آرثر مينش.. ملياردير هادئ يهز عمالقة الذكاء الاصطناعي

في سن الثالثة والثلاثين فقط، بات آرثر مينش مليارديرًا وصاحب اسم يتردد في قلب معركة الذكاء الاصطناعي العالمية.
فالمهندس الباريسي، الذي شارك في تأسيس شركة Mistral AI، لم يعد مجرد وجه جديد في عالم التكنولوجيا، بل تحول إلى رمز لمشروع أوروبي يطمح لمنافسة عمالقة وادي السيليكون، والدفاع عن نموذج مختلف للذكاء الاصطناعي: أخلاقي، شفاف، وأقل استهلاكًا للطاقة.
مينش ظهر مؤخرًا على شاشة التلفزيون الفرنسي، ليضع صورة وملامح على ذلك "المؤسس الغامض" الذي أثار الجدل حول الضريبة المقترحة على الثروات غير السائلة، بحسب صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية.
وبعيدًا عن صورة "الغورو" التكنولوجي المتعجرف، بدا شابًا طويل القامة، بملامح هادئة، يبتسم بخجل ويرتدي بدلة كلاسيكية وربطة عنق متواضعة. تحدث بلغة متوازنة، مشددًا على ضرورة إيجاد حلول تحقق العدالة الضريبية من دون أن تقيد تنافسية فرنسا. توازن في الخطاب ذكّر كثيرين بأسلوب إيمانويل ماكرون، الذي كان من أبرز داعمي صعوده.
صدارة ميسترال
وفي غضون أقل من ثلاث سنوات فقط، قفزت Mistral AI إلى صدارة المشهد العالمي، وجمعت استثمارات تقارب 3 مليارات يورو، بينها 1.7 مليار يورو منتصف سبتمبر/ أيلول، قادتها شركة أشباه الموصلات الهولندية العملاقة ASML.
ووفقًا للصحيفة الفرنسية فإن الشركة اليوم تُقدَّر قيمتها السوقية بنحو 12 مليار يورو، فيما يملك مينش ما لا يقل عن 8% منها، ما يضعه بين أغنى خمسين فرنسيًا في العالم.
ورغم الإغراءات الأمريكية، بقي مينش في باريس، قال الباحث غايل فاروكاو، الذي أشرف على أطروحته: "كان يمكنه أن يصبح باحثًا بارزًا في الولايات المتحدة، لكنه كان دائمًا يؤكد أنه يحب باريس ويريد النجاح هنا".
وبالفعل، يكرر مينش أنه مدين كثيرًا لفرنسا التي أتاحت له تعليمًا عامًا متميزًا، ويرى أن البلاد تملك بيئة تكنولوجية متنامية، وكفاءات علمية عالية، ومزيجًا طاقويًا مناسبًا لمشاريع الذكاء الاصطناعي.
نشأة في سيفر
نشأ آرثر في سيفر بضاحية باريس الغربية، وتدرج أكاديميًا عبر مسار نخبوي: البوليتكنيك، تيليكوم باريس، والمدرسة العليا للأساتذة. عشق الرياضيات والمعلوماتية، وكان يدرّس الطلاب في فترات فراغه، كما شارك في سباقات الماراثون وركوب الدراجات.
أطروحته في مجال تعلم الآلة وتطبيقاته في علوم الأعصاب اعتُبرت استثنائية، وأشاد بها أساتذته بوصفها من أبرز الأطروحات التي شهدوها.
ورغم بداياته كباحث أكاديمي، اختار مينش لاحقًا الانضمام إلى مختبر DeepMind التابع لـغوغل في باريس. هناك عاش عن قرب سباق الذكاء الاصطناعي الكبير بعد إطلاق ChatGPT من OpenAI عام 2022.
لكن بدلًا من البقاء في فلك "عمالقة وادي السيليكون"، غادر ليؤسس مع زميليه غيوم لامبل وتيموثي لاكروا شركة Mistral AI، مدفوعًا برغبة في تطوير ذكاء اصطناعي أكثر شفافية وأقل انغلاقًا من "الصناديق السوداء" الأمريكية.
مينش يؤمن بمبدأ المصادر المفتوحة، إذ ينشر النماذج ويتيحها للباحثين والمطورين، معتبرًا أن ذلك يسهم في تقدم المجتمع العلمي بأسره. زملاؤه يصفونه بالبراغماتي، بعيدًا عن المبالغات التي اعتاد عليها بعض رواد التكنولوجيا، حريصًا على التذكير بأن النجاح ثمرة جهد جماعي، لا إنجاز فردي.
اليوم، وبعد أن أصبح أبًا لطفلة صغيرة، يروج مينش لرؤية أكثر إنسانية واستدامة للذكاء الاصطناعي: أن يكون أقل استهلاكًا للطاقة وأكثر التزامًا بالحقائق، كما في مشروعه "Le Chat" بالتعاون مع وكالة الأنباء الفرنسية.
لكنه في الوقت نفسه لا يتردد في خوض معارك شرسة مع بروكسل، محذرًا من أن تشريعات الاتحاد الأوروبي مثل قانون الذكاء الاصطناعي (AI Act) قد تضعف الشركات الأوروبية أمام نظرائها الأمريكيين.
في النهاية، يبدو أن آرثر مينش يجسد بالفعل مفارقة "النجم المضاد": شاب هادئ الطباع، متواضع المظهر، لكنه يقود شركة شابة تفرض إيقاعها على واحدة من أعنف المعارك التكنولوجية في العالم، ساعيًا إلى ترسيخ سيادة أوروبية في مجال يحدد مستقبل المعلومات والاقتصاد.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTg5IA== جزيرة ام اند امز