"اقتصاد الكلاشينكوف" في مواجهة العقوبات.. كيف تحصنت روسيا؟
وسط تصاعد التوتر بين روسيا والدول الغربية بقيادة أمريكا والحديث عن غزو روسي محتمل لأوكرانيا وعقوبات غربية منتظرة على موسكو يفرض مستقبل الاقتصاد الروسي نفسه على تطورات الأحداث.
وتراهن الدول الغربية دائما على سلاح العقوبات الاقتصادية لردع أي تحرك روسي غير مرغوب، لأن هذه الدول غالبا لا تستطيع بالقطع اللجوء إلى القوة العسكرية في مواجهة روسيا. وفق محللين لوكالة بلومبرج.
في المقابل أمضى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السنوات الماضية ليستعد للأسوأ، على حد قول المحللة الاقتصادية كلارا فيريرا ماركيز.
فمنذ 2014 على الأقل، عندما تعرضت روسيا لضربة مزدوجة من انهيار أسعار النفط والعقوبات الغربية ضدها بسبب النزاع في أوكرانيا، بدأ الكرملين بناء تحصينات مالية وضبط أوضاع الاقتصاد الكلي، وقلص الاعتماد على الدولار الأمريكي.
كما دعم بوتين الإنتاج المحلي البديل للواردات، وحتى عندما تفشت جائحة فيروس كورونا المستجد ووصلت تداعياتها الاقتصادية إلى الأسر الروسية، لم تتخل الحكومة عن القيود على الإنفاق العام لمساعدة هذه الأسر.
- شبح العقوبات.. بوتين يوجّه الشركات بسرعة التحول لبرمجيات روسية
- جو بايدن يستهدف ثروة فلاديمير بوتين.. كم تبلغ قيمتها؟
ورأى المحللون أنه نتيجة لذلك، تدخل روسيا الأزمة الحالية بأسس اقتصادية تبدو أفضل من أي وقت مضي، مع عبء دين عام منخفض نسبيا، واحتياطي نقدي من العملات الأجنبية يقترب من 640 مليار دولار، وغطاء مالي يعادل حوالي 12% من إجمالي الناتج المحلي، في صورة صندوق الثروة الوطني الذي استفاد بشدة من انتعاش عائدات تصدير النفط والغاز الطبيعي بعد طفرة الأسعار خلال العام الماضي. كما أصبحت روسيا في عام 2020 ولأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي مصدرا صافيا للمنتجات الزراعية.
ومع ذلك تقول كلارا ماركيز في تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء إنه ما زال من غير المعروف ما إذا كانت هذه الأرقام كافية لحماية روسيا في حال تعرضها لعقوبات اقتصادية شديدة. فنحن لا نعرف المدى الذي يمكن أن تمضي إليه روسيا في التعامل مع ما تسميه تهديدا لحدودها الغربية.
وتضيف، لا نعرف مدى شدة العقوبات التي سيرد بها الغرب على أي هجوم أو غزو عسكري روسي لأوكرانيا، في حال حدوثه.
فهناك مجموعة واسعة من الخيارات المتاحة لدى كل جانب، لكن من السهل المبالغة في تقدير استفادة بوتين من وضع اقتصاده القوي. هذه القوة موجودة بالفعل، لكنها توفر حماية قصيرة المدى، مع تكلفة عالية على المدى الطويل، نظرا للتضحية بالإنتاجية والنمو من أجل الاستقرار والمحافظة على نظام الحكم. كما أن استمرار اعتماد الاقتصاد الروسي على صادرات النفط والغاز، وتدهور الأوضاع السكانية أصبحت نقاط الضعف في الموقف الروسي أشد وضوحا.
وتقول ماركيز إنه يمكن تلخيص المشكلة التي يواجهها بوتين بكلمة واحدة هي "السبات".
وتضيف، بناء هيكل اقتصادي دفاعي يعني المركزية، وزيادة الادخار وبالتالي تقليص الاستثمار في احتياجات المستقبل، إلى جانب ذلك ينطوي على دعم للشركات الحكومية الكبيرة التي تساند الدولة لكنها تقلص مستوى المنافسة في السوق وتشجع على إساءة توظيف الموارد.
كما أن الصادرات الروسية تعتمد على عدد محدود للغاية من الصناعات، وهي النفط والغاز الطبيعي والتكنولوجيا النووية والأسلحة والحبوب، وتعتبر الاستثمارات الأجنبية المباشرة الحقيقية في روسيا عند حدودها الدنيا.
