الشرطة العسكرية الروسية.. "إرث القيصر" في مهام استثنائية بسوريا
بوتين طوّر مهامها لتقوم بمهام غير تقليدية في خطته للتوسع الخارجي، جاعلا من سوريا ميدان تجارب لذلك، بما في ذلك أن تحل محل الشرطة المحلية
يختلف التواجد الروسي في سوريا عن أي تواجد أجنبي آخر، فقوات روسيا هناك تبدو أنها "تشارك في كل شيء"، من قتال، وإغاثة، واتفاقات مصالحة، وحتى عمل الشرطة المحلية في فض الخلافات بين المدنيين.
وهذه الأدوار المتعددة جميعها تشارك فيها الشرطة العسكرية الروسية.
المهام بعد التطوير
الشرطة العسكرية الروسية الحالية هي وريثة لنظيرتها في زمن القيصر، والتي ألغتها الثورة الشيوعية 1917، وأنشأت بدلا منها جهازا باسم "الأمرية العسكرية".
وأعاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشرطة العسكرية عام 2012، وفق ما ورد في نبذة تعريفية عنها في موقع "روسيا اليوم".
وعمل بوتين على تجهيزها لمهام جديدة تتوافق مع خطته للتوسع الروسي العسكري في الخارج.
وفي الداخل تتعدى مهام الشرطة العسكرية الروسية الحفاظ على الأمن والانضباط في صفوف الجيش وتنظيم حركة مرور سياراته إلى مهام حماية المقار والشخصيات العسكرية الروسية.
أما في الخارج فلها مهام لا تقل عن أي قطاع عسكري آخر، فهي تقوم بمراقبة تحركات المسلحين، وتحدد مواقعهم، وتكافح التجسس، إضافة إلى مهام "مدنية" تتضح في تجربتها بسوريا.
سوريا ميدان التجارب
أرسلت موسكو إلي سوريا قوات مسلحة عام 2015 تحت لافتة محاربة الإرهاب، فيما تدفقت طلائع الشرطة العسكرية بشكل خاص إلى هناك عام 2017.
ومن بين المهام المعلنة لهذه الشرطة في سوريا:
-حماية أمن القوات العسكرية الروسية المرابطة في طرطوس واللاذقية.
-عقد اتفاقات مصالحة بين النظام السوري وفصائل المعارضة المسلحة
-مراقبة التزام الأطراف بوقف إطلاق النار
-الانتشار في المدن التي يتم فيها وقف إطلاق النار، لتعمل تلك الشرطة أيضا على فض المنازعات بين السكان من المدنيين.
-توزيع المساعدات الإنسانية على السكان
وأولى المدن التي حطَّت فيها الشرطة العسكرية الروسية كانت مدينة حلب التي استعادها النظام بدعم روسي نهاية عام 2016، لتذهب إليها تلك الشرطة في مطلع 2017.
ثم بدأ التوسع في الانتشار بالذهاب إلى مدينة عفرين بشمال سوريا سبتمبر/أيلول 2017.
وتتضمن اتفاقات وقف إطلاق النار والمصالحة بين النظام الروسي وفصائل المعارضة المسلحة- وأحدثها اتفاقات الغوطة الشرقية الجارية الآن- فقرة ثابتة، وهي انتشار الشرطة العسكرية الروسية في المدينة عقب خروج عناصر الفصائل المسلحة، والحجة في ذلك بأن بعض السكان لا يثقون في القوات السورية من جيش وشرطة، ولذا فإن الشرطة العسكرية الروسية أقدر على إدارة الأمن هناك، لحين عودة الزمام كاملا للحكومة السورية.
ونقلت وكالة أنباء "ريا نوفوستي" عن جيورجي بيترونين، المقدم في الشرطة العسكرية، قوله إن من مهامهم الإشراف على الالتزام بإنهاء العمل المسلح بين الأطراف المتصارعة "لأن عسكريينا في الوقت الحالي هم الضمانة هنا (في عفرين بشمال حلب) لاستمرار عملية الهدنة... ومنذ وصول العسكريين الروس إلى هذه المنطقة، وثق الناس في أن العملية السلمية ستتواصل".
وعقب نشر كتيبة من الشرطة العسكرية في حلب أعلن وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويجو، أن بلاده نشرت الكتيبة "لضمان الأمن" في حلب.
وضمت الكتيبة الروسية ما بين 300 و400 جندي، يتكونون من مقاتلين شيشان لهم خبرة في حروب المدن؛ حيث شاركوا في معارك الشيشان بين القوات الروسية وجماعات شيشانية مسلحة.
وأشارت تقارير إلى أن موسكو تعتمد في حيازة قبول سكان حلب لهذه الشرطة الأجنبية على أن الكثير من أفرادها من السُنًّة، مما يهدئ مخاوف بعضهم من سيطرة مليشيات شيعية متحالفة مع الحكومة السورية على المدينة.
كما تتولى تلك الشرطة مهمة "التودد" إلى السكان للقبول بالتواجد الروسي عبر توزيع الإعانات والمساعدات.
ومقر الشرطة العسكرية الروسية يقع في قاعدة حميميم الروسية بمحافظة اللاذقية على الساحل، غربي سوريا، وهي قاعدة جوية تم إنشاؤها عام 2015 في إطار توثيق التحالف بين موسكو ودمشق.
وبداخل هذه القاعدة يوجد مركز حميميم الروسي، وهو الذي يصدر التكليفات للشرطة العسكرية، إضافة إلى مهامه العسكرية الأخرى.
التنافس التركي والأمريكي
وسعت كل من الولايات المتحدة وتركيا لمنافسة روسيا في هذا الدور المنوطة به الشرطة العسكرية، وخاصة ما يتعلق بالتواجد داخل المدن، والقيام بدور الشرطة المدنية.
فبعد انتشار الشرطة الروسية في مدينة حلب، أرسلت تركيا قوة من الشرطة تابعة لها في مدينتي الباب وجرابلس الحدوديتين، والخاضعتين لفصائل المعارضة الموالية لتركيا.
وأطلقت أنقرة على هذه الشرطة اسم "الشرطة الحرة" على غرار اسم "الجيش السوري الحر" الذي تطلقه على أبرز فصائل المعارضة السورية.
وظهر الغرض التركي من تلك الشرطة بأن الأخيرة دعمت الجيش التركي في التوغل في مدينة جرابلس خلال عملية "درع الفرات" عام 2017.
وقال العميد عبد الرزاق أصلان، قائد قوة هذه الشرطة، لرويترز، إن تركيا قدمت الدعم المادي واللوجيستي وهو ما سيجعل قوات الأمن الجديدة فعالة للغاية.
وفي عام 2017 أعلن مسؤولون أكراد أن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش الإرهابي سيساعد في تدريب قوة شرطة لمدينة الرقة.