عقوبات روسيا.. 10 دروس تعيد الغرب لترسانة خياراته
للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية تستهدف الدول الغربية قوة عظمى بعقوبات اقتصادية، ما يجعلها اختبارا للنفوذ الغربي.
وفي مقال بعنوان " عقوبات روسيا: 10 دروس وأسئلة بشأن المستقبل" على موقع مجلة فورين بوليسي الأمريكية سعت الكاتبة أجاث ديمارايس، مديرة التنبؤات العالمية في وحدة الاستخبارات الاقتصادية الأمريكية إلى استخلاص الدروس المستفادة من العقوبات الغربية على روسيا، بجانب توقعاتها لما بعد العقوبات الغربية عليها.
الدروس المستفادة
1 – العقوبات ليست حلاً سحريًا:
لا تستطيع العقوبات أن تعمل من تلقاء نفسها، بل عنصر واحد ضمن مجموعة الأدوات الدبلوماسية الغربية، ضمن أدوات أخرى، مثل إمدادات الأسلحة والدعم المالي. ومن ثم ينبغي أن تكون التوقعات حول ما يمكن للعقوبات إنجازه واقعية. ففي حالة روسيا، تعد العقوبات طريقة قوية لتكبيل قدرتها الاقتصادية والمالية والتكنولوجية لشن حرب ضد أوكرانيا، لكنها برغم ذلك، لن تنجح في تغيير النظام في موسكو؛ إذ يُظهر التاريخ أن ذلك لم ينجح مسبقاً؛ ويكفي الاطلاع على فشل العقوبات الأمريكية ضد كوبا لأكثر من نصف قرن، كما أنها لن تؤدي إلى انهيار اقتصادي في روسيا؛ بالنظر إلى كون روسيا تاسع أضخم اقتصاد في العالم، كما أنه لن يكون في مصلحة الدول الغربية انهيار روسيا؛ لأن ذلك سيؤدي على الأرجح إلى ركود عالمي. ولن تنجح أيضا في إجبار الكرملين على تغيير حساباته، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقتنع بأنه يخوض حرباً وجودية ضد أوكرانيا والغرب.
2 - ضرورة وضع أهداف واضحة للعقوبات:
تثير العقوبات على روسيا حالة من الجدل؛ فالبعض يراها عقوبات عديمة الفائدة، نظرا لتكيف الاقتصاد الروسي السريع في التعامل مع العقوبات، وحالة الضعف التي هيمنت على أوروبا بسبب فقدان إمدادات الطاقة. في المقابل يرى مؤيدو العقوبات أنها ذات جدوى؛ لأنها ستُجبر الكرملين على اتخاذ خيارات مالية مختلفة ما بين شن الحرب والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي.
لكن المشكلة هي أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم يقدموا قائمة أهداف محددة للعقوبات، وهو ما يمثل إشكالية لسببين على الأقل: الأول هو الافتقار إلى الوضوح بشأن تعريف النجاح، ويؤدي إلى إثارة الارتباك حول فاعلية العقوبات، وهو ما يساعد الكرملين بدوره في التأكيد على أن العقوبات لا تجدي نفعا. والثاني أن وجود أهداف واضحة يشكل أهمية كبيرة لتحقيق النتائج المرجوة من العقوبات.
3 - إظهار أهمية الوحدة الغربية بشأن العقوبات:
كانت الوحدة بين الولايات المتحدة وأوروبا بشأن العقوبات قوية للغاية. وكان تجميد احتياطيات البنك المركزي الروسي في المصارف الأوروبية بعد أيام قليلة من العملية العسكرية رد فعل قويا على بوتين، الذي كان يراهن على فشل وحدة الدول الغربية.
كما أثبت الاتحاد الأوروبي وحدة أثارت الدهشة؛ لمسارعته إلى فرض عقوبات صارمة بسرعة؛ ولحاجة هذه العقوبات إلى موافقة جميع الدول الأعضاء في الاتحاد، بمن في ذلك منتقدو العقوبات مثل المجر. وكانت المفاجأة الأخرى لبوتين أن عزيمة أوروبا لم تضعف هذا الشتاء وسط ارتفاع أسعار الطاقة والمخاوف من حدوث ركود.
4 - أولوية منع الصين عن مساعدة روسيا:
في 2022 استهدفت العقوبات على الأغلب الحد من قدرة روسيا على استيراد منتجات عالية التقنية، مثل أشباه الموصلات إلى جانب الأجزاء الأخرى التي تدخل في صناعة الطائرات والسيارات. ولذا سعت موسكو إلى البحث عن بدائل. لكن الشركات الصينية لم تسع لملء هذا الفراغ الذي خلفته الشركات الغربية.
