"فيل في الغرفة".. هكذا تدمر الملوحة الحياة البحرية
تزحف تأثيرات التغيرات المناخية نحو المحيط، مسببة تغيرات تؤثر على حياة سكان المحيط، وتُقلق معيشتهم.
لم تفر الكائنات البحرية في أعماق البحار والمحيطات من مخالب التغير المناخي، وراح يضربها في عُقر دارها، على الرغم من كونها تعيش هناك في موطنها، مسالمة، لا تتسبب في إحداث أي تغيرات مناخية، حتى إنّ المسطحات المائية هي المسؤولة الرئيسية عن امتصاص غاز الاحتباس الحراري الأشهر، ثاني أكسيد الكربون. لكن في المقابل، يرتفع مستوى ملوحة المياه، وتبدأ المشاكل في مطاردة المجتمعات البحرية.
ملوحة مرتفعة
كشفت دراسة منشورة في دورية «ساينس» (Science) في أبريل/نيسان الماضي، أنّ نسبة الملوحة قد زادت بنسبة 4% بين عامي 1950 - 2000، وفي حالة زيادة درجات الحرارة بمقدار درجتين أو 3 درجات؛ فقد ترتفع نسبة الملوحة إلى 24%، فمع كل مرة ترتفع فيها الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة، تزداد نسبة ملوحة دورة المياه في المقابل بمعدل يتراوح ما بين 5 إلى 8%. وبالتالي تتأثر نسب الملوحة في سواء في اليابسة أو المسطحات المائية.
فيل في الغرفة
مصطلح غربي، ربما لا يوجد له مقابل في اللغة العربية، لكنه يُستخدم في التعبير عن خطر ما واضح وظاهر لجميع الناس، لكن أحدًا لا يتحدث عنه. هذا بالضبط وضع الملوحة؛ إذ يتحدث الجميع عن تأثيرات التغير المناخي والحرارة المرتفعة، لكن نادرًا ما يتحدث أحد عن الخطر الواضح، وهو الملوحة، علمًا بأنّ الملوحة واحدة من أهم التأثيرات لارتفاع درجات الحرارة، وهذا ما تطرقت إليه مراجعة منشورة في دورية «جلوبل تشانج بيولوجي» (Global Change Biology) في 12 يوليو/تموز 2023.
شارك في المراجعة فريق دولي، عمل على دراسة عامل الملوحة تحديدًا، وكيف أنّ التغيرات الحاصلة في درجات الملوحة سواء في المحيطات أو المناطق الساحلية قد تؤثر -بشكل ما- على النظم البحرية والساحلية. حذر الباحثون من تغيرات الملوحة مع ارتفاع درجات الحرارة في المحيطات، وشددوا على الحاجة إلى التصدي للآثار المترتبة على الملوحة؛ لحماية النظم البيئية البحرية والساحلية.
كيف يؤثر التغير المناخي على ملوحة المحيطات؟
حسنًا، ببساطة، يتسبب المناخ المتغير في حدوث تغيرات بأشكال عدة:
أنماط هطول الأمطار
قد تتسبب التغيرات الحاصلة في أنماط المناخ في زيادة معدل هطول الأمطار في بعض المناطق، وزيادة التبخر في مناطق أخرى، ومع زيادة معدل هطول المطر، يقل تركيز الملح؛ فتقل درجة الملوحة، بينما في حالة نقص هطول المطر، تزداد معدلات البخر، ويتصاعد بخار الماء؛ تاركًا خلفه الملح؛ فتزداد درجة الملوحة.
ذوبان الأنهار الجليدية
يتسبب تغير المناخ في ذوبان الجليد، ما يتسبب في إضافة مياه عذبة للمحيطات؛ فتتغير درجة الملوحة، ما يؤدي إلى تخفيف تركيز الأملاح في مناطق معينة، خاصة في المناطق القريبة من القطبين؛ فهناك المصادر الرئيسية للجليد.
ارتفاع مستوى سطح البحر
مع ذوبان الجليد، يرتفع مستوى سطح البحر، وتتدفق المياه المالحة نحو المناطق الساحلية، وتتسرب المياه المالحة إلى أنظمة المياه العذبة وخزانات المياه الجوفية.
المجتمعات البحرية في خطر
تؤثر التغيرات في الملوحة على المجتمعات البحرية، ويتضح ذلك مما يلي:
البناء الضوئي
هناك بعض الأنواع البحرية مثل العوالق النباتية والطحالب والأعشاب البحرية؛ إذ تتسبب الملوحة العالية في إغلاق المسام الموجودة في الأوراق النباتية، وهي المسؤولة عن تبادل الغازات مع الغلاف الجوي، وفي حال إغلاقها، لاتضعف قدرات الكائنات النباتية على إجراء عملية البناء الضوئي.
التمثيل الغذائي
تؤثر التغيرات في درجة الملوحة على عملية التمثيل الغذائي للأسماك، ويمتد تأثيرها إلى معدلات النمو والتكاثر واستهلاك الغذاء.
توّفر الغذاء
تعتاد الأسماك البحرية الكبيرة مثل القرش على أنواع معينة من الكائنات البحرية للغذاء، لكن في ظل التغيرات الحاصلة بسبب تغير الملوحة والمناخ، تُسافر هذه الأسماك الكبيرة لمسافات بعيدة جدًا بحثًا عن غذائها؛ بسبب نقص المغذيات في الموقع الذي اعتادت عليه.
انهيار الموائل والأنواع
قد لا تستطيع بعض الأنواع البحرية التكيف مع التغيرات الحاصلة في درجات الملوحة، ما يؤدي إلى نقص أعدادها، رويدًا رويدًا تختفي تمامًا من المحيط، وتنقرض.
ظلت مسألة الملوحة طي النسيان أو بالأحرى التجاهل، على الرغم من آثارها الواضحة جدًا. ومع التغيرات المناخية الحاصلة، قد تتعاظم آثارها هذه، وتتسبب في كوارث لم نعهدها من قبل.