الغاز الروسي "شريان الحياة" لأوروبا.. هل ينسد ويُستبدل؟
كشف النزاع الروسي-الأوكراني حجم اعتماد دول الاتحاد الأوروبي الهائل على الغاز المستورد من روسيا، فهل ستكون البدائل كافية؟
وحتى إذا تبنت دول التكتّل حزمة غير مسبوقة من العقوبات، فهي تواصل تمويل روسيا عبر مشترياتها من الطاقة التي لا تستطيع الاستغناء عنها على الأمد القصير جدا.
خطة المفوضية الأوروبية
تريد المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، وقف شرائها للوقود الأحفوري من روسيا قبل عام 2030، وقد قدمت تعهدًا جديدًا لخفض مشترياتها من الغاز الروسي بمقدار الثلثين قبل نهاية العام.
ويتفق جميع القادة على ضرورة التخلص التدريجي من إمدادات الغاز من وسيا. كما أكد الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن الاتحاد الأوروبي لن يفرض حظراً على النفط والغاز الروسي بسبب اعتماده الشديد على إمدادات روسيا. كما أعلنت ألمانيا وهولندا رفضهما لمقترحات حظر صادرات النفط الروسي.
ويقول آرتورس كريشانيس كاريش، رئيس وزراء لاتفيا في هذا الصدد: "أنا مقتنع بأننا سوف نتخذ قرارا بوقف واردات الطاقة من روسيا لإحضار بوتين إلى طاولة المفاوضات لوقف الحرب".
وتعد روسيا مصدرًا أساسيا للغاز الطبيعي ومن بين أكبر منتجي الخام في العالم، حيث تصدّر زهاء 40% من الغاز الطبيعي الذي تستهلكه أوروبا والذي يأتيها معظمه عبر خطوط أنابيب. وبسبب استمرار الحرب في أوكرانيا التي دخلت شهرها الأول ارتفعت أسعار الغاز في أوروبا، ووصلت إلى مستوى تاريخي عند 3300 دولار لكل 1000 متر مكعب.
واردات ضخمة للاتحاد الأوروبي من الغاز الروسي
تستورد ألمانيا حوالي نصف احتياجاتها من الغاز الروسي، بينما تحصل فرنسا على ربع إمداداتها فقط من روسيا، وفقًا لأحدث البيانات المتاحة. وكان أكبر مصدّر للغاز الفرنسي، النرويج، حيث استوردت فرنسا 35%. وستكون إيطاليا أيضا من بين أكثر الدول تأثرا في حال وقف إمدادات الغاز بسبب اعتمادها على الغاز الروسي بنسبة 46%.
وتُظهر البيانات الواردة من وكالة الاتحاد الأوروبي لتعاون منظمي شؤون الطاقة قائمة بالدول الأوروبية التي تعتمد على الغاز الروسي، بالنسب المئوية للعام 2020 وفقا لإحصاء أجراه موقع الإحصاءات الاستهلاكية الدولي "ستاتيستا".
وتعتمد بعض الدول الأوروبية بشكل حصري على الغاز الروسي، ويبرز في هذا الجانب: جمهورية شمال مقدونيا والبوسنة والهرسك ومولدوفا. كما أن الاعتماد على إمدادات الغاز الروسي، بلغ نسبة تجاوزت الـ90% بالنسبة لفنلندا ولاتفيا بينما وصل إلى 89% بالنسبة لصربيا. أما بلجيكا فبلغت نسبة تبعيتها للغاز الروسي، 77%، ألمانيا 49%، إيطاليا 46%، بولندا 40%، وأما فرنسا فوصلت النسبة إلى 24%.
من خلال الإحصاءات، يتبين الاعتماد المنخفض لإمدادات الغاز الروسي في هولندا 11% ورومانيا 10%، في حين بلغت نسبة إمدادات الغاز الروسي لجورجيا 6%.
أما الدولتان اللتان لا تعتمدان نهائيا على الغاز الروسي فهما إيرلندا وأوكرانيا التي تشتري الغاز الطبيعي من الاتحاد الأوروبي منذ عام 2015 بعد نزاع مسلح سابق مع روسيا بسبب ضم الأخيرة لشبه جزيرة القرم في 2014.
أما المملكة المتحدة فوضعها مختلف، حيث تسحب نصف إمداداتها من الغاز من حقول الغاز المحلية وتستورد في الغالب من قطر والنرويج ثاني أكبر مورد لأوروبا. في حين لا تعتبر إسبانيا من بين العملاء الرئيسيين لروسيا، حيث تعتمد كثيرا في إمدادات الغاز على الولايات المتحدة والجزائرفما يقرب من 45% من الغاز الذي تستورده إسبانيا وتستهلكه يأتي من الجزائر، كما تمتلك إسبانيا الحقوق في طلب حصة إضافية من الغاز الجزائري.