ويصف ريتشارد كونوللي، مدير مؤسسة "إيسترن أدفايوري جروب" والمراقب المخضرم للسياسة الاقتصادية الروسية، الاقتصاد الروسي بأنه "اقتصاد الكلاشينكوف"، حيث كانت الاستمرارية هي الأولوية له وليس الأداء.
وتابع "كما أن الدولة لا تلعب دور المحفز لهذا الاقتصاد إنما تلعب دور المعوق له، فالإنفاق الروسي على الأبحاث والتطوير يعادل 1% من إجمالي الناتج المحلي وهو ما يمثل نحو نصف وربما ثلث معدل الإنفاق في اقتصادات السوق. ويقول كونوللي إن نحو ثلثي الإنفاق على الأبحاث والتطوير يأتي من المؤسسة العسكرية، وأغلب الباقي يأتي من قطاع النفط والغاز".
كما أن التحصينات الاقتصادية التي أقامها بوتين قد تحمي الكيانات الكبرى في الدولة، لكنها تضر بالأسر والشركات الصغيرة التي تعاني بشدة. فمعاناة الروس من جائحة كورونا المخيفة وعدم ثقتهم بتصريحات المسؤولين تحولت إلى رفض للحصول على اللقاحات المضادة للفيروس وهو ما جعل أقل من نصف السكان فقط يحصلون على اللقاح.
ووفق التقرير، متوسط دخل الفرد الحقيقي في روسيا الآن أقل منه قبل غزو شبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014، وارتفع معدل التضخم إلى أكثر من ضعف المستوى الذي يستهدفه البنك المركزي، مع انخفاض قيمة الروبل أمام الدولار مما يضاعف معاناة الروس.
علاوة على ذلك فإنه رغم كل التضحيات التي تحملها الروس العاديون باسم تحقيق الاكتفاء الذاتي، ما زال الاقتصاد الروسي يعتمد بشدة على قطاع النفط والغاز الذي شكل خلال السنوات الأخيرة حوالي 20% من إجمالي الناتج المحلي، وحوالي 40% من الإيرادات الاتحادية وجزءا كبيرا من الصادرات.
ورغم أن أوروبا تعتمد بشدة على استيراد الغاز الروسي الذي يمثل حوالي 40% من واردات الغاز في أوروبا، فإن روسيا أيضا تعتمد بشدة على السوق الأوروبية لتصدير الغاز بشكل خاص.
وتقول ماريا شاجينا، خبيرة العقوبات الاقتصادية والباحثة الزائرة في المعهد الفنلندي للشؤون الدولية، إن أوروبا ترتكب خطأ بالتركيز فقط على نقاط ضعفها في العلاقة مع روسيا دون النظر إلى نقاط الضعف لدى الطرف الآخر.
وتابعت، إذا كانت أوروبا تحتاج إلى إمدادات الطاقة القادمة من روسيا، فإن الأخيرة تحتاج إلى السوق الأوروبية لآنها لن تستطيع بسهولة إيجاد أسواق بديلة لسلعتها الحيوية، كما أن الصين على سبيل المثال التي تعمل بجد على تنويع مصادر إمداداتها بالطاقة، ستكون لها اليد العليا في أي علاقة مع روسيا في هذا الملف، كما أن الشركات الصينية خاصة البنوك تبدو غير متحمسة للعودة إلى روسيا خوفا من أي عقوبات أمريكية.
ويستبعد إيكا كورهونين، الباحث في معهد بنك فنلندا للاقتصادات الصاعدة والمتخصص في دراسة آثار العقوبات، أن تكون الصعوبات الاقتصادية المنتظرة كافية لكي يتراجع بوتين عن سياساته، لأنه يركز غالبا على الأهداف قصيرة المدى. فالاعتبارات الاقتصادية لم تمنع بوتين من احتلال شبه جزيرة القرم عام 2014. كما أن التجارب السابقة تقول إنه لا يوجد علاج لقصر النظر الاستبدادي.
ووصفت الرئاسة الروسية (الكرملين)، الأربعاء، فكرة فرض عقوبات أمريكية على الرئيس فلاديمير بوتين بـ"المدمّرة".
جاء ذلك تعقيبا على تصريحات أدلى بها، الثلاثاء، الرئيس الأمريكي جو بايدن، أجاب فيها بـ"نعم"، ردا على سؤال طرحته صحفية حول ما إذا كان يعتزم فرض عقوبات على بوتين شخصيا، دون تحديد طبيعة العقوبات المحتملة.
وحذر بايدن من أنه في حال غزت روسيا أوكرانيا "بالكامل" أو "حتى أقل من ذلك بكثير"، فستكون هناك "تداعيات هائلة" و"سيغيّر ذلك العالم".
aXA6IDMuMjEuMjEuMjA5IA== جزيرة ام اند امز