يصادف أول خميس من نوفمبر كل عام مناسبة اليوم الدولي لمناهضة العنف والتنمر في المدارس.
بما في ذلك التنمر الإلكتروني، التي أعلنتها منظمة اليونسكو عام 2019.
ويسلط اليوم الضوء على التحديات المتزايدة التي يواجهها الطلاب في بيئات التعلم الواقعية والافتراضية؛ فقد بات العنف المدرسي أحد أخطر العوائق أمام تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة، المتعلق بتوفير تعليم جيد وشامل وآمن للجميع.
وتشير إحصاءات اليونسكو (2023) إلى أن أكثر من 30% من طلاب العالم؛ أي ما يقارب 246 مليون طفل ومراهق، يتعرضون سنوياً لأشكال من العنف أو التنمر داخل المدارس، كما أن واحداً من كل خمسة طلاب يعاني من التنمر الإلكتروني، وفقاً لتقرير اليونيسف (2023)، في حين أظهرت دراسة الأمم المتحدة للمرأة (UN Women) أن 58% من الفتيات والشابات يتعرضن للتحرش أو الإساءة عبر الإنترنت، وبالتالي فإن هذه الأرقام تؤكد أن «الفضاءات التعليمية والرقمية لم تعد بمعزل عن مخاطر العنف الاجتماعي، وأن الحاجة إلى الحماية النفسية والتقنية باتت ملحة أكثر من أي وقت مضى».
ورغم اعتماد 16% فقط من دول العالم تشريعات وطنية شاملة لمكافحة العنف المدرسي، فإن التحدي الأكبر يكمن في الفجوة التنفيذية بين السياسات والواقع، وذلك نتيجة نقص الموارد، وضعف تدريب الكوادر التعليمية، وغياب برامج التوعية الرقمية. لذلك اختارت اليونسكو شعار هذا العام «كن ذكياً على الشاشة: لنتعلم كيف نكون آمنين في العصر الرقمي» حتى يؤكد ذلك أهمية الثقافة الرقمية بوصفها خط الدفاع الأول لحماية الأطفال والمراهقين من التنمر والتحرش الإلكترونيين.
لكن للأسف، في العالم العربي، لاتزال قضايا الأمن السيبراني التربوي في بداياتها؛ إذ تواجه الدول تحديات تتعلق بالبنية التحتية التقنية ونقص الوعي المجتمعي، ومع ذلك شهدت المنطقة مبادرات واعدة، منها إدراج التربية الرقمية ضمن المناهج المدرسية، وتنظيم حملات توعية تستهدف أولياء الأمور والمعلمين حول سلوكيات الإنترنت الآمنة.
وتبرز دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً رائداً في هذا المجال، إذ طورت منظومة تعليمية رقمية تراعي الأمن والخصوصية من خلال العديد من المبادرات مثل مبادرة «أقدر للمدارس الآمنة رقمياً» كمبادرة وطنية مبنية على أعلى وأحدث النظم والمعايير العالمية للرقابة على الإنترنت في مجال التعليم، وكذلك منصة «مدرسة» كمنصة تعليمية إلكترونية باللغة العربية، توفر 5000 درس تعليمي بالفيديو في الرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، والأحياء، وغيرها لكافة الفصول من الأول وحتى الثاني عشر، ومتاحة مجاناً للطلاب العرب أينما كانوا، فضلاً عن الشراكات مع اليونيسف والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) لتبادل الخبرات في حماية الطفل في البيئة التعليمية الرقمية.
إن هذه التجارب تؤكد أن التعليم الآمن لا يتحقق فقط عبر سن القوانين، بل من خلال بناء ثقافة رقمية وقائية تشمل الأسرة والمدرسة والمجتمع، كما أن دمج مفاهيم الأمان السيبراني، والتفكير النقدي، والاحترام المتبادل في المناهج الدراسية يسهم في حماية النشء من أخطار العنف الرقمي، ويعزز في الوقت ذاته مهارات المواطنة الرقمية المسؤولة.
ختاماً، يشكل اليوم الدولي لمناهضة العنف والتنمر في المدارس دعوةً مفتوحة لمختلف المؤسسات المعنية للانتقال من مرحلة التوصيات إلى مرحلة العمل الممنهج عبر تطوير سياسات تربوية رقمية شاملة، وتمكين المعلمين من أدوات الرصد والتدخل المبكر، وتوفير دعم نفسي متكامل للضحايا؛ فالتعليم الآمن في العصر الرقمي لم يعد ترفاً تربوياً، بل حقاً أساسياً من حقوق الطفل، وضمانةً لمستقبلٍ تُبنى فيه المعرفة على الأمان، والذكاء على القيم، والتكنولوجيا على المسؤولية الإنسانية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة