الصراع الروسي-الإيراني وصل لحد الصدام المباشر، وأصبح الإيرانيون على قناعة بأن وجودهم في الأراضي السورية لم يعد كما كان في السابق
سيكون للقرار الأمريكي في الاستعداد للانسحاب من سوريا تبعات، منها تلاشي التفاهم الثلاثي بين روسيا وإيران وتركيا، وسيكون التنافس الذي ظل خامداً لفترة طويلة هو العنوان الأبرز للمرحلة المقبلة، فكل طرف سوف يحاول الاستفادة من الانسحاب الأمريكي العسكري من سوريا وتوظيفه لمصلحته، والسعي لملء هذا الفراغ، فقد بدأت ملامح هذا الصراع منذ القصف الإسرائيلي الأخير على سوريا واستهداف مواقع تابعة للإيرانيين، وما تلاها من اتهامات إيرانية للروس على لسان رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني بأن الدفاعات الجوية الروسية عطلت منظومة الدفاع S-300 خلال القصف الإسرائيلي الأخير.
الجديد هذه المرة أن تعطيل منظومة الدفاع الروسية S-300 خلال القصف الإسرائيلي هي رسالة روسية للإيرانيين؛ بأن موسكو لن تحمي قواتهم في سوريا، ما يعني أن هناك تغيراً في التعاطي الروسي مع الوجود الإيراني في سوريا
في ضوء ذلك وفي ظل الحديث عن الانهيار المحتمل للتفاهم الثلاثي الروسي-الايراني-التركي، وقبل التوسع في الحديث عن الصراع الروسي-الإيراني، نجد أن زيارة أردوغان إلى موسكو وما تبعها من تصريحات تركية تتضمن بأن أنقره قادرة لوحدها على إقامة المنطقة الآمنة -التي كان الهدف الرئيسي منها في ضوء هذا التوقيت هو "التنسيق والتعاون مع موسكو لمرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا"- لم تحقق أهدافها، وربما قد سمع الأتراك من الروس ما لا يريدون سماعه، وهو ما دفع الأتراك للتأكيد على قدرتهم على إنشاء المنطقة الآمنة لوحدهم، والسعي للنبش في الاتفاقيات القديمة التي وقعها الأتراك مع سوريا، مثل "اتفاق أضنة، الذي وقع عام 1989"، في محاولة لشرعنة تدخلهم في سوريا.
بالعودة للاتهامات الإيرانية للدفاعات الجوية الروسية بتعطيل منظومة الدفاع S-300 خلال القصف الإسرائيلي، فإنها تعيد الصراع الروسي الإيراني في الأراضي السورية إلى الواجهة، وتؤكد أن روسيا بدأت في التخلص من الوجود الإيراني، والذي سبق وطالبت موسكو بإخراج جميع القوات الأجنبية بما فيها القوات الإيرانية من الأراضي السورية، لكن الجديد هذه المرة أن تعطيل منظومة الدفاع الروسية S-300 خلال القصف الإسرائيلي هي رسالة روسية للإيرانيين بأن موسكو لن تحمي قواتهم في سوريا، ما يعني أن هناك تغيراً في التعاطي الروسي مع الوجود الإيراني في سوريا، فبعد أن كانت بالأمس تأتي بشكل غير مباشر وعن طريق صيغة الجمع بالمطالبة بإخراج القوات الأجنبية كافة من الأراضي السورية إلى توجيه الحديث بشكل واضح؛ أن موسكو لن تسمح للإيرانيين بأن يسعوا لملء الفراغ الناتج عن الانسحاب الأمريكي من سوريا، وأن يسعى الإيرانيون إلى تغيير ميزان القوة لصالحهم والذي لا يصب في مصلحة الروس، الذين يسعون لأن تكون لهم اليد العليا القوة المنفردة في الملف السوري.
لقد بدا من الواضح أن الصراع الروسي-الإيراني في الأراضي السورية لم يعد (ناراً تحت الرماد) كما كان لفترة طويلة، خاصة منذ التدخل العسكري الروسي في الأزمة السورية، اليوم اتخذ الصراع الروسي-الإيراني أشكالاً متعددة، منها الصراع بالوكالة من خلال الضربات العسكرية الإسرائيلية على المواقع الإيرانية، فهذه الضربات التي طالت مواقع الإيرانيين، وما تلاها من اتهامات إيرانية للدفاعات الجوية الروسية بتعطيل منظومة S-300، والقصف الإسرائيلي للمواقع الإيرانية الذي يندرج في إطار الحروب بالوكالة، وليس هذا فحسب، فقد أحدث القصف الإسرائيلي للمواقع الإيرانية تغييرات على الأرض تعكس التحول الحاصل في الصراع بين الروس والإيرانيين، والانتقال من حرب الوكالة إلى الصدام المباشر، فقد أكد موقع مجلة (شبيغل الألمانية) امتلاكه أدلة عن وقوع اشتباكات دموية بالنيران الثقيلة بين القوات الإيرانية والروسية في سوريا.
في ظل التغييرات الحاصلة في مستوى الصراع الروسي-الإيراني، الذي وصل لحد الصدام المباشر، أصبح الايرانيون على قناعة بأن وجودهم في الأراضي السورية لم يعد كما كان في السابق، وأن الروس باتوا ينظرون للساحة السورية بأنها لا تحتمل أطرافاً عديدة تتقاسم النفوذ معها، خاصة في ظل الاستعداد الأمريكي للانسحاب من سوريا، ولذلك اتجه الإيرانيون إلى تعزيز هيمنتهم على الاقتصاد السوري عبر توقيع اتفاقيات (طويلة الأمد) تتضمن 11 اتفاقية خلال اجتماع اللجنة العليا السورية الإيرانية في دمشق، في محاولة لأن يعوض الإيرانيون وجودهم بالاقتصاد ما لم يستطيعوا المحافظة عليه على الأرض.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة