تداعيات الحرب.. كيف تواجه الحكومات أزمة إمدادات الغذاء؟
مع استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا، بدأت تنتشر اضطرابات بأسواق السلع الأساسية، كون أطراف الصراع بمثابة سلة غذاء لبعض دول العالم.
أوكرانيا وروسيا هما من أكبر خمس دول مصدرة للحبوب في العالم. حسب بعض التقديرات، فإن الأمن الغذائي العالمي بات على المحك، حيث تبلغ قيمة التجارة الزراعية العالمية مع هذين البلدين نحو 1.8 تريليون دولار.
وتفيد الأرقام بأن أوكرانيا، رابع أكبر مصدر للقمح وللذرة الصفراء على مستوى العالم، وصدرت وحدها 17% من كمية الذرة والشعير التي سوقت للتجارة العالمية في 2020، ذهب 40% منها إلى دول عربية فيما تعتبر روسيا مصدرًا رئيسيًا للقمح إلى مصر.
الدول الأكثر اعتمادية على السلع الغذائية الزراعية من روسيا وأوكرانيا
تعد تركيا أكثر دول العالم اعتمادية على السلع الزراعية الغذائية من روسيا بنسبة بلغت 22%، وفقاً لحسابات أجرتها الأونكتاد على بيانات الأمم المتحدة لعام 2020. وتشمل السلع الزراعية الغذائية التي ترصدها البيانات كلاً من القمح والذرة وزيت دوار الشمس، والحبوب.
وجاءت تلك البيانات ضمن تقييم سريع أعدته "الأونكتاد" لتأثير الحرب في أوكرانيا على التجارة والتنمية والقضايا المترابطة في مجالات التمويل والتكنولوجيا والاستثمار والتنمية المستدامة.
وتؤكد نتائج التقييم التدهور السريع لآفاق الاقتصاد العالمي، في ظل ارتفاع أسعار الغذاء والوقود والأسمدة، وزيادة التقلبات المالية وسحب الاستثمارات من أجل التنمية المستدامة وعمليات إعادة تشكيل سلسلة التوريد العالمية المعقدة، وتزايد تكاليف التجارة.
وأشار التقرير إلى أن روسيا وأوكرانيا لاعبان عالميان في أسواق الأغذية الزراعية، إذ تشكلان معاً 53% من التجارة العالمية في زيت دوار الشمس والبذور، و27% من التجارة العالمية في القمح.
بعد تركيا تأتي، مصر بنسبة اعتماد على روسيا بلغت 15.1% ونحو 7.5% على أوكرانيا، ثم الصين بنسبة 5.6% اعتمادا على السلع الغذائية الزراعية الروسية، و17.4% نسبة الاعتماد على أوكرانيا.
دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأكثر تأثرًا
وفقًا لمقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في الغذاء، مايكل فخري، بدأت الآثار المباشرة لسلاسل إمداد الغذاء تظهر في مصر، وتركيا، وبنجلاديش، وإيران. تشتري هذه الدول أكثر من 60% من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا.
كما تعتمد بلدان مثل لبنان وتونس واليمن وليبيا وباكستان بشكل كبير على البلدين في إمدادات القمح.
ومع بدء موسم الزراعة قريبا في أوكرانيا وروسيا، أعرب الخبير الأممي عن القلق من الاضطرابات طويلة الأجل التي سيحدثها النزاع على الغذاء.
وبدورها، قالت لما فقيه، مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تتطلب سلاسل الغذاء العالمية تضامنًا عالميًا في أوقات الأزمات. دون اتخاذ إجراءات متضافرة لمعالجة إمدادات الغذاء والقدرة على تحمل تكاليفها، يهدد النزاع في أوكرانيا بتعميق أزمة الغذاء في العالم، لا سيما في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".
وتُصدّر منطقة البحر الأسود المتأثرة بالأزمة الأوكرانية ما لا يقل عن 12% من السعرات الحرارية الغذائية المتداولة في العالم. تمتلك أوكرانيا ثلث التربة الأكثر خصوبة في العالم وفقًا لـ "منظمة الأغذية والزراعة" (الفاو) التابعة لـ "الأمم المتحدة"، و45% من صادراتها مرتبطة بالزراعة. أوكرانيا من بين المصدرين الرئيسيين لزيت دوّار الشمس (عبّاد الشمس)، وبذور اللفت، والشعير، والذرة، والقمح والدواجن في العالم. يأتي جزء كبير من إنتاج القمح في البلاد من مناطق شرق أوكرانيا حيث يشتد النزاع الحالي.
لبنان
الارتفاع المحتمل لأسعار المواد الغذاء، الذي فاقمه النزاع، سيكون له تأثير شديد في لبنان. فوفقًا لأرقام الجمارك اللبنانية للعام 2020، شكلت واردات القمح الأوكرانية حوالي 80% (بين 600 و650 ألف طن) والروسية 15% من إجمالي واردات القمح إلى لبنان. في 25 فبراير/شباط، قال وزير الاقتصاد إن احتياطي لبنان من القمح يكفيه لشهر واحد فقط، بعد أن تدمّرت إهراءات الحبوب والتي كانت تسع لاحتياطي أربعة أشهر من القمح في انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020.
بدأت الحكومة في 14 مارس/آذار تحويلات نقدية إلى 150 ألف أسرة من الأسر التي تعيش في فقر مدقع في إطار برنامج يموّله البنك الدولي يُعرف بـ"برنامج شبكة الأمان الاجتماعي للاستجابة للأزمات في حالات الطوارئ"، الذي وافق عليه البنك الدولي في يناير/كانون الثاني 2021.
وأعلن وزير الاقتصاد أن الحكومة كانت تخطط لشراء إمدادات شهرية إضافية من القمح –بدلا من مستوردي القطاع الخاص للمرة الأولى منذ عقود. حاليا، يدعم البنك المركزي شراء القمح من قبل مستوردي القطاع الخاص بـ 20 مليون دولار شهريا، لخفض سعر الخبز للمستهلكين. لكن وزير الاقتصاد أشار إلى أن البنك المركزي "ليست لديه القدرة على دفع أسعار أعلى"، ما أثار المخاوف بشأن قدرة لبنان على الاستمرار في دعم القمح للحفاظ على الأسعار نفسها للمستهلكين وعلى المخزون خلال الأزمة.
وغرّد وزير الصناعة في 5 مارس/آذار أن لبنان سيبدأ تقنين استخدام القمح، حيث سيُسمح باستخدامه للخبز حصرا حتى يتم العثور على مصادر إمداد بديلة. تحاول الحكومة استيراد القمح من كندا، وأستراليا، والولايات المتحدة.
في 13 مارس/آذار، أعلنت تركيا أنها ستتبرّع بأكثر من 500 ألف طن من المساعدات الغذائية إلى لبنان.
ليبيا
تشكل الواردات الأوكرانية أكثر من 40% من واردات القمح في ليبيا. خلال الأسبوع الأول من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، حلّقت أسعار القمح والدقيق وارتفع معها قلق التجار من انقطاع المخزون، وزاد التجار الأسعار بنسبة تصل إلى 30%. قالت وزارة الاقتصاد والتجارة في 26 فبراير/شباط إنه ورغم وجود احتياطيات استراتيجية من القمح الليّن لستة أشهر، لم تستطع منع أزمة القمح في عدة مدن ليبية. في 7 مارس/آذار، قررت الوزارة فرض إجراءات لمنع أزمة شاملة تضمنت إجراءات عقابية مثل تجميد التسجيل التجاري لشركات الدقيق والمطاحن غير الملتزمة بآلية التوزيع المعتمدة من الوزارة، التي تفرض سعرا موحدا للدقيق.
وشملت القرارات الأخرى زيادة المخزون الاستراتيجي للقمح لتمكين مطاحن الدقيق من العمل بكامل طاقتها الإنتاجية لثلاثة أشهر على الأقل، وتقييد توزيع الدقيق على المخابز من خلال "النقابة العامة للمخابز"، وتحديد سعر 110 دنانير ليبية (نحو 22 دولارا) كحد أقصى لـ50 كيلوجراما من الدقيق. كما وعدت الحكومة بمعالجة المخاوف المالية والجمركية للشركات المتضررة من هذه الإجراءات.
مصر
تعتمد مصر بشكل كبير على الواردات المدعومة لضمان الحصول على الخبز والزيوت النباتية بأسعار معقولة، حيث يعتمد أكثر من 70 مليون مصري على الخبز المدعوم. مصر أيضًا أكبر مشتر للقمح في العالم وأكبر مستورد للقمح من كلّ من روسيا وأوكرانيا. العام 2021، استوردت مصر قرابة 80% من قمحها من روسيا وأوكرانيا.
في 23 فبراير/شباط، صرّح رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في اجتماع لمجلس الوزراء أن مخزون مصر الحالي من القمح يكفي أربعة أشهر. في منتصف أبريل/نيسان، وبعد حصاد الإنتاج المحلي، سيكفي المخزون حينها لتسعة أشهر تقريبا.
ألغت "الهيئة العامة للسلع التموينية" مناقصتين لشراء القمح منذ بداية الحرب الروسية بسبب ارتفاع الأسعار وقلة العروض. في 10 مارس/آذار، أعلنت الحكومة عن حظر فوري لثلاثة أشهر على تصدير القمح، والدقيق، والمواد الأساسية الأخرى. وصرّحت عن إمكانية تأمين القمح من مصادر بديلة، ما يجنّبها على الأرجح النقص الفوري في مخزون القمح. حظر التصدير قد يؤدي مباشرة إلى زيادة الأسعار كما قد يؤثر على دول أخرى مثل اليمن.
