إنذار مبكر.. الشتاء يترقب خطة خفض أوروبا لاستهلاك الغاز
الاقتصاد لطالما يظل السلاح الأقوى في النزاعات، وفي الصراع الروسي-الأوروبي الحالي، باتت ورقة الغاز تتحكم في إدارة المشهد المتأزم.
الإشكالية تكمن اليوم في عناد ومكابرة الاتحاد الأوروبي حتى ولو على مصلحة شعوب الدول الأعضاء الذي أصبحوا يعانون أزمة تتفاقم يومًا تلو الآخر جراء تضخم أسعار الطاقة، ودخل مسؤوليه في سباق قرارات قد لا يُحمد عواقبها على المدى القريب، وكان آخرها اعتماد خطة طارئة للحدّ من استخدام الغاز هذا الشتاء، بعدما قرروا التخلي عن الغاز الروسي. فهل تنقذ تلك الخطة شعوب وحكومات الاتحاد الأوروبي من التجمد في الشتاء وتجاوز أزمة الغاز الراهنة؟
خفض استهلاك الغاز بنسبة 15%
في يوم الثلاثاء 26 يوليو/تموز 2022، وافقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي رسميًا، على خطة طوارئ منقحة بشأن واردات الغاز تهدف إلى تخفيف تداعيات التوقف الكلي المحتمل للإمدادات من روسيا، بحسب ما أعلنته جمهورية التشيك التي تتولى الرئاسة الدورية الحالية لمجلس الاتحاد الأوروبي.
يأتي ذلك في الوقت الذي تستعد فيه أوروبا لفصل شتاء قاسٍ، وسط إمدادات غير مؤكدة من روسيا، بالتزامن مع خفض الضخ عبر الخطوط الرئيسة.
وكتبت جمهورية التشيك -التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي- في تغريدة: "لم تكن هذه مهمة مستحيلة!.. لقد توصّل الوزراء إلى اتفاق سياسي بشأن خفض الطلب على الغاز قبل الشتاء المقبل".
وتنص الخطة المنقحة على خفض طوعي بنسبة 15% في استهلاك الدول الأعضاء من الغاز الطبيعي في الفترة من أول أغسطس/آب 2022 إلى 31 مارس/آذار 2023.
وكانت الخطة تستلزم موافقة أغلبية مؤهلة من 15 عضوًا، أو عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يمثل 65% على الأقل من سكان التكتل.
مشاركة الأوروبيين عبء نقص الغاز
لكن دول الاتحاد الأوروبي الـ27 التي فرضت عقوبات اقتصادية على روسيا ردًا على غزو أوكرانيا، عقدت اجتماعًا للاتفاق على طريقة يمكن من خلالها خفض استهلاك الغاز وتشارك عبء النقص.
ومن المتوقع إطلاق "تحذير الاتحاد" بشأن أمن الإمدادات، وهو ما يعني انخفاض الطلب على الغاز من روسيا التي تستخدم بشكل متواصل إمدادات الغاز كسلاح".
ومن جانبه، قال وزير الطاقة في لوكسمبورغ كلود تورم في تغريدة إن المجر هي الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تصوّت ضد الخطة التي وصفها بأنها "الأفضل للرد على ابتزاز (الرئيس فلاديمير) بوتين المرتبط بالغاز".
نورد ستريم 1.. وخفض خُمس الطاقة التشغيلية
لقد جاء اتفاق دول الاتحاد الأوروبي على خطة طوارئ لكبح الطلب على الغاز، بعد إبرام اتفاقات وحلول وسط، للحدّ من التخفيضات في بعض الدول.
لكن منذ 27 يوليو/تموز 2022 تفاقمت الضغوط المتزايدة على أوروبا بسبب الغاز، مع إعلان شركة جازبروم الروسية أنها ستخفض التدفقات عبر خط أنابيب نورد ستريم 1 إلى ألمانيا إلى خُمس طاقتها فقط.
ومع مواجهة دول الاتحاد الأوروبي انخفاض الإمدادات الروسية، تحثّ بروكسل الدول الأعضاء على توفير الغاز وتخزينه لفصل الشتاء، خشية أن توقف موسكو التدفقات بالكامل ردًا على العقوبات الغربية، بسبب حربها مع أوكرانيا.
وقد ألقت شركة جازبروم الروسية باللوم في تخفيضها الأخير على الحاجة إلى وقف تشغيل التوربينات من أجل الصيانة، وهو سبب رفضته مفوّضة الطاقة في الاتحاد الأوروبي، كادري سيمسون، التي وصفت الخطوة بأنها "ذات دوافع سياسية".
وقالت روسيا -التي زوّدت الاتحاد الأوروبي بنسبة 40% من الغاز قبل بدء الحرب في أوكرانيا- إنها مورد موثوق للطاقة.
هل يضمن خفض استهلاك الغاز شتاءً غير متقلب؟
يمكن جعل التخفيضات ملزمة في حالة طوارئ التوريد، لكن الدول وافقت على استثناء العديد من البلدان والصناعات، بعد أن قاومت بعض الحكومات الاقتراح الأصلي للاتحاد الأوروبي بفرض خفض ملزم بنسبة 15% على كل دولة.
بدوره، يعتقد وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، إن الاتفاقية ستُظهر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن أوروبا تظل موحدة في مواجهة التخفيضات الأخيرة للغاز من قبل موسكو.
وأدت أنباء التخفيض الأخير للإمدادات الروسية إلى ارتفاع أسعار الغاز، مما زاد من تكلفة ملء التخزين، مع خلق حوافز لاستخدام كميات أقلّ.
وجاءت التداعيات الأولية في تسجيل عقد الغاز القياسي الهولندي لشهر أقرب استحقاق ارتفاعًا قياسيًا بنسبة 10% تقريبًا، وهو أعلى بأكثر من 450% عن العام الماضي (2021).
وقد تواجه البلدان التي تفي بهدف الاتحاد الأوروبي لملء تخزين الغاز بحلول أغسطس/آب أهدافًا أضعف، وهو ما يعني تخفيف التخفيضات لما يقرب من 12 دولة، بما في ذلك ألمانيا وإيطاليا، بناءً على مستويات التخزين الحالية.
بينما شددت مدريد على أن خفض الطلب الخاص بها لن يساعد الدول الأخرى؛ لأنها تفتقر إلى قدرة البنية التحتية لتقاسم الوقود الإضافي.
لكن يبقى الأمر الفصل في تلك الإشكالية، مدى برد موسم الشتاء المقبل والقدرة الاستهلاكية للشعوب الأوروبية.
إن الاتفاقية يجب أن تضمن للدول توفير ما يكفي من الغاز للبقاء على قيد الحياة في فصل الشتاء إذا قطعت روسيا الإمدادات بالكامل، فكلما كان الشتاء أشد برودة؛ تطلب الأمر إجراءات أكثر صرامة.