سعيد الكفراوي لـ"العين الإخبارية": الكتابة الخليجية تشهد طفرة في الوعي والخيال
على مدار تجربته لم يتخلَّ عن إخلاصه للقصة ولم تغره الرواية بنجاحاتها وجوائزها وسطوتها وظل مخلصاً للفن الذي يراه الأكثر تعبيراً عنه
أصدر الكاتب المصري سعيد الكفراوي، خلال ما يقارب النصف قرن، 13 مجموعة قصصية دون أن يقارب فن الرواية، عكس الكثير من أبناء جيله الذين رفعوا لافتة "عصر الرواية".
وعلى مدار تجربته لم يتخلَّ عن إخلاصه للقصة ولم تغره الرواية بنجاحاتها وجوائزها وسطوتها وظل مخلصاً للفن الذي يراه الأكثر تعبيراً عنه، وانحاز دائماً في كتاباته للمهمشين والبسطاء، الذين يحيون بين الظلال في انتظار مخلص ما.
وفي حواره مع "العين الإخبارية" أكد الكفراوي إعجابه بتطور الأدب في الخليج، مشيراً إلى أنَّ المركز الثقافي الخليجي هو أنشط المراكز الثقافية العربية حالياً. واعتبر أن المزاحمة الخليجية على الجوائز الأدبية الآن طبيعية، ونتاج عقود من تطور التعليم والفكر والاقتصاد وإنتاج المعرفة، والرغبة في المساهمة بشكل مستمر.
وإلى نص الحوار:
كتاب الخليج حصدوا جوائز أدبية مهمة خلال السنوات الأخيرة منها "البوكر" و"نجيب محفوظ"، هل نحن أمام إعادة تشكيل لخريطة القراءة العربية؟
الحضور الثقافي والإبداعي للخليج بات جزءاً من تطور الثقافة العربية، وتعددت بفضل الخليج المراكز الثقافية التي تنتج المعرفة، فتغيرت معادلة القراءة بتغير معدلات التعليم والاقتصاد والإنتاج الثقافي، وتعددت الأصوات والمعاني لإثراء الثقافة بالجديد في النقد والرواية والقصة والفلسفة، الآن يوجد مركز في المغرب العربي، ومركز في مصر، وثالث في الشام، ورابع في الخليج، وهو أنشطهم حالياً بسبب القدرة على الإنتاج، والرغبة في المساهمة في هذا الإنتاج.
لا شك أيضاً أن 30 عاماً من البعثات وتراكم الثقافة والتعليم والتعرف على الآخر والبرامج المكثفة استطاعت أن تقدم العديد من الأصوات التي تشارك الآن في نهضة الكتابة، وتقدم برامج جديدة في الفن والإبداع، منذ بزوغ نجم كاتبة كبيرة بحجم السعودية رجاء عالم الحاصلة على جائزة البوكر العربية.
وهذا العام حصلت كاتبة خليجية هي أميمة الخميس على جائزة نجيب محفوظ، واختارتها لجنة التحكيم تقديراً للشكل المتقدم والحديث والمعنى، واستخدام التراث لطرح أفكار جديدة، كما نافست القاصة بلقيس الملحم على جائزة الملتقى للقصة، وهي دلالة على أن الكتابة في الخليج تشهد طفرة في الوعي والخيال وإحساس جديد، إذ إن المزاحمة الخليجية الآن على الجوائز الأدبية تؤكد أن ثمة أدب جديد يتجلى الآن في الوعي الخليجي وفي مجال الرؤية العامة في الثقافة الخليجية.
هل ترى أن الجوائز الأدبية تضيف للكاتب أم يمكن اختزال قيمتها في المردود المادي فقط؟
الأكيد هو أن أي جائزة مالية يقف وراءها معنى سياسي، وأي دولة تنتج جوائز تدلل بطبيعة الحال على موقعها السياسي ودورها في السياسة العربية.
