صائب عريقات.. رحيل رجل المفاوضات والأسرار الرئاسية
قبيل توجهه إلى أمريكا لزرع رئة، ودع أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات أصدقاءه، اعتقادا منه أنه قد لا يعود حيا.
لكن القدر كتب لكبير المفاوضين الفلسطينيين وحامل أسرار أروقة القضية، عمرا جديدا، ليعود إلى أرض الوطن بعد إجراء العملية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2017.
حياةٌ جديدة أبى فيروس كورونا إلا أن يفسدها حين تسلل لعريقات، الشهر الماضي، من باب مناعته الضعيفة التي سلبتها رئته، ليحرمه هذه المرة من وداع أصدقائه، مترجلا بعد عقود من العمل السياسي.
على مدى أكثر من أسبوعين كانت عائلته إلى جانبه في المستشفى، حيث قام الأطباء بتنويمه ووضعه على أجهزة التنفس الاصطناعي، بحسب حديث أفراد العائلة لـ"العين الإخبارية".
كبير المفاوضين في سطور
عريقات المولود في الثامن والعشرين من أبريل/نيسان 1955 في بلدة أبو ديس، على مشارف القدس الشرقية، هو السادس من بين سبعة إخوة وأخوات.
وبدءا من ظهوره السياسي الأول عبر ارتداء الكوفية الفلسطينية في وفد بلاده إلى مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، مرورا بالعمليات التفاوضية اللاحقة، ارتبط اسم عريقات بالمفاوضات مع إسرائيل، التي جعلت منه "حامل أسرار" القضية.
قبل انخراطه في العملية التفاوضية عمل عريقات محاضرا للعلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية ومحررا صحفيا في جريدة القدس في المدينة المحتلة.
وحصل الرجل على شهادته الجامعية الأولى من جامعة ولاية سان فرانسيسكو، ومن ثم شهادة الدكتوراه في دراسات السلام من جامعة برادفورد البريطانية.
ارتبط عريقات لسنوات بمدينة القدس الشرقية من خلال عمله مع القيادي الفلسطيني الراحل فيصل الحسيني في مبنى "بيت الشرق" الذي كان المقر شبه الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية بالمدينة المحتلة أثناء مفاوضات مدريد.
وما لبث أن أصبح مقربا من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي عينه وزيرا للحكم المحلي في أول حكومة تشكلت بعد قيام السلطة الوطنية عام 1994.
وفي العام 1996 انتخب لعضوية المجلس التشريعي الفلسطيني (البرلمان المؤقت) عن دائرة أريحا التي أقام فيها حتى وفاته.
قطار المفاوضات
ولم يشارك عريقات في المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية السرية التي جرت في أوسلو بالنرويج وقادت لاحقا إلى اتفاق أوسلو الذي تم التوقيع عليه بالأحرف الأولى، عام 1993.
وغالبا ما كان يظهر إلى جانب الرئيس عرفات في مفاوضات "واي ريفر" بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1998، ولاحقا في "كامب ديفيد" عام 2000، فيما كان أبرز أعضاء الوفد المفاوض في "طابا" سنة 2001.
وكان حاضرا في غالبية لقاءات الرئيسين الراحل ياسر عرفات والحالي محمود عباس مع قادة العالم.
في العام 1995، لقبه الرئيس الراحل عرفات بلقب "كبير المفاوضين الفلسطينيين".
غير أن عريقات لم يكن في حقيقة الأمر يقود كل المفاوضات، إذ قاد أحمد قريع "أبو علاء" مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي وكذلك فعل أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية السابق ياسر عبد ربه.
وفي العام 2009 أوكل إليه الرئيس الحالي عباس مهمة قيادة الوفد الفلسطيني المفاوض.
وفي ذات العام انتخب عريقات لعضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وهي أعلى هيئة تمثيلية سياسية فلسطينية.
كما جرى انتخابه في ذات العام لعضوية اللجنة المركزية لحركة "فتح".
واستقال عريقات من منصبه مرتين الأولى في فبراير/شباط 2011، عندما سرق أشخاص وثائق من مكتبه ونشروها في قناة الجزيرة القطرية، قبل التراجع عن الاستقالة.
وأعاد كرة الاستقالة في أكتوبر/تشرين الأول 2013، ولكن الرئيس عباس رفضها.
"الحياة مفاوضات"
ووجد عريقات نفسه أمام موجة من ردود الفعل المتفاوتة بعد إصدار كتابه "الحياة مفاوضات" الذي صدر في العام 2008.
فالكثير من الفلسطينيين الذين استشعروا الخطر على حل الدولتين، فلسطين وإسرائيل، إثر استمرار الاستيطان وانغلاق أفق المفاوضات أخذوا على عريقات تمسكه باستراتيجية التفاوض.
وكتب عريقات في كتابه " إن الحروب تعددت أسبابها ولكن المصالح تبقى أساس أي صراع، وإن الصراع سببه الشعور بأن مصالح الأمة في الحرية والأمن في خطر وأن الموارد مهددة.. وإذا كانت الصراعات حتمية فإن المفاوضات حتمية".
وأضاف: "تداخل المصالح يجعل العالم أكثر ترابطا، فعبر التاريخ، كانت المفاوضات والاتفاقات انعكاسا للحاجات والمصالح، واليوم ، وأكثر من أي وقت مضى".
وتابع عريقات: "هذا الكتاب يقرأ من عنوانه -الحياة مفاوضات- أي العوامل المشتركة التي تجمع البشر كافة على اختلاف دياناتهم وحضاراتهم وثقافاتهم ولغاتهم وأعراقهم".
وفي السنوات الماضية، وتحديدا منذ عودة نتنياهو إلى الحكم في إسرائيل عام 2009، آمن عريقات بأنه حان الوقت لتغيير معادلة التفاوض مع إسرائيل.
في حينه اتجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الأمم المتحدة لنيل اعتراف العالم بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967.
وكان عريقات إلى جانب عباس عندما لم يتمكن الفلسطينيون من طرح اعتراف مجلس الأمن للتصويت في مجلس الأمن عام 2011 .
كما كان إلى جانبه عندما صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 138 دولة لصالح الاعتراف بدولة فلسطين كدولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة.
آمن عريقات ودعا لأن يكون بند الاعتراف بدولة فلسطين بندا يوميا على جدول أعمال مجلس الأمن الدولي لحين الحصول على الاعتراف بدولة فلسطين.
حلم قبل الرحيل
في أحاديثه الخاصة كان عريقات يقول إنه في حال قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية عام 1967 فإنه سيغادر الحياة السياسية وسيتفرغ للتعليم الجامعي.
لكنه رحل وترك من خلفه الحياة السياسية والأكاديمية وحلمه بقيام الدولة الفلسطينية، وزوجته نعمة وولديه علي ومحمد وابنتيه دلال وسلام.
aXA6IDE4LjExNy4xNjguNzEg
جزيرة ام اند امز