التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ بنظيره الأمريكي جو بايدن على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك)، في توقيت يتزامن مع الأحداث المؤسفة في غزة، ما يفسر انشغال الإعلام الدولي.
ولم تنل قمة سان فرانسيسكو القدر الكافي من التغطية رغم أهميتها، كون الاقتصادين الصيني والأمريكي يشكلان 40% من الناتج العالمي، ولكم تخيل التداعيات على العالم، حال وصلت الخلافات بين البلدين لطريق مسدود.
يأتي اللقاء في ظل خلافات متصاعدة عندما فرضت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قيوداً على الصادرات الصينية، ثم استمرّ التصعيد مع إدارة بايدن، حين زار وفد أمريكي برئاسة رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي تايوان، التي تعتبرها بكين خطا أحمر استراتيجيا، وتطالب بإعادتها لوحدة الصين، بينما تستغل واشنطن ملف تايوان الخلافي كأداة ضغط على الصين، عبر دعم التوجه الانفصالي وتزويدها بالسلاح.
استمرّ الاجتماع لأربع ساعات كانت بمثابة تهدئة للنفوس، ليثمر عن الاتفاق على استئناف المحادثات بين قيادات الجيشين، والتي تم تعليقها منذ العام 2022، وكأن العداء بين البلدين يدخل مرحلة من التهدئة المؤقتة، تجنّبا لمزيد من التصعيد على الأقل خلال الأشهر المتبقية للانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهنا تتحقق مصالح الطرفين، فمن جانب الصين تحاول تعويض خسائر السنوات الماضية ما بعد جائحة كورونا، ومن جانب آخر انشغال ديمقراطيي واشنطن بالمرحلة المقبلة من الصراع الداخلي على السلطة.
ولهذا، قد تكون تصريحات بايدن العدائية ما بعد اللقاء، ووصفه جينبينغ بالديكتاتور للمرة الثانية، كمحاولة لإبعاد الاتهام عنه وابنه هانتر بشأن القضايا المالية مع الصين، في الفترة التي كان بها نائباً للرئيس السابق أوباما، ومحاولة لاستخدام اللغة الفوقية كدعاية انتخابية، أما ان كانت مجرد زلة لسان، فالمصيبة أعظم! وتعكس التباينات الضبابية بين مؤسسات الولايات المتحدة الأمنية والعسكرية والدبلوماسية، ومن يسكن البيت الأبيض.
البراغماتية هي الحل الأفضل لمستقبل العلاقة بين بكين وواشنطن، ولو اعتبرت الولايات المتحدة الصين تهديدا استراتيجياً لنفوذها الاقتصادي العالمي، فمحاولات ردع المارد الصيني باستراتيجيات تحالفي "كواد" و "أوكوس" لم تنجح إلا بإبطاء تحركاته وليس إيقافه.
والمرحلة الراهنة تشكل تحديا كبيرا على إدارة بايدن التي تغرق في العديد من الملفات الساخنة، من الأزمة الأوكرانية وصولاً الى الحرب في غزة، ولا أعتقد أنها تريد في هذا التوقيت العزف على وتر التصعيد مع الصين، من خلