بالصور.. الرمال تبتلع قرية روسية
تكلفة الأطعمة في المتجر الوحيد بالقرية تبلغ ضعف قيمتها في الأسواق بالمدن القريبة، ما دفع السكان إلى شراء ما يلزمهم من أماكن أخرى
بدأت "شوينا"، تلك القرية الروسية على الشواطئ المتجمدة للبحر الأبيض والمشهورة بالصيد، في الاختفاء شيئا فشيئا تحت الرمال التي تحيط بمنازلها تماما لدرجة أنه يمكن بالكاد رؤية أسطح مبانيها فوق الكثبان الرملية.
وبالنسبة للأطفال، أصبحت قريتهم بمثابة مكان سحري حيث تحولت حياتهم برمتها إلى صندوق رملي تحيط به الطبيعة من جميع الجهات، أما بالنسبة للأعمار الأكبر سنا، ربما تكون الحياة في هذا المنظر القاحل معاناة يومية.
وتعيش آنا جولبتسوفا في الطابق الثاني من منزلها، حيث تحول الطابق الأول منه إلى شاطئ غير مرحب به، وقالت في تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية: "سيكون علينا استئجار جرافة لإزالة هذه الرمال، ثم علينا تكرار ذلك على مدار السنوات المقبلة"، موضحة: "علينا القيام بذلك مخافة أن يتجمع الثلج فوق هذه الرمال ومن ثم سنكون مدفونين بالداخل".
ووفقا للسكان، دفن ما يزيد على 20 منزلا بالكامل أسفل هذه الرمال، وأصبحت المماشي الخشبية بديلة للأرصفة في شوارع القرية، حتى أن منارة القرية هي المبنى الوحيد الذي يمكن رؤيته بوضوح.
وبالعودة لسنوات ماضية، كانت شوينا بعد الحرب العالمية الثانية ميناء صيد مزدهرا، لكن الصيد الزائد دمر النظام البيئي في المنطقة، وكشطت سفن الصيد قاع البحر ونظفته تماما من الطمي والأعشاب البحرية، ما جعل الرمل طليقا بدون شيء يقيده، وبدأت الأمواج في جلب هذه الرمال إلى الشاطئ.
يقول سيرجي أوفاروف، منسق مشروع التنوع البيولوجي البحري لصندوق الحياة البرية العالمي في روسيا، إن اضطراب قاع البحر مع التغير الطبيعي في قاع النهر الذي يتدفق عبر (شوينا) إلى البحر الأبيض، ربما يكون السبب الرئيسي في هذا الغزو الرملي الذي تعاني منه القرية، لكن لم يتم إجراء أي دراسات بيئية رسمية عن هذه المنطقة الروسية النائية.
وخلال فترات الصيف، تعتبر طائرات الركاب الصغيرة والهليكوبتر وسيلة النقل الوحيدة للوصول إلى "شوينا".
وفي الماضي، بلغ عدد سكان القرية أكثر من 800 نسمة، أما الآن فهي موطن لـ285 شخصا فقط، ولم تحدث عملية الغزو الرملي للقرية فجأة، حيث عمد أهالي القرية إلى التمسك بالزراعة وتخصيب التربة وإزالة التكتلات الرملية القادمة من البحر، حتى أصبح الأمر بلا فائدة خاصة مع غياب جميع وسائل الراحة وعلى رأسها نظام الصرف ومياه الشرب، حتى أن تدفئة المنازل أصبحت بالفحم أو بالخشب.
أما فيما يتعلق بالمواد الغذائية، فتكلفة الأطعمة العادية الموجودة في المتجر الوحيد في القرية تبلغ ضعف قيمتها في الأسواق بالمدن القريبة، ما دفع كثيرا من السكان إلى اللجوء إلى مناطق طبيعية خارج القرية لم تصل إليها الرمال بعد.
وينمو نبات كلدبري القطبي في منطقة التندرا، ويعتبر حصاده عملية شاقة للغاية، لكنه في الوقت ذاته مربح ولذيذ، ويقوم المحليون ببيعه لوسطاء، وخلال فصل الخريف، يمكن اصطياد الأوز البري وتخزين لحمه حتى انتهاء فصل الشتاء، وفي بعض الأحيان، يتوقف بعض الرعاة الرحل في القرية ويتبادلون اللحم مع أهالي القرية ببضائع أخرى.
ولا يزال الصيد مستمرا لكن على نطاق محدود على مدار العام، ففي فصل الصيف يكون للأكل وفي الشتاء للتجارة.
ويتطلب من سكان القرية طلب الخبز قبل موعد تسلمه من المخبز الذي يعمل لمدة 4 أيام خلال الأسبوع، وتحتوي القرية على حمام عام مخصص للسيدات أيام الثلاثاء والأربعاء، بينما الخميس، والجمعة للرجال.
وتستمر المناقشات حول مغادرة القرية أو البقاء فيها منذ عقود، حيث يمكن دعم إعادة التوطين في إطار برنامج المساعدات الفيدرالية لسكان المناطق الشمالية البعيدة، ويغادر كثير من الشباب القرية بالفعل للدراسة والسفر، لكن يعود بعضهم مرة أخرى لعدم قدرتهم على التأقلم مع الحياة الحضرية بعد السنوات الطويلة التي قضوها في قريتهم.
وبالنسبة لهؤلاء الذين يقررون البقاء في القرية، فالوظائف نادرة، ومعظمها في القطاع العام مثل التدريس أو الخدمة في مجلس القرية، ويعد الطقس أحد أهم أسباب البطالة هناك.
ورغم كل هذه الأمور المحبطة، هناك بعض العلامات على بدء النظام البيئي في التعافي، وعودة الحشائش للظهور في شوينا خلال الـ5 سنوات الماضية.