التخلي عن الغاز الروسي.. طموح ألماني نهايته اختناق عام
عندما قررت ألمانيا تقليص الاعتماد على الغاز الروسي لم تكن تدرك أنها اختارت الاختناق ليس فقط لشعبها ولكن لاقتصادها المتأزم بالأساس.
وتعتمد ألمانيا -أكبر اقتصاد في أوروبا- على الغاز الطبيعي عبر الأنابيب من روسيا، والذي يمثل 35% من وارداتها من الوقود.
تقليص الاعتماد على الغاز الروسي.. هدف أم طموح؟
في منتصف يوليو/تموز 2022 أفادت وكالة التصنيف "موديز" بأن ألمانيا خفضت اعتمادها على الغاز الروسي فعلا، لكن الحديث عن تقليل اعتمادها على هذا الغاز إلى نسبة 10% حتى عام 2024 ليس إلا طموح.
وقالت الوكالة: "لقد انخفض اعتماد ألمانيا على واردات الغاز الروسي 30% من أصل 60% حتى الآن، وهي تعمل على تنويع مصادرها للغاز الطبيعي المسال".
وحسب بيانات وزارة الاقتصاد تراجع استيراد ألمانيا للغاز الروسي من 55% إلى 26% من حاجة البلاد حتى نهاية شهر يونيو/حزيران 2022. وهناك توقعات أن تتراجع نسبة الغاز الروسي حتى نهاية شهر يوليو/تموز إلى نحو 10% من كمية الغاز التي تستهلكها ألمانيا.
جازبروم تخفض إمدادات الغاز لألمانيا بنحو الخُمس
أعلنت شركة "جازبروم" الروسية للطاقة خفض التدفق اليومي للغاز إلى ألمانيا عبر خط أنابيب "نورد ستريم 1" بدءا من 27 يوليو/تموز 2022 إلى 20%، أو ما يعادل 33 مليون متر مكعب من الغاز عبر أهم خط إمداد إلى ألمانيا، وأرجعت الخفض إلى إصلاح توربين آخر.
وكانت روسيا قد خفّضت مرتين كميات شحنات الغاز في حزيران/يونيو، قائلة إن خط أنابيب الغاز لا يمكنه العمل بشكل طبيعي دون توربين كان يتمّ إصلاحه في كندا ولم يعد إلى روسيا بسبب العقوبات الغربية على موسكو اثر غزوها لأوكرانيا.
وكانت ألمانيا وكندا قد اتفقتا على إرجاع التوربين إلى روسيا، لكن لم يُرسَل إليها بعد. واعتبرت برلين أن ذلك "حجّة" وقرار "سياسي" للضغط على الغربيين في إطار النزاع في أوكرانيا.
الشتاء المقبل.. والاختناق الأسوأ بتاريخ ألمانيا
قد تواجه ألمانيا أسوأ شتاء في تاريخها، خلال العام الجاري، إذا قرر الكرملين قطع إمدادات الغاز الروسي عن برلين نهائيًا؛ وهو ما دفع الدولة للتفكير في إجراءات تقشفية للحفاظ على مواردها من الطاقة وتوفير إمدادات بديلة وعاجلة من الغاز الطبيعي المسال.
وتدرس مدينة هامبورج الألمانية تقنين استخدام المياه الساخنة للمنازل، وتقليص درجة الحرارة القصوى للتدفئة في حالة حدوث نقص حاد في الغاز الطبيعي.
وانتقلت برلين، خلال يونيو/حزيران الماضي، إلى المرحلة الثانية من خطتها الطارئة للغاز ثلاثية المراحل، بعد أن خفضت روسيا شحناتها من الغاز عبر خط أنابيب نورد ستريم 1.
وكانت ألمانيا قد فعّلت المستوى الأول من خطّتها الطارئة في 30 مارس/آذار الماضي، وتشمل هذه الخطة مراقبة صارمة للتدفقات اليومية والتركيز على ملء خزّانات الغاز الـ23 بنسبة 75% حتى شهر سبتمبر/أيلول و95% حتى الأول من شهر نوفمبر/تشرين الثاني. وإعادة تشغيل محطات توليد الطاقة الاحتياطية التي تعمل بالفحم اعتبارا من بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول.
كما ناشدت الحكومة الألمانية المواطنين والشركات خفض استهلاك الطاقة ومساعدة الدولة على ملء سعة التخزين بحلول الشتاء، في الوقت الذي تدرس فيه المدن الإجراءات التي ستُتخَذ حال نفاد الغاز.
ومن أجل تجنب حدوث أزمة طاقة في البلاد، تعمل الحكومة الألمانية على ملء احتياطي الغاز الإستراتيجي بنسبة 80% بحلول أكتوبر/تشرين الأول، ارتفاعًا من 60% في الوقت الحالي.
لكن الأسوأ الذي يترقبه الألمان بحذر يتمثل في أنه مع حدوث حالة النقص الحاد في الغاز، لن يمكن توفير الماء الدافئ إلا في أوقات معينة من اليوم.
المواطنون العاديون (العائلات) والمرافق الاجتماعية والمستفيدون من خدمة التدفئة عن بعد، محميون بموجب القانون، وبالتالي فإن القطاع الصناعي سيكون المتضرر الأول من وقف تدفق الغاز.
ووفقًا لخطة الطوارئ الألمانية، ستُعطَى الأولوية للأسر والمؤسسات الحيوية -مثل المستشفيات- على الصناعة في المرحلة الثالثة.
شلل اقتصادي عام بالأفق
الصناعات بأكملها أصبحت معرضة لخطر الانهيار الدائم كالألمنيوم والزجاج والصناعات الكيماوية بسبب اختناقات تزويدها بالغاز؛ وفقاً لما ذكره موقع بزنس انسايدر.
مثل هذا الانهيار سيكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد بأكمله والوظائف في ألمانيا.
وتعد الصناعة الكيماوية، التي توظف حوالي 346 ألف شخص، ثالث أكبر صناعة في ألمانيا، وفقاً لوكالة التجارة والاستثمار الألمانية، وكالة ترويج الاستثمار في البلاد.
وتستورد القوة الصناعية جميع الغاز الطبيعي الذي تستخدمه تقريباً، والذي يمثل حوالي ربع إجمالي مزيج الطاقة بالبلاد، وفقاً لوزارة الاقتصاد.
كما أن أزمة الطاقة في البلاد قد تدفع التضخم بالفعل إلى مستويات قياسية، ما يهدد الاستقرار الاجتماعي.
فيما عدل صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو اقتصاد ألمانيا إلى 1.2% هذا العام و0.8% في 2023، بينما تكبح الحرب الروسية في أوكرانيا انتعاش أكبر اقتصاد في أوروبا بعد الجائحة.
وفي مايو/أيار 2022، توقع صندوق النقد أن الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا سيرتفع 2% في 2022 وما يزيد قليلاً على 2% في 2023 في أعقاب نمو بلغ 2.9% في 2019.
وأحدث أرقام من صندوق النقد، التي تستند إلى مشاورات سنوية مع ألمانيا اختتمت مؤخراً، أكثر قتامة من توقعات البنك المركزي الألماني (البوندسبنك) الذي توقع في يونيو/حزيران 2022 نمواً عند 1.9% و2.4% في 2022 و2023 على الترتيب.
وأشار صندوق النقد إلى تضخم مرتفع ناتج عن زيادات حادة في تكاليف الطاقة كعامل سلبي يضغط على النمو مع توقع نمو الأسعار 7.7% في 2022 و4.8% في 2023.
وإلى جانب تداعيات الحرب في أوكرانيا، حذر صندوق النقد من أن عودة ظهور الإصابات بكوفيد-19 قد يكون لها أيضاً تأثير سلبي على النمو في ألمانيا بتكثيف اختناقات سلاسل التوريد.