وتصدّرت روسيا قائمة الدول بمستوى أعلى من مخزون الغاز الطبيعي لعام 2020، لتصل حجم احتياطياتها إلى 48.9 تريليون متر مكعب. كما تبوأت المقدمة ضمن قائمة الدول الأعلى بصادرات الغاز الطبيعي ليصل حجم صادراتها لعام 2020 إلى 199.9 مليار متر مكعب، حسب النشرة الإحصائية السنوية لمنظمة أوبك. وفقا لإحصاء أجراه موقع الإحصاءات الاستهلاكية الدولي "ستاتيستا"، بشأن واردات الغاز الطبيعي إلى الدول الأوروبية من روسيا بين 2015 إلى 2020.
وارتفع حجم الغاز الطبيعي الذي استوردته دول الاتحاد الأوروبي الـ27 من روسيا منذ عام 2015 من 124.3 مليار متر مكعب إلى 152.6 مليار متر مكعب. في عام 2020.
وكانت ألمانيا إلى حد بعيد أكبر مستورد للغاز من روسيا، حيث استحوذت وحدها على ما يقرب من ثلث واردات دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين من الغاز الروسي . في عام 2020، استوردت ألمانيا ضعف ما تلقته إيطاليا من إمدادات الغاز الروسي تقريبًا وأكثر بثلاثة أضعاف حجم ما استوردته هولندا.
في حين انخفض استيراد الغاز من روسيا في دول أوروبا الشرقية مثل المجر وبولندا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا في عام 2020، ما قلّل من اعتمادها على الواردات الروسية من الغاز، والأمر نفسه ينسحب على إسبانيا واليونان وبلغاريا.
البدائل الممكنة للغاز الروسي
حذرت روسيا من قطع إمدادات الغاز عن ألمانيا حال فرض الغرب حظر على صادراتها النفطية، وتوقع نائب رئيس الوزراء الروسى ألكسندر نوفاك وصول سعر برميل النفط إلى 300 دولار، مؤكدا أنه سوف يكون من "المستحيل توفير بديل للنفط الروسي في السوق الأوروبية بسرعة"، مضيفا "سوف يستغرق الأمر سنوات، وسوف يدفع المستهلك الأوروبي ثمنا باهظا وفي نهاية المطاف، سوف يتضررون كثيرا من تلك النتيجة" حسب قوله.
يتعين على القارة الأوروبية أن تتطلع إلى جلب إمدادات من الغاز الطبيعي المسال، والذي يتم شحنه عادة عن طريق السفن. ووفقًا لشركة "بي بي"، كانت الدول الرئيسية المصدّرة للغاز الطبيعي المسال في العالم في عام 2020: أستراليا وقطر الولايات المتحدة.
كانت واشنطن طلبت من الدوحة تزويد أوروبا بالغاز القطري، حال انقطاع إمدادات الغاز من روسيا بسبب الأزمة في أوكرانيا، لكنّ قطر والدول المنتجة الأخرى تؤكد على عدم وجود احتياطات كبيرة يمكن تحويلها إلى أوروبا، كما أنها خطوة من شأنها أن تحلق أزمات بالكثير من المستوردين الحاليين للغاز القطري. كما أوضحت قطر أن لديها قدرة محدودة أو حتى شبه معدومة في تحقيق إنتاج إضافي من الغاز الطبيعي المسال، متحدّثة عن قيود على الكميات التي يمكن تغيير وجهتها. و تسعى ألمانيا إلى تغيير الموردين تدريجيًا من خلال تطوير بناء محطات للغاز الطبيعي للحصول على الغاز المسال عبر البحر، من قطر أو الولايات المتحدة أو كندا.
ويتطلّب تزويد أوروبا بالغاز من الدول المنتجة لتعويض إمدادات الغاز الروسي القيام باستثمارات كبيرة من أجل زيادة إنتاجها، في حين أن الاتحاد الأوروبي لا يزال متردداً في إبرام عقود لمدة 10 أو 15 أو 20 عاماً. يدور الحديث عن قدرة أفريقيا على أن تكون موردا بديلا. لكن الكميات التي تُصدّرها أفريقيا وعلى رأسها نيجيريا لن تغطي جميع احتياجات أوروبا من الطاقة.
في عام 2020، استوردت البرتغال 56% من موارد الغاز من نيجيريا و17% من الولايات المتحدة، بينما اشترت إسبانيا أكثر من 35% من غازها المسال من الولايات المتحدة. كما حصلت إيطاليا واليونان أيضًا على موارد من الغاز من الولايات المتحدة وقطر في عام 2020. وفي شأن متصل، بدأ تشغيل محطة الغاز الطبيعي المسال في ليتوانيا في كلايبيدا، والتي تعتبرها ليتوانيا سبيلا للاستقلال في مجال الطاقة يمكنها تأمين حاجيات الغاز إلى فنلندا والسويد وبولندا.
وتسعى خطة المفوضية الأوروبية إلى خفض الاعتماد على الغاز الروسي عن طريق زيادة واردات الغاز والغاز الطبيعي المسال من دول أخرى والتشغيل التدريجي للغازات البديلة مثل الهيدروجين والميثان الحيوي.
aXA6IDE4LjIxNy4yMDcuMTEyIA== جزيرة ام اند امز