الجوائز الآن ينتظرها المبدعون باعتبار أنها تفتح باباً على الاستقرار، وعلى التقدير القيمي للشخصية المبدعة وهي ذات بعدين: الأول أن تكتب من أجل الجائزة، وجانب إيجابي بأن تكتب بشكل جيد يخضع لشروط الإبداع، واحتياجات وعي الناس، والدفاع عن قيمهم، إذ إنك تكتب من أجل الكتابة، والجوائز تمثل طفرة حقيقة الآن على مستوى الوعي العربي.
حصلت على جائزة الدولة التقديرية منذ عامين، وسئلت وقتها عما إذا كانت الجائزة جاءت متأخرة، وكانت إجابتي هي أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً. هذه الجائزة أعتز بها للغاية لأنها مقدمة من الدولة المصرية، وتحمل الكثير من الاعتراف بالجهد والتقدير للعطاء على مدار سنوات طوال.
وأنا أنظر لجميع الجوائز التي تصدر من الخليج كتشريف لكتابة جيدة، شريطة أن تكون اللجان موضوعية، ومؤمنة بالعدل، وتعرف مناخات الكتابة.
في تقديرك.. هل ساعد ملتقى الكويت للقصة القصيرة في الترويج لهذا الفن كي يصمد أمام سطوة الرواية؟
هي مبادرة طيبة من الأديب طالب الرفاعي، وهي جائزة متجردة تماماً عن النظر الشخصي لأي كاتب أو كتابة، اختار الدفاع عن شكل تحاصره الأشكال الأخرى باعتبار الزمن هو زمن الرواية، وهي جائزة ترد غيبة القصة، فاز بها فلسطيني في الدورة الأولى، وسورية في الثانية، وعراقي في دورة هذا العام، والمشترك أن الأسماء الثلاثة أخذت الجائزة بسبب الجودة وليس المعرفة، ومن ثم فإن ثمة انتباه لهذا الفن ورغبة في إحيائه.
هل ترى أن نجيب محفوظ أخذ حقه كقاص أم أن الاهتمام النقدي به كروائي كان طاغياً؟
نجيب محفوظ أخذ حق الناس كلها، ومن بعد فوزه بجائزة نوبل لم يجتهد النقد فعلًا إلا بالنظر لأدبه وحياته وتاريخه وسيرته، وهذه الظاهرة همّشت الكثير من الكتابات. في الستينيات طرح رجاء النقاش سؤالاً "هل يقف نجيب محفوظ حائلاً أمام تطور الرواية العربية؟"، والآن نجيب محفوظ باحتكار الساحة ليس من جانبه، وإنما من جانب المهتمين بأدبه، همّش الكثير من مدارس الكتابة الجيدة، وللغلو في تناول عالمه هُمّشت الكتابة، إنّه محتل الدراسات والرؤى النقدية والاحتفالات، وهذا حقه ويستحق، ولكن هذه الظاهرة همّشت بقية أشكال الكتابة في الرواية والقصة والشعر، تحديداً في وسائل إعلامية لم يعد اهتمامها الحقيقي سوى بنجيب محفوظ.
في رأيك.. هل ترى أن كاتباً عربياً الآن يمكنه الفوز بجائزة نوبل؟
طبعاً.. أنا أرشح الروائي السوري سليم بركات، الذي أضاف الكثير للخيال العربي، على مستوى شكل الشعر وشكل الرواية، إنه عازف كبير عن الظهور، ولكنه يبدع أدباً جديداً يثري به الأدب العربي، ولدينا في الشعر أدونيس وسعدي يوسف، وفي الفكر الأدبي يأتي الناقد المغربي عبدالفتاح كليطو.
ولكن ثمة أزمة تلوح وهي الترجمة، من أجل أن تفوز بنوبل لا بد أن تكون مُتَرجماً للغات أخرى خاصة الإنجليزية.. للأسف نحن لا نفعل ذلك.
