بالصور.. المخرج المصري سمير سيف في ندوة "العين الإخبارية": أعود للسينما قريبا
المخرج المصري الكبير سمير سيف يحل ضيفا على "العين الإخبارية"، في ندوة ثرية شهدت مناقشات حول أعماله، وانتهت بتكريمه ومنحه درعا خاصة
التفوق هو مفتاح السر في رحلة نجاح المخرج والأكاديمي المصري الدكتور سمير سيف، ابن حي شبرا بوسط القاهرة، الذي وقع في هوى السينما منذ صغره، وأعجب بأفلام رعاة البقر التي تتناسب مع ما هو سائد وقتها.
قبل التحول إلى الإخراج، عمل سيف مساعدا مع المخرجين الكبار يوسف شاهين وشادي عبدالسلام وحسن الإمام وآخرين، كما عمل مساعدا مع المخرج "سبايك لي"، أثناء تصوير مشاهد فيلم "مالكوم إكس" بالقاهرة عام 1992.
قدم أول أفلامه "دائرة الانتقام" عام 1976، لتتوالى بعدها سلسلة من الأعمال في مختلف التصنيفات السينمائية تقريبا، دون أن يفقد تحيزه للأكشن، إذ قدم الفيلم الاستعراضي في "المتوحشة"، والسياسي في "الراقصة والسياسي"، والكوميدي في "الشيطانة التي أحبتني"، والاجتماعي في "المشبوه"، والديني في "أوغسطينوس"، وأيضا الفلسفي في "سوق المتعة".
وحصل الدكتور سمير سيف على مجموعة كبيرة من الجوائز على مدار مشواره الفني الذي امتد لأكثر من 4 عقود، ولا يزال عطاؤه مستمرا سواء على المستوى الأكاديمي أم الإداري، من خلال رئاسته للمهرجان القومي للسينما المصرية.
سمير سيف حل ضيفا على "العين الإخبارية"، تحدث عن أعماله، وكشف عن آرائه في تقنية الفيديو وإنتاج فريق "العين الإخبارية"، وانتهت الندوة بتقطيع قالب الحلوى "التورتة"، ومنحه درعا خاصة تكريما للقامة الكبيرة في عالم السنيما المصرية.
أخرجت أفلاما في كل الأنواع والتصنيفات السينمائية تقريبا، ما تعليقك؟
التصق بي منذ بداياتي أنني أقدم الشكل الهوليوودي أو الأمريكي، وهذا أمر أعتز به، وأنا بالأساس هاوي سينما، وأمنت بنظرية هوليوود التي عبر عنها هوارد هوكس، بقوله: "أنا أقدم أحسن فيلم من كل نوع"، لذا قدمت نفسي سينمائيا بأفلام الحركة، بل وكانت الماجستير والدكتوراه عن هذه النوعية، لكن ذلك لم يمنعني من تقديم الأنواع الأخرى بشكل جيد، فالتنوع لا يتعارض من الأسلوب أو البصمة الشخصية للمبدع في تصوري.
كيف جمعت بين النجاح إخراجيا وأكاديميا؟
بالتأكيد لم أكن أقصد ذلك، وأعتقد أن هذا يرجع لكوني طالبا مجتهدا منذ صغري، إذ كنت أحد طلاب فصول المتفوقين في المراحل المختلفة، إضافة لممارسة الهوايات المختلفة، وأظن أنني كنت موهوبا أيضا.
وأرى أن السلك الأكاديمي طريق ذو اتجاهين، فأنت تعلم وتتعلم في الوقت نفسه، ومنذ دخولي معهد السينما وحتى هذه اللحظة لم أتركه، ما أتاح لي الاحتكاك المتبادل مع أجيال مختلفة، والمواكبة دون أن يفوتني شيء بحكم ممارسة التدريس، وحصلت على درجة الدكتوراه متأخرا بعد رحلة إبداع طويلة عكس المعتاد في رحلات المبدعين، إذ إن الممارسة سبقت الجانب الأكاديمي.
لجأت للاقتباس في معظم أعمالك، هل له علاقة بإمكانية تعبير الموضوعات المقتبسة عن قضايا وأفكار مشابهة في المجتمع المصري؟
فكرة الاقتباس كانت سيفا مسلطا على السينمائيين طول الوقت، إذ تعرضوا إلى النقد البوليسي والتربص والبحث عن العمل الأصلي، رغم أن العالم كله يلجأ لاستيحاء الأفكار، إذ قال "كارانتينو" المخرج الإيطالي الشهير "كلنا نسرق"، والمعنى هنا "أن تستوحى"، كما قال توفيق الحكيم إن "الإبداع في الفن لا يعني خلق شيء من العدم، وإنما نفخ روح جديدة في مادة موجودة من قبل"، كما سئل نجيب محفوظ ذات مرة أن شاعر الهندي الكبير طاغور له قصة عن فتاة ريفية تعمل خادمة في منزل أحبها كل النزلاء في إشارة لسرقة "ميرامار"، وكانت إجابته في الاتجاه نفسه.
والمعيار الأساسي في قضية الاقتباس مرهونة بالشكل النهائي في تصوري، فطالما اُعمل الخيال وأُدخلت ظروف المجتمع فهذا مجهود يعادل التأليف، والعالم كله يسير على هذا المنوال، وأطروحتي في رسالة الدكتوراه كانت عن هذا الموضوع، الاقتباس في السينما العالمية خصوصا الأمريكية سلبا وإيجابا، وذكرت أفلاما معروفة في تاريخنا المصري باعتبارها مصرية تماما بل ومخرجها رائد للواقعية، مثل صلاح أبو سيف، ومع ذلك فهي مقتبسة، لكن ببراعة شديدة وصلت لدرجة شدة المحلية.
في رأيك، ما أكثر فيلم حققت فيه هذه المعادلة؟
أعتقد "المشبوه"، وهو مأخوذ من الفيلم الأمريكي "ونس أسيف"، إذ سجل لحظات ما بعد حرب أكتوبر ولحظات الانتعاش التجاري في بورسعيد، وتطرق لأولئك الذين أقاموا في الملاجئ العسكرية بالشوارع، وشكل الحياة بعد الحرب، واللهجة، وكل من يشاهد الفيلم لا يمكن أن يكتشف أنه مقتبس من فيلم أمريكي.
"المتوحشة" فيلم موسيقي مهم بطلته سعاد حسني ومع ذلك لم ينجح، ما تفسيرك؟
هناك أفلام تسمى "كالت موفي"، وهي التي تجد متابعة وشعبية ونجاحا كبيرا فيما بعد العرض الأول، وأقرب مثال لذلك في السينما المصرية "باب الحديد"، للكبير يوسف شاهين، الذي حقق وقت عرضه فشلا ذريعا، وأرى أن وفاة البطلة في نهاية "المتوحشة" كان جزءا من المغامرة والتحدي عندي، إذ إن الفيلم الموسيقي الاستعراضي في كل العالم لا بد أن ينتهي بابتسامة أو أمل أو نهاية سعيدة، لأن وظيفته بعث البهجة في المتلقي وروح الحياة، وكان الاستثناء الوحيد من هذا الفشل هو "قصة الحي الغربي" المأخوذ عن روميو وجولييت، الذي حقق نجاحا ساحقا، وربما كان ذلك أحد أسباب عدم نجاح "المتوحشة" وقت عرضه.
حدثنا عن تجربتك مع عادل إمام؟
قدمت مع عادل إمام 8 أفلام، أعتقد أنها من أهم وأخصب الأعمال في التاريخ الشخصي لكل منا، إذ إنها لا تزال محفورة في الوجدان الشعبي.
ما هي مميزات وعيوب هذه التجربة؟
في كل الأفلام التي قدمتها معه لم أشعر بعيوب، كان بيننا احترام متبادل وثقة متناهية، لدرجة أنه كان يقول إن "الممثل مع سمير سيف يؤدي وهو تارك ذراعه"، ولم أختلف معه في أي مشهد، بالعكس كانت التجربة ممتعة جدا، وأعتقد أن عددا كبيرا من أفلامنا معا كان فيها عادل الممثل خاضعا لشخصية البطل، وليس العكس، ومن أمثلة ذلك أفلام "الهلفوت" و"النمر والأنثى" وقبلهما "المشبوه"، فهذه الأدوار كان واضحا بها عنصر الأداء التمثيلي، وأخضع "الزعيم" ذاته ونجوميته للشخصية، وتلك أمارات المحترف الحقيقي.
طغى أسلوبك على موضوع فيلم "سوق المتعة" رغم جنوحه الفلسفي، هل تعتبر هذا عيبا أم ميزة؟
مقتنع بالفلسفة الأمريكية في السينما، وهو التواصل عبر مستويات مختلفة والوصول للشريحة الأكبر من المشاهدين بالتدرج، ولو اقتصرت على مستوى واحد فسوف تفقد شريحة كبيرة، وهذا ما لا أقبله بتاتا منذ بدايتي، فالفيلم الذي لا يصل للجمهور يعني أنه يحوي خللا ما، حتى لو كان له جانب فلسفي، وأرى أن دوري تبسيط الأفلام للوصول لمستويات أخرى، وبالفعل وصل "سوق المتعة" وحقق نجاحا كبيرا، باختصار أنا لا أتصور نفسي في فيلم لا يشاهده الناس أو عدد قليل منهم فقط.
أنتجت فيلمي "الإرهابي" و"عيش الغراب" وكلاهما يقدم قضية شائكة اجتماعيا وسياسيا، كيف اخترت هذه الموضوعات؟
كونت شركة مع مدير التصوير سمير فرج، والممثل الراحل مصطفى متولي، وكان فيلم "شمس الزناتي" باكورة إنتاجنا، ثم "الإرهابي"، وكان يحمل زخما فكريا، مع بطولة عادل إمام للعمل، فضلا عن طابعه الترفيهي، وكل هذه العناصر شجعتنا على تقديمه، ثم "عيش الغراب"، وهو تأليفي، وفخور بهذا العمل كونه يرصد فترة ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وظهور بازار للتهريب والتجارة بالمواقع النووية، وأوحت قصة شخص يعمل حارسا شخصيا للرئيس المصري الراحل أنور السادات لي بالفكرة.
ولماذا شخصية الحارس الخاص بالرئيس السادات تحديدا؟
تستهويني شخصية الحارس الخاص للشخصيات المهمة، خصوصا الرؤساء، ونشأت بيننا علاقات مباشرة من وقت إخراجي الاحتفالات الخاصة بـ6 أكتوبر، بحضور الرئيس السادات، وكانت علاقتي بالحرس وتأمين الحفلات وغير ذلك مباشرة، ناهيك عن اهتماماتي الخاصة بهذه النوعية من خلال اهتمامي بأفلام الحركة، وتابعت دورة إعداد كل حارس وحصوله على كورسات في أمريكا، وقابلت منهم شخصيات، فهناك مجموعة الالتحام والرماة، وهناك القيادة والمراوغة، كما حدث في أديس أبابا مع الرئيس الأسبق حسني مبارك، وقد يتدرب أحدهم ويقضي كل حياته من أجل لحظة قد لا تأتي.
وبطلي عندما جاءت اللحظة الفاصلة فشل في حماية الرئيس السادات، ودرست هذه النقطة جيدا، وفوجئت أن شخصا واحدا أخرج مسدسه من خلف المقعد ولم يستخدمه في هذه العملية، فهناك تقصير حدث، لذا استهوتني هذه الشخصية وقدمتها، وشاهد العمل في عرض خاص مجموعة من الجهات السيادية، وأعجبهم وربتوا على يدي من شدة إتقان إعادة تصوير العملية في مدرج نادي الزمالك بالأبيض والأسود، واستخدام مجموعة من الكومبارس، إذ كانوا يتصورون أنني استخدمت مشهدا توثيقيا قبل مشاهدتهم العرض.
ما هو الفيلم الذي لم تخرجه وتمنيت تقديمه؟
رواية "رد قلبي"، لأنها كانت من أوائل الروايات التي قرأتها ليوسف السباعي وأنا طالب، لكن الفيلم محفور في ذاكرة الناس بشكل مؤثر جدا، ويعتبر الوثيقة الرسمية المعتمدة للثورة، وما زلت أتمنى تقديمها بصورة أخرى رغم احتلالها ركنا خاصا في ذاكرة الأجيال المختلفة.
هل تعود للإخراج السينمائي قريبا بعد كل هذا الغياب؟
أفتقد السينما فعلا، وأشتاق للعودة لها، وحاليا أقرأ موضوعين، وسوف أحدد أيهما أبدأ بتصويره خلال الأيام المقبلة.