لغز جسر القرم.. من يقف وراء التفجير وتصعيد الحرب؟
عرقل التفجير الضخم على جسر القرم قبل فجر السبت، الطريق والسكك الحديدية بشدة على طول شريان مهم – مدني وعسكري على حد سواء – في لحظة حاسمة من الحملة الروسية في أوكرانيا.
للوهلة الأولى، كان ذلك بمثابة إحراج آخر للدولة الروسية، التي لا تزال تترنح من انتكاسات ساحة المعركة في خاركيف، ودونيتسك، ومؤخرًا، خيرسون في الجنوب، بحسب تحليل نشرته شبكة "سي إن إن" الأمريكية.
لكن بحلول يوم الإثنين، أصبح هجوم الجسر بمثابة مبرر للكرملين لشن حملة خاطفة من الهجمات الصاروخية عبر أوكرانيا. وبحلول منتصف اليوم، طبقًا للسلطات الأوكرانية، أطلق حوالي 80 صاروخا وقذيفة على البنى التحتية في عشرات المدن – ووعد المسؤولون الروس بالمزيد.
وخلال الساعات التي تلت تفجير الجسر، ركز المحققون الروس على تفسير وحيد للانفجار: أنه عمل إرهابي باستخدام عبوة ناسفة ضخمة مخبأة في شاحنة ثم تفجيرها لدى مرور المركبة عبر الجسر باتجاه القرم.
وعقب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الحادث بقوله إن كييف "وضعت نفسها على قدم المساواة مع الجماعات الإرهابية البغيضة"، الأمر الذي أدى إلى "الضربة الكبيرة اللاحقة بالأسلحة الموجهة على البنى التحتية الأوكرانية – الطاقة، والبنية التحتية، والقيادة العسكرية، والاتصالات".
وأضاف: "من المستحيل ببساطة ترك جرائم نظام كييف دون رد"، مشيرًا إلى أنه "فيما يتعلق بمزيد من أعمال الإرهاب على الأراضي الروسية، سيكون الرد الروسي قاسيا وسيطابق مستوى التهديد على روسيا الاتحادية، ولا شك في ذلك".
موجة نظريات
تسبب الانفجار ورواية موسكو عما حدث وغياب أي إقرار أوكراني بتنفيذه، في عاصفة من النظريات بشأن سببه والمسؤول عنه.
ويبعد جسر كيرتش حوالي 150 ميلا من أقرب المواقع الأوكرانية، وأبعد عن نطاق الأسلحة التي قدمها الغرب. لكن أفادت تقارير بأن طائرات مسيرة أوكرانية اقتربت من المنطقة في الصيف، مما أدى إلى اتخاذ تدابير دفاعية جوية.
ورجح بعض المحللين غير المقتنعين برواية الشاحنة المفخخة بأن صاروخا أطلقته طائرات مسيرات كان المسؤول عن الانفجار، أو أن فريق تخريب من تحت الماء ثبت عبوات ناسفة على هيكل دعم الجسر.
وكانت الصور ومقاطع الفيديو من مسرح الانفجار غير حاسمة. ومع عبور شاحنة حددها الروس عبر الجسر وبدء الصعود إلى أعلى نقطة، تغرق في انفجار هائل.
وسرعان ما حددت لجنة التحقيق الروسية، المكلفة باكتشاف سبب الانفجار، المركبة. وظهرت المركبة بفيديو إحدى كاميرات المراقبة، عند نقطة تفتيش قبل دخولها الجسر، حيث تلقت فحصا سريعا، ويمكن رؤية السائق – يرتدي قميصا ذا أكمام قصيرة – يغلق الأبواب الخلفية للشاحنة.
لكن من غير الواضح كيف تسببت الشاحنة المفخخة في انهيار امتدادين منفصلين من الممرات الغربية بمضيق كيرتش. وعلاوة على ذلك، فإن قوة مثل قوة هذا الانفجار كانت ستتجه رأسيا وأفقيا. ويشير بعض المحللين إلى أن الطريقة التي انهارت بها بعض الامتدادات تشير إلى أن القوة جاءت من الأسفل.
ويتشكك كريس كوب سميث، المحلل بمجموعة الأبحاث " فورينزيك آركيتكتشر"، في رواية الشاحنة، قائلًا: "من الممكن تفجير جسر باستخدام عبوات ناسفة على الجسر لكنها تتطلب كميات ضخمة. لا أعتقد أن شاحنة مفخخة تسببت في هذا المستوى من الأضرار. كان هذا يستلزم سائقا انتحاريا، شيء لم نسمع عنه في سياق هذا الصراع".
ويشكك كوب سميث، من قدامى المحاربين بالجيش البريطاني، بعملية للقوات الخاصة، قائلًا: "هناك أنظمة أسلحة دقيقة يمكنها تحقيقها هدف تدمير الجسر بدون المخاطرة بحياة الأفراد".
لكنه نبه إلى أن "لحل هذا أعتقد أننا نحتاج تحليل أجزاء من الجسر الموجودة حاليا تحت المياه. لازلت أعتقد أن ذلك كان يمكن تحقيقه بسهولة باستخدام ذخيرة دقيقة".
ويوم الأحد، تحدث رئيس لجنة التحقيق الروسية، ألكسندر باستريكين، عن تفسير الشاحنة، قائلًا إنها كانت في بلغاريا قبل السفر عبر جورجيا، وأرمينيا، ثم إلى أوسيتيا الشمالية، قبل أن تصل إلى إقليم كراسنودار المحاذي للقرم جنوب غربي روسيا".
وأضاف باستريكين: "أمكن تحديد المشتبه فيهم من بينهم أولئك الذين يمكنهم التجهيز لهجوم إرهابي، والناس الذين يعملون بأراضي روسيا الاتحادية"، مشيرًا إلى أن "مواطني دول أجنبية ساعدوا في التجهيز لهذا الهجوم الإرهابي".
وقال إن المحققين توصلوا إلى "استنتاج قاطع" بأن هذا هجوم إرهابي أعدته الأجهزة الأوكرانية.
ومن جانب آخر، بحسب التحليل، ستعفي رواية "العمل الإرهابي" الجيش الروسي من الاضطرار لتوضيح السبب في فشل دفاعاته متعددة الطبقات حول الجسر، بالرغم من تأكيدات أوكرانية علنية أنه كان هدفا مشروعا.
ومن جانب آخر، توفر – من منظور موسكو – المبرر للتصعيد الهائل في الهجمات على البنية التحتية الأوكرانية.
وتزعم الاستخبارات الأوكرانية أن تلك الهجمات كان مخططا لها قبل أيام من تفجير كيرتس. وقالت وكالتها لاستخبارات الدفاع، الإثنين، إن وحدات الجيش الروسي "تلقت تعليمات من الكرملين للإعداد لهجمات صاروخية كبيرة على البنية التحتية المدنية في أوكرانيا في 2 و3 أكتوبر/تشرين الأول".
هدف واضح
إذا لم تكن الشاحنة، ما الذي قد سبب الانفجار؟، يقول كوب سميث إن السفن السطحية من أي نوع كان من الممكن اكتشافها.
ورجح بعض المحللين أن التفجير ربما جاء من أسفل الجسر، ويعتقد آخرون أن صور الأقمار الصناعية تشير إلى أن التأثير كان من الأعلى وجاء من الشمال.
وفي النهاية، بحسب كوب سميث وخبراء آخرين، لا توجد أدلة كافية بالفيديو لتأكيد ما حدث في كيرتش. ولا شك في أن الأوكرانيين اعتبروا كيرتش هدفا مشروعا، وحتى ضروريا.
وفي يونيو/حزيران، قال اللواء الأوكراني دميترو مارشينكو إن جسر كيرتش كان "الهدف رقم واحد". وأضاف في حديثه مع "راديو ليبرتي": "هذا ليس سرا على جيشهم أو جيشنا. ولا لمدنييهم أو مدنيينا. سيكون ذلك أول هدف لضربه".
لكن التزم المسؤولون الأوكرانيون الصمت عن تفجير السبت، مرحبين بعرقلة الجسر بدون الاعتراف بتورطهم فيه. ويظل سبب تفجير كيرتش، والمسؤول عنه، سؤالا مفتوحا.
aXA6IDMuMTQzLjIxOC4xODAg جزيرة ام اند امز