خلال الأسبوع الأخير من نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم، حذرت مجموعات الطوارق في شمال مالي من وصول إرهابيي "داعش" الأجانب
من الشرق الأوسط والمغرب العربي إلى الحدود المشتركة بين بوركينا فاسو والنيجر ومالي.
ونظراً لكونها منطقة شهدت 7 انقلابات أو محاولات انقلاب في العامين ونصف العام الماضيين، فإن التدفق القوي للإرهابيين إلى هذه المنطقة يجب أن يتم التعاطي معه باهتمام كبير لأن هذه المنطقة معرضة لأي تغيير قد يطرأ، لا سيما بعد أن بدأ إرهابيو الساحل بالفعل تقدمهم نحو المحيط الأطلسي.
وعادة ما تتسبب الانقلابات، مهما كان نوعها، في إحداث اضطرابات اجتماعية. يتم استخدام كل التغييرات السياسية المفاجئة من طرف الإرهابيين في دعايتهم، معتبرين إياها نصراً لهم، حيث لا يترددون في توظيفها لإظهار عدم كفاءة الأنظمة السياسية الحاكمة، بل وأحياناً يُمضون أكثر من ذلك ويقترحون أنفسهم كبديل.
ويساعد الافتقار إلى استراتيجية أمنية مشتركة في إفريقيا الإرهابيين على احتلال الأراضي، ومثال على ذلك أن معظم هجمات "داعش" تتركز في عشر دول أفريقية فقط.
إن منطقة الساحل ووسط أفريقيا في حاجة ماسة إلى إعادة هيكلة سياسات مكافحة الإرهاب. فبينما ينشط الإرهابيون تحت لواء جماعتين إرهابيتين فقط، فإن القوى التي تحاربهما تستجيب لمصالح سياسية أو اقتصادية أو عرقية مختلفة ومتباينة. يُظهر هذا عجزاً معيناً عن تشكيل جبهة مشتركة لمحاربة داعش والقاعدة اللذين ينموان كل يوم في إفريقيا.
يجب أن تكون مهمة فرق الدفاع الجديدة هي الحماية ضد الإرهاب دون إعطاء الأولوية لمصالح الدول أو الفوائد الأخرى التي يتم توجيهها عبر هذه الدول.
يجب ألا ننسى أن كل الكارثة التي سببها الإرهابيون في منطقة الساحل نتجت عن الإخفاقات والخروقات الأمنية التي ارتُكِبت خلال السنوات العشر الماضية. لو اعتمدت بلدان الساحل سياسات فعالة ضد الإرهاب وفي نفس الوقت ضد الفساد، فلن يكون لدى الشعوب اليوم أي سبب للاحتجاج في مالي أو بوركينا فاسو، وبالتالي، نتفادى التغييرات السياسية المفاجئة التي اعتدنا عليها في المنطقة.
تمرّ المنطقة بلحظة حاسمة، ما يستوجب على جميع المنظمات الدولية المهتمة بمنطقة الساحل التساؤل حول جدوى وكفاءة النموذج المستخدم لإدارة الأزمة، رغم أن النتيجة واضحة للعيان منذ أكثر من عشر سنوات.
لقد أصبح تغيير نموذج مكافحة الإرهاب أمراً ضرورياً بشكل عاجل. هناك دول ومنظمات يتم طردها بطريقة أنيقة إلى حد ما من منطقة الساحل، ولو أنها اعتمدت مخططاً جديداً لمكافحة الإرهاب، لكان قد تم قبولها من قبل الحكومات التي تشعر بخيبة أمل بسبب سنوات عديدة من التخبط وعدم وضوح الرؤية.
وتشهد دولاً مثل مالي والآن بوركينا فاسو أو النيجر مظاهرات تحمل شعارات مؤيدة لروسيا ومحمّلة بمشاعر معادية للغرب. يبدو أنه أمر منسق جاء بالتزامن مع الإخفاقات المذكورة أعلاه بسبب المخطط القديم المستخدم من قبل الغرب في منطقة الساحل الإفريقي.
وتغيرت خريطة الإرهاب في إفريقيا إلى الأسوأ منذ عام 2009 في جميع دول الساحل. في الوقت نفسه، تشعر جميع الدول في هذه المنطقة بخيبة أمل من التقنيات والسياسات المستخدمة حتى الآن، وتميل إلى تعزيز التحالف مع موسكو وتلقي المساعدة العسكرية منها. وهذا يتسبب في تغيير خريطة الوجود الروسي في أفريقيا، وبالتالي سيؤدي إلى اختلال التوازن. وبهذه التغييرات، تقع مسؤولية مكافحة الإرهاب في هذه المناطق على عاتق روسيا.
يجب أن نتذكر أن الإرهاب في منطقة الساحل هو تهديد مباشر أولاً لدول البحر الأبيض المتوسط الأفريقية، وثانياً ضد أوروبا، ولابد أن لدى روسيا المفتاح للسيطرة على الإرهاب في منطقة الساحل، ويجب أن تتدخل لوقف استغلال ذات المفتاح في السماح بتدفق الإرهابيين نحو شمال إفريقيا. إنها "لعبة خطيرة" تحتاج إلى توحد أوروبا وروسيا في مواجهة الإرهاب أكثر من بحث كل طرف عن مصالحه الخاصة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة