سمير الإسكندراني.. من فنان مصري إلى بطل قومي
أثبت أن الفن يمكن أن يكون سلاحًا قويًا في الدفاع عن الوطن، وأن الفنان يمكن أن يكون بطلاً . قصة حياته هي قصة حب ووفاء لا تنتهي،
ولد الفنان سمير الإسكندراني في حي الغورية بالقاهرة في الثامن من فبراير عام 1938. نشأ في أسرة متوسطة، وكان والده تاجرًا معروفًا بحبه للأدب والموسيقى، مما أثر بشكل كبير على شخصية سمير. منذ نعومة أظافره، كان ينجذب إلى الفنون، وخاصة الموسيقى، حيث أبدى شغفًا كبيرًا بالغناء والطرب. كانت تلك النشأة هي البذرة التي نما منها حب الوطن وحس المسؤولية الوطنية.
بين الفن والمخابرات
بدأ سمير الإسكندراني مسيرته الفنية في فترة مبكرة من حياته، حيث أبدى موهبة استثنائية في الغناء. لم يكن شغفه بالموسيقى فقط، بل كانت لديه رغبة قوية في استكشاف العالم وتعلم لغات جديدة. هذه الرغبة دفعت به إلى السفر إلى إيطاليا في نهاية الخمسينيات من القرن العشرين لدراسة الفنون الجميلة في جامعة بيروجيا. وفي إيطاليا، لم يقتصر الأمر على الدراسة فقط، بل انخرط في الحياة الثقافية والفنية هناك، وبدأ يعزف ويغني في الحفلات والمناسبات المختلفة، مما أكسبه شهرة محلية.
لكن إيطاليا لم تكن مجرد محطة في مسيرته الفنية، بل كانت بداية لتحول كبير في حياته. خلال فترة دراسته، تعرف سمير على رجل إيطالي ادعى أنه من المعجبين بفنه. توطدت العلاقة بينهما إلى أن اكتشف سمير أن هذا الشخص ليس إلا جاسوسًا إسرائيليًا يسعى لتجنيده للعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية "الموساد". لم يكن سمير يعلم أن هذه العلاقة ستغير مجرى حياته.
بداية ملحمة وطنية
عندما حاول هذا الجاسوس إقناع سمير بالعمل لصالح الموساد، بدلاً من الوقوع في الفخ، قرر سمير الإسكندراني أن يستغل هذا الموقف لصالح بلاده. عاد إلى مصر وسرعان ما تواصل مع السلطات المصرية، حيث تم التنسيق مع المخابرات المصرية لوضع خطة محكمة للكشف عن هذه الشبكة التجسسية.
وافق سمير على التعاون مع المخابرات المصرية وبدأ يلعب دور الجاسوس المزدوج، حيث كان يتظاهر بأنه يعمل لصالح الموساد بينما كان في الحقيقة ينقل كل ما يحصل عليه من معلومات إلى جهاز المخابرات المصري. بفضل دهاء وذكاء سمير، تمكن من الإيقاع بالعديد من الجواسيس الإسرائيليين وكشف خططهم، مما كان له أثر كبير في حماية الأمن القومي المصري في تلك الفترة الحساسة.
تفكيك الشبكة التجسسية
كان الموقف الذي قام به سمير الإسكندراني حينها موقفًا بطوليًا لا يُنسى. ففي إحدى المرات، طلب منه الموساد تنفيذ مهمة خطيرة تتعلق بجمع معلومات حساسة عن الجيش المصري. بدلاً من تنفيذ هذه المهمة لصالح الموساد، قام سمير بترتيب عملية دقيقة بالتعاون مع المخابرات المصرية، حيث تمكنوا من الإيقاع بالجاسوس الذي كلف بتسليم المعلومات واعتقاله. هذا الإنجاز كان له دور كبير في إحباط العديد من المخططات الإسرائيلية ضد مصر.
العودة للفن
بعد انتهاء مهمته الوطنية، عاد سمير الإسكندراني إلى حياته الفنية، ولكنه لم يكن نفس الشخص الذي غادر مصر للدراسة. أصبح لديه عمق أكبر في فهم الأمور وقيمتها، وهذا انعكس بشكل واضح على فنه. لم تكن أغانيه مجرد كلمات وألحان، بل كانت تحمل رسائل وطنية عميقة تعبر عن حب مصر والانتماء لها.
من أشهر أغانيه التي لا تزال في ذاكرة الأجيال "مين اللي قال"، "يا نيل"، و"يا وابور". هذه الأغاني لم تكن مجرد أعمال فنية بل كانت رمزًا للوطنية المصرية، وكانت تعبيرًا صادقًا عن مشاعر الملايين من المصريين تجاه وطنهم. تميزت أعماله بالعمق والإحساس الصادق، حيث كان يغني من قلبه ويدرك تمامًا قيمة كل كلمة يغنيها.
حب مصر في قلب فنان
كان سمير الإسكندراني مثالًا للوفاء والانتماء الحقيقي لمصر. رغم العروض المغرية التي تلقاها من الموساد، لم يتردد لحظة في اختيار الطريق الصعب، طريق الوفاء للوطن. لم تكن أفعاله مجرد واجب وطني بل كانت تعبيرًا صادقًا عن حبه العميق لمصر وإيمانه بأنها تستحق كل تضحية.
استمر سمير في مسيرته الفنية حتى وفاته في 13 أغسطس 2020، ولكن إرثه الوطني والفني لا يزال يعيش في قلوب المصريين. كان مثالاً للفنان الحقيقي الذي لم يستخدم فنه لتحقيق الشهرة والمال فقط، بل استخدمه لخدمة وطنه وإلهام الأجيال القادمة.
aXA6IDMuMTI5LjQyLjE5OCA= جزيرة ام اند امز