وفي ضوء إجراءاتها لضبط الأسعار بالأسواق تزامنًا مع ما خلفته الحرب الروسية الأوكرانية من آثار اقتصادية، قررت الحكومة المصرية تحديد سعر إجباري للخبز الحر غير المدعوم من الدولة وكذلك الفينو مع إقرار عقوبة قاسية للمخالفين.
وأصدر رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قرارًا نشرته الجريدة الرسمية بعد منتصف ليل الأحد 20 مارس/آذار 2022، بتحديد سعر بيع الخبز الحر، بلدي مميز نسبة 72% والفينو، وتضمن القرار أنه يأتي استجابة لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي وفي ضوء ما عرضه وزير التموين والتجارة الداخلية ومراجعة جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.
وشمل القرار الذي وافق عليه مجلس الوزراء إلزام جميع المخابز والأفران ومنافذ البيع في مصر بأسعار محددة لمدة ثلاثة أشهر أو لحين إشعار آخر، أيهما أقرب.
وحدد القرار أسعار الخبز البلدي المميز 72% أن يكون سعر الرغيف وزن 45 جرامًا 50 قرشًا، وسعر الرغيف وزن 65 جراما 75 قرشًا، وسعر الرغيف وزن 90 جرامًا جنيها واحدا، بينما سعر كيلو الخبز المعبأ 11.5 جنيه.
دول المغرب العربي
قد تواجه البلدان المغاربية أزمة غذائية أيضا بسبب الحرب في أوكرانيا. ويبدو أن حكومات المنطقة واعية بالخطر المحذق بها، وتحاول أن تسابق الزمن لاتخاذ خطوات استباقية تحميها من هزات اجتماعية. فالمغرب مثلا، الذي التهبت فيه الأسعار قبل اندلاع الحرب الأوكرانية، قام بزيادة مخصصات دعم الطحين إلى 350 مليون يورو، وعلقت الرسوم الجمركية على استيراد القمح.
لكن تونس لم يكن بوسعها القيام ذلك. ففي كانون الأول/ديسمبر، رفضت البواخر تفريغ حمولتها من القمح لعدم دفع ثمنها، حسب ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية عن الإعلام المحلي، حيث يتزايد الدين مع ذوبان احتياطات العملات الأجنبية. وتستورد تونس 60% من القمح من أوكرانيا وروسيا، ولديها مخزون يكفي حتى حزيران/يونيو، كما أكد عبد الحليم قاسمي من وزارة الزراعة.
وفي الجزائر، ثاني مستهلك للقمح في أفريقيا وخامس مستورد للحبوب في العالم، يكفي المخزون ستة أشهر على الأقل. أما مصر، فتعتبر أكبر مستورد للقمح في العالم وثاني أكبر مستورد من روسيا، واشترت 3,5 مليون طن من القمح حتى منتصف كانون الثاني/يناير، وفقا لشركة "إس آند إس جلوبال".
سوريا
سوريا لديها أصلا نقص حاد في القمح بسبب الأزمة الاقتصادية، إلى جانب التدمير الكبير للبنية التحتية نتيجة عقد من النزاع. وتعتمد الحكومة السورية بشكل أساسي على روسيا لسد النقص عبر استيراد القمح. في ديسمبر/كانون الأول 2021، توصلت الحكومة إلى اتفاق مع روسيا لاستيراد مليون طن من القمح عام 2022، بتمويل من قرض روسي.
وفقا لبرنامج الأغذية العالمي، يعاني 13.4 مليون شخص في سوريا من انعدام الأمن الغذائي. في ديسمبر/كانون الأول 2021، قدّرت الفاو أن إنتاج سوريا من القمح في عام 2021 كان أقل من الاحتياجات المتوقعة بحوالي 1.6 مليون طن، ويرجع ذلك جزئيا إلى تعرض سوريا لجفاف حاد.
في 24 فبراير/شباط، أقرّت الحكومة السورية إجراءات لتخفيف التداعيات الاقتصادية للنزاع على سوريا، مثل ارتفاع أسعار الوقود ونقص المواد الغذائية الأساسية وغيرها من السلع. على سبيل المثال، اعتمدت السلطات تدابير لتوزيع حصص من السلع الغذائية، بما في ذلك القمح والوقود. كما التزمت بإعطاء الأولوية لتمويل واردات القمح.
اليمن
من المرجح أن تؤدي الحرب في أوكرانيا إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي حيث تستورد البلاد ما لا يقل عن 27% من قمحها من أوكرانيا و8% من روسيا.
ترك الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية في السنوات الأخيرة أكثر من نصف السكان بحاجة إلى مساعدات غذائية، في حين أن الانخفاض الحاد في قيمة الريال اليمني جعل السلع المستوردة مثل الغذاء، والنفط، والضروريات الأخرى أكثر تكلفة، وقلّل بشكل كبير من القوة الشرائية للأُسر اليمنيّة.