لماذا؟
لأن لدينا أزمة في الترجمة، لدينا تمويل، ولكن الأزمة في الاهتمام، لدينا المركز القومي للترجمة، ولكنه يترجم من اللغات كلها للعربية وليس العكس، وما نحتاج إليه فعلًا هو الترجمة عن العربية.
كنت كاتباً في مجلة "تراث" الإماراتية.. ما تقديرك للتطور الثقافي الحاصل هناك خلال الفترة الأخيرة؟
علاقتي بالإمارات وكتابها ومثقفيها ليست جديدة، وتعود جذورها لسنوات طويلة ماضية، وعلاقتي بحبيب الصايغ رئيس اتحاد كتاب الإمارات ورئيس اتحاد الكتاب العرب راسخة منذ الثمانينيات، وأعرفه منذ أصدر مجلة "أوراق" رفقة آخرين.
وأعرف أن ثمة تطور حقيقي يحدث في مجال الثقافة في الإمارات، وتنشغل بإبراز جيل جديد متعلم ومثقف بمعارض الكتب، والنشاط الثقافي والفنون، وكذلك الجوائز الأدبية التي تخصصها الإمارات، ثم الخاتمة المهمة من خلال متحف أبوظبي الذي يستعير لوحات عالمية من قرون ساحقة لعرضها هناك، وأنا شاهدته وانبهرت به.
هل يمكن أن تمنحني تعريفاً للفن؟
دعني أسرد لك حكاية: يوم ما نزلت زرت بلدتي وسألت عن أخي فعرفت أنه ومعه بعض أبناء أعمامي يبنون قبوراً جديدة، ذهبت إلى هناك وأخذني ابن عمى من يدي وأفرغ جوالًا مليئاً بالجماجم، أمسك ابن عمى بواحدة وسألني: من هذه؟ فقلت له هذه أمي، اندهش وسألني مجدداً: كيف عرفت؟ فأجبت أن أمي ماتت وفمها خالياً من 6 أسنان وكذلك بدت الجمجمة، وكرر الأمر مع جدتي وعرفتها لأنها ماتت وفمها خالياً من صف الأسنان السفلى.
تخيل، كنت الشخص الوحيد في العالم الذي رأى أهله بعد أن ماتوا، هنا منحني الواقع موضوعاً كهذا، أخبرني، ماذا يفعل الفن في قصة كهذه وهي معجونة بالفن ومكتوبة بجنون؟
كان عليّ ألا أفوت الأمر، كتبت قصة اسمها "شرف الدم"، وانطلقت فيها من سؤال يرتكز على هذه الواقعة وهي أين أبي؟
وبمرور الزمن، وبالبحث المستمر يشيب الراوي وينظر في يوم للمرآة فإذا به يجد أمامه صورة والده فيصرخ "أبويا أبويا" ثم تنتهي القصة.
ماذا تكتب الآن؟
أعمل على كتاب بدأت فيه منذ سنوات طويلة، ولم ينته حتى الآن، أنا مشغول به وبعالمه بشكل كبير، منذ 10 سنوات تقريباً وأنا مشغول بهذا الكتاب الذي يحمل اسم "عشرون قمراً في حجر الغلام"، وهو عبارة عن 20 حكاية كلها عن صبي صغير اسمه "علي"، تواكب عمره وعلاقته بمتغيرات الدنيا على مستوى الوعي والإحساس وما يجري عبر أسئلة الحياة والموت، ومن خلال علاقته بجده يحكي عن تعرفه على الزمن وتعرفه على مواجهة الموت، عن أول التجارب مع الجنس والحب، عن أول تجربة له مع المدينة، عن بداية تعرفه على أسرار الجنس الآخر، واكتشافه حمامات السيدات.
هو نص غريب على كتابتي، وعلى المتلقي أن يتقبله كيفما شاء، سواء وجده رواية أو قصصاً أو نصاً طويلاً عن صبي، لست مشغولاً بالشكل بقدر ما أنا مستمتع بالكتابة.
aXA6IDMuMTcuNzkuMTg4IA== جزيرة ام اند امز