صالح قوجيل.. تسعيني بمنصب "الرجل الثاني" بالجزائر
انتُخب صالح قوجيل رسميا، اليوم الأربعاء، رئيساً جديدا لمجلس الأمة الجزائري بعد حصوله على أغلبية الأصوات.
وشهدت كواليس الانتخاب تطورات مفاجئة بعد ترشح نائبين آخرين، في الجلسة التي كانت مقررة سلفاً لتزكية صالح قوجيل الذي كان يشغل المنصب ذاته بالإنابة.
ونافس قوجيل النائب محمود قيصاري، فيما أعلن المرشح محمود قيصاري انسحابه من الترشح احتجاجاً على ما سماه "انتخابات محسومة لصالح قوجيل".
وحصل صالح قوجيل على الأغلبية في التصويت بعد تزكيته من قبل "الثلث الرئاسي" والتابعين لحزبي "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي" وهم النواب الذين يعينهم رئيس البلاد ضمن صلاحياته الدستورية.
ويكون بذلك صالح قوجيل ثالث رئيس لمجلس الأمة الذي أنشئ عام 1996 بعد كل من الراحل بشير بومعزة وعبدالقادر بن صالح حتى 2020.
الرجل الثاني
وبانتخابه رسمياً، يكون صالح قوجيل وفقاً لدستور البلاد "الرجل الثاني في هرم الدولة الجزائرية"، والمخول الوحيد بتولي رئاسة البلاد مؤقتاً في حالات شغور منصب رئيس البلاد لأسباب حددها الدستور في الاستقالة أو العجز أو المرض أو الوفاة.
ومجلس الأمة أو مجلس الشيوخ، هي الغرفة الأولى التشريعية التي تم استحداثها في دستور 1996 بعهد الرئيس الأسبق اليامين زروال، ويعد رئيسه "نائباً غير معلن لرئيس البلاد".
وعلى عكس الغرفة الثانية وهي "المجلس الشعبي الوطني"، لا يتم انتخاب أعضائه عن طريق التصويت الشعبي المباشر، بل عن طريق التعيين والانتخاب الداخلي في الأحزاب الحاصلة على الأغلبية النيابية في المجلس الشعبي.
ويبلغ إجمالي عدد أعضاء مجلس الأمة الجزائري 144 نائباً يطلق عليهم تسمية "سيناتور"، يعين من بينهم رئيس الجمهورية 48 نائباً ويسمى بـ"الثلث الرئاسي".
أما بقية النواب البالغ عددهم 96 عضوا فيتم تعيينهم عن طريق الاقتراع غير المباشر بعد ترشيحهم من قبل الأحزاب الحاصلة على الأغلبية البرلمانية، والتي سيطر عليها حزبا "التجمع الديمقراطي" و"جبهة التحرير" منذ تشكيله، وتتم عملية انتخابهم من قبل أعضاء المجالس المحلية في الولايات الـ48.
ويحدد الدستور الجزائري العهدة النيابية لمجلس الأمة بـ6 سنوات، بينما ولاية رئيسه 3 سنوات، وكذا نصف أعضائه الذين يعاد انتخابهم محلياً كل 3 أعوام.
ومجلس الأمة الجزائري هو المحطة التشريعية الثانية بعد المجلس الشعبي الوطني في مناقشة وتشريع القوانين، ويلزمه دستور البلاد بأن تتم المصادقة عليهما بأغلبية "ثلاثة أرباع" (3/4) إجمالي أعضائه، ولا يمكن عرض أي قانون على مجلس الأمة إلا بعد المصادقة عليها من قبل نواب الغرفة الثانية.
وفي حال تعارض التصويت بين الغرفتين التشريعيتين، فصل الدستور الجزائري في ذلك، ونص على إنشاء لجنة منهما متساوية الأعضاء، تكون مهمتها اقتراح نص معدل يعرض مجددا على الغرفتين للمناقشة والتصويت دون إمكانية تعديله مرة ثانية.
من هو صالح قوجيل؟
صالح قوجيل رئيس مجلس الأمة الجديد هو أكبر مسؤول جزائري سناً يتبوأ منصباً كبيرا في البلاد، إذ يبلغ عمره 90 عاماً، ومن القياديين التاريخيين لحزب "جبهة التحرير".
ولد "قوجيل" في 14 يناير/كانون الثاني عام 1931 بولاية باتنة الواقعة شرقي البلاد، وكان واحدا من مناضلي الثورة التحريرية ضد الاحتلال الفرنسي بعد التحاقه بصفوف "جيش التحرير" عام 1954.
