجموعة من اللقاءات والاتفاقات انطلقت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا عام 1975، كأكبر منظمة دولية للتعاون الإقليمي، على مستوى رؤساء الدول والحكومات، وتضم بعضويتها حاليا 57 دولة من أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا.
وتعدّ المنظمة منصة للتعاون على منع النزاعات وإدارة الأزمات وإعادة التأهيل بعد الصراع، كما أنها منتدى للحوار السياسي حول القضايا الأمنية، وتختص بقضايا مثل الحدّ من التسلح، وحرية الإعلام، ودعم حقوق الإنسان، ومراقبة الانتخابات وتقييمها في دولها الأعضاء، إضافة إلى العمل على منع نشوب صراعات بين الدول الأعضاء.
كما تهتم المنظمة بمحاربة الاتجار بالبشر ومنع انتشار الأسلحة الخفيفة والمخدرات، وتعمل على مكافحة الإرهاب، ودعم حقوق الأقليات، وحفظ الأمن ودعم الشرطة، وسيادة القانون.
هجوم روسي على المنظمة
والخميس، شن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف هجوما على المنظمة مؤكدا أنها أصحبت بمثابة "قائمة كبيرة من المشاكل".
ولفت لافروف، خلال مؤتمر صحفي حول قضايا الأمن الأوروبي عبر تقنية الفيديو، إلى أن "فكرة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا كقاعدة أمنية فقدت الثقة من حيث القرارات المتخذة منذ عام 1990"، وأصبحت أفعالها "تثير التساؤل عما ستكون عليه علاقتنا بالمنظمة".
وتابع: "عدوان حلف الناتو على يوغسلافيا دمر المبادئ الأساسية التي اعتمدت عليها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا".
وأوضح لافروف أن "أمريكا انسحبت من معاهدة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى ومن معاهدة السماء المفتوحة ولم تعلق الدول الأوروبية على هذه الخطوات".
وأشار وزير الخارجية الروسي إلى أن "الغرب لم يتخذ أي خطوة لوضع اتفاقيات دولية تهدف إلى تحقيق توازن المصالح في العالم"، لافتا إلى أن "العلاقات الروسية مع الغرب لن تعود كالسابق".
واتهم لافروف الغرب بـ"رفض فرصة تحويل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى جسر حقيقي للتواصل مع روسيا بعد الحرب الباردة".
وتابع: "يحاول الغرب منذ سنوات طويلة خصخصة هذه المنظمة (لمصلحته) مستغلا تفوقه العددي فيها.. أو ربما بشكل أدق يحاول الاستحواذ عليها، والهيمنة على المنتدى الأخير للحوار الإقليمي".
هجوم على الناتو
وفي سياق متصل، أكد لافروف أن "التوسع غير المحسوب" لحلف الأطلسي (الناتو) قلل من قيمة المبادئ الأساسية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا".
ولفت إلى "الحلف يقترب من حدود روسيا ويعزز قدراته الهجومية، عبر تدريبات عسكرية لدوله تعتبر روسيا كـ"دولة عدوة"، وهو خرق لجميع المعاهدات، وبينها معاهدة 2010 التي تم التوقيع عليها من قبل جميع رؤساء وزراء الناتو".
واتهم وزير الخارجية الروسي حلف الناتو بالسعي إلى "فرض هيمنته على أنحاء العالم، وتهديد أمن روسيا بشكل مباشر".
ولفت لافروف إلى أن "بولندا بصفتها الرئيس الحالي لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا كانت تحفر قبرا للمنظمة طوال العام الماضي"، مؤكدا أن "الأمن والتعاون في أوروبا أصبحت منظمة هامشية"، وأن "الأمن في أوروبا يتشتت نهائيا".
وأشار إلى أن "شدة وكثافة القصف الأوكراني على دونباس زادت في منتصف فبراير/شباط الماضي ما أدى إلى تدفق آلاف المهاجرين إلى روسيا".
وتابع: "واشنطن وبروكسل دعما نظام كييف في سياسته التي تدعو للضغط ومحاربة الثقافة واللغة الروسية وكل ما يتعلق بروسيا، ودعموا المتطرفين هناك، ونظام كييف في مساعيه هذه".
وأشار وزير الخارجية الروسي إلى أن "الغرب لم يتخذ أي خطوة لوضع اتفاقيات دولية تحقق توازن المصالح في العالم، واقترحنا وضع ضمانات أمنية كل الأطراف، لكن حلف الناتو رفض مقترحاتنا".
وأوضح لافروف أن "الولايات المتحدة تريد الهيمنة على أوروبا كلها، ليس فقط ألمانيا، بل الاتحاد الأوروبي، وبعد انتهاء الحرب الباردة فلسفة الهيمنة تصاعدت".
وتابع: "موسكو لم تطالب بإجراء مفاوضات مع أوكرانيا لكنها مستعدة للاستماع إلى الجانب الآخر، وحلف الناتو لا يزال يفرض الحرب ويفضل القتال حتى آخر أوكراني".
أزمة بحر الصين الجنوبي
واتهم لافروف حلف الناتو بتأجيج التوتر قرب الصين بطريقة تمثل مخاطر بالنسبة لروسيا، موضحا أن "بحر الصين الجنوبي أصبح الآن إحدى تلك المناطق التي يتطلع إليها الحلف كما فعل سابقا في أوكرانيا".
وأضاف "نعلم مدى جدية الصين في التعامل مع مثل هذه الاستفزازات، ناهيك عن تايوان ومضيق تايوان، وندرك أن اللعب بالنار في هذه المناطق يشكل تهديدات ومخاطر لروسيا، لإنه قريب من شواطئنا وبحارنا مثل الصين، ولهذا تطور روسيا التعاون العسكري مع الصين ونجري تدريبات مشتركة".
وأشار إلى "أعضاء حلف الناتو تحت قيادة أمريكا يحاولون خلق وضع متفجر هناك، في أوروبا، يفهمها الجميع جيدا"، دون أن يقدم أدلة تدعم تأكيداته لكنه أشار إلى تشكيل تحالف "أوكوس" بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا.
كما اتهم الحلف بمحاولة جر الهند لما سماه بـ"تحالف مناهض لروسيا والصين"، تزامنا مع الضغوط الغربية على النفوذ الروسي.
"محكمة جرائم الحرب"
وفي سياق آخر، ندد الكرملين، الخميس، بدعوات الاتحاد الأوروبي لإنشاء محكمة لجرائم الحرب، قائلا إن "أي كيان من هذا القبيل لن تعترف به موسكو وستعتبره غير شرعي وغير مقبول".
ولفت دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين إلى أن، في تصريحات صحفية، إلى أنه "بالنسبة لمحاولات إنشاء محكمة بشكل ما لن تكون شرعية ولن نقبلها وسنندد بها".
وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين قالت، الأربعاء، إن "الاتحاد الأوروبي سيحاول إنشاء محكمة خاصة تدعمها الأمم المتحدة للتحقيق في جرائم حرب محتملة للقوات الروسية في أوكرانيا ومحاكمة مرتكبيها".
واتهم الغرب وأوكرانيا، روسيا، مرارا وتكرارا، بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا منذ بدء العملية العسكرية في 24 فبراير/شباط الماضي، كما تضغط كييف لإنشاء محكمة خاصة لمحاكمة القادة العسكريين والسياسيين الروس.
وتنفي روسيا استهداف المدنيين أو ارتكاب جرائم حرب خلال "العملية العسكرية" بأوكرانيا، وتتهم القوات الأوكرانية بانتهاك القانون الدولي واتفاقيات جنيف.