5 - مواجهة حرب المعلومات المضللة الروسية:
تشكل الإحصائيات جزءا أساسيا في جهود الكرملين لزرع الشكوك حول فاعلية العقوبات. هذه الاستراتيجية تتمثل في ثلاثة محاور: الأول: نشر بيانات اقتصادية مشكوك في صحتها، في الوقت الذي لا تتوافر فيه البيانات والإحصاءات الأخرى المهمة. الثاني: تؤخر موسكو نشر المؤشرات التي تشير إلى تدهور الاقتصاد الروسي. الثالث: يتواصل الكرملين وداعموه بشكل مكثف بناءً على التوقعات الأكثر إيجابيةً، ويقدمونها على أنها حقائق رغم أنها بعيدة عن الواقع.
6 - ثمار العقوبات تتحقق على المدى الطويل:
بعد تأخير طويل، نشرت خدمة الإحصاء الروسية بيانات الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022 في أواخر فبراير/ شباط الجاري. وبحسب الإحصاءات المنشورة، انكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 2.1 بالمائة عام 2022. لكن الكاتبة ترى أن هذا الرقم مشكوك فيه؛ ففي ديسمبر/ كانون الأول 2022، سجَّلت مبيعات التجزئة والإنتاج الصناعي أكبر انخفاض على أساس سنوي منذ ما يقرب من ثلاث سنوات؛ ما يُبرز حقيقة أن الاقتصاد الروسي ليس في وضع الانتعاش بعد. وتتوقع الكاتبة أن يستغرق الناتج المحلي الإجمالي لروسيا نحو خمس سنوات للتعافي إلى مستويات ما قبل الحرب.
ما بعد العقوبات
1 - هل يستطيع الغرب تشديد العقوبات المفروضة وسد الثغرات؟
بعد المسارعة لفرض العقوبات في 2022 ستسعى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في 2023 إلى رصد وسد ثغرات العقوبات. ولتشديد العقوبات، ستكون الديمقراطيات الغربية بحاجة إلى جهود الدول التي لم تشترك في فرض العقوبات، وكذلك سد الثغرات التي تمكن روسيا من الحصول على أشباه الموصلات المتقدمة. فعلى المدى القصير، ستحتاج روسيا إلى هذه الرقائق لإنتاج الصواريخ التي تستخدمها في أوكرانيا. وعلى المدى الطويل، فإن عدم قدرة روسيا على الوصول إلى أشباه الموصلات، سيؤثر على جهود التنويع الاقتصادي للكرملين، ولن تتمكن بكين من مساعدة موسكو لأن الصين تواجه قيوداً مماثلة على الوصول للرقائق الدقيقة.
2 – هل يستطيع الغرب مواجهة الدعاية الروسية للعقوبات في الجنوب العالمي؟
تعمل آلة الدعاية الروسية بكامل قوتها لنشر وجهات نظرها حول العقوبات في دول الجنوب العالمي؛ إذ تسعى دعاية موسكو إلى زرع الشكوك حول الآثار المتتالية للعقوبات، مدعيةً أن انعدام الأمن الغذائي والطاقة في البلدان الناشئة ناجم عن العقوبات لا الحرب والحصار الروسي على البحر الأسود. ومن ثم ينبغي أن يكون التصدي للدعاية الروسية أولوية أخرى للدول الغربية عام 2023.
3 – هل ستفرض واشنطن عقوبات ثانوية على روسيا؟
النفوذ الاقتصادي العالمي لروسيا والحاجة إلى فرض عقوبات رادعة، يعنيان أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم يستنفدا جميع الخيارات في ترسانة العقوبات. فالعقوبات الغربية ضد روسيا ليست هي الأشد صرامةً على الإطلاق؛ فقد كانت العقوبات ضد إيران بين عامي 2012 و2015 أشد صرامة بكثير. لكن الدول الغربية تسعى في حالة روسيا إلى تجنب بعض العقوبات، وهو ما من شأنه أن يمنح الغرب نفوذاً في مفاوضات السلام النهائية.
في المقابل، سيؤدي فرض الولايات المتحدة عقوبات ثانوية على روسيا، إلى إجبار الشركات في جميع أنحاء العالم على الاختيار بين الأسواق الأمريكية والروسية، وهو سيناريو يعني تخلي معظم الشركات عن روسيا وهو ما من شأنه أن يعطل أسواق السلع العالمية ويعطي مصداقية لمزاعم روسيا بأن العقوبات هي السبب في أزمات الطاقة وانعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم.
4 – كيف يمكن للغرب التعامل مع معضلة مقاومة العقوبات؟
تكثف روسيا وإيران والصين ودول أخرى جهودها لتحصين اقتصاداتها ضد العقوبات، وهي خطوات وقائية للتخفيف من أثر العقوبات المالية المحتملة. ويأتي ضمن هذه الآليات جهود إزالة "الدولرة"، وتطوير بدائل لنظام "سويفت"، وإنشاء عملات رقمية للبنوك المركزية.
وترى الكاتبة أن هذه الابتكارات تشكل خطورة بالغة. فبالإضافة إلى قدرتها على الحد من فاعلية العقوبات، تتيح أيضا للجماعات الإجرامية الوصول إلى القنوات المالية البعيدة عن الرقابة الغربية.
aXA6IDMuMTQ5LjI1LjEwOSA= جزيرة ام اند امز