عينه الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ضمن الثلث الرئاسي في يناير/كانون الثاني 2013 لعهدة نيابية مدتها 6 أعوام.
بعد استقلال الجزائر، تولى صالح قوجيل عدة مناصب قيادية في حزب "جبهة التحرير" وعاصر خلالها جميع الرؤساء الـ8 الذين حكموا البلاد.
عام 1979 تولى حقيبة وزارة النقل والصيد البحري لمدة 7 أعوام، وكان ذلك المنصب الحكومي الوحيد الذي تقلده في مساره السياسي.
عاد صالح قوجيل إلى الواجهة السياسية بعد ترشحه في الانتخابات التشريعية لعام 2007، حيث فاز بمقعد نيابي عن ولاية سطيف (شرق) في المجلس الشعبي الوطني.
وفي يناير/كانون الثاني 2019، أعاد الرئيس المؤقت السابق عبد القادر بن صالح تعيينه عضوا في مجلس الأمة عن الثلث الرئاسي لولاية نيابية تنتهي في 2025، وتم تكليفه أيضا بمنصب نائب لرئيس المجلس.
بعد تزكية عبد القادر بن صالح رئيساً مؤقتاً للبلاد في أبريل/نيسان 2019 غداة استقالة بوتفليقة، تولى صالح قوجيل رئاسة مجلس الأمة بالإنابة إلى غاية ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته.
وبعد استقالة بن صالح في يناير/كانون الثاني 2020، بقي "قوجيل" رئيساً بـ"الإنابة" للغرفة الأولى في البرلمان الجزائري.
خلفيات الانتخاب
وأثارت سرعة انتخاب رئيس مجلس الأمة تساؤلات من قبل المتابعين عن توقيتها ودلالاتها في هذا الظرف، والذي تزامن مع قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون حل المجلس الشعبي الوطني والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة.
وكشف خبراء قانونيون لـ"العين الإخبارية" عن الأسباب التي عجلت بـ"ترسيم" صالح قوجيل في منصب الرجل الثاني للدولة، طارحين في السياق إشكالات أو تعقيدات قانونية أخرى تعقب هذه الخطوة.
وأوضح الخبراء أن السلطات الجزائرية أرادت من خلال هذه الخطوة "تفادي شبح الفراغ الدستوري" في رئاسة البلاد.
وبعد حل البرلمان، تصبح البلاد أمام "حالة استثنائية" وفق الدستور، بعد أن تم تجميد التشريع بالقوانين، وتعويضها بـ"الأوامر الرئاسية" المؤقتة الصادرة عن رئيس الجمهورية.
في هذه الحالة، يقول الخبراء، إن الجزائر أصبحت أمام "فراغ في مؤسستين تشريعيتين"، وبالإضافة إلى الغرفة الثانية، فإن صالح قوجيل كان رئيساً مؤقتاً لمجلس الأمة، وبالتالي فإن طبيعة منصبه تكبله من الصلاحيات الدستورية.
وبعد مرض الرئيس عبد المجيد تبون بفيروس كورونا وغيابه لنحو 3 أشهر عن المشهد السياسي التي اختلطت فيه حسابات السلطات الجزائرية، "تدارك النظام الجزائري خطورة الوضع".
وذكر الخبراء بأن الدستور الجزائري "لا يعترف بمنصب" "الإنابة"، ولا يحق معه لرئيس مجلس الأمة المؤقت تولي رئاسة البلاد مؤقتاً، إلا إذا تم ترسيم منصبه عن طريق الانتخاب أو التزكية بالأغلبية.
كما طرح الخبراء القانونيون إشكالات قانونية، وذكروا بأن الدستور الجزائري لم يفصل في مسألة شغور منصب رئيس البلاد في حال غياب الغرفة التشريعية الثانية والتي تقرر حلها.
حيث ينص الدستور الجزائري في حالات الشغور على أن يجتمع أعضاء الغرفتين التشريعيتين للتصويت بالإجماع على تكليف رئيس مجلس الأمة برئاسة البلاد مؤقتاً لمدة 90 يوماً.
كما أن مجلس الأمة يصبح في "حكم المجمد" بعد حل البرلمان، ولا يحق له مناقشة أو إصدار أي تشريعات أو الدعوة لاجتماعات في الاحالات الاستثنائية.
aXA6IDMuMTQwLjE4NS4xOTQg جزيرة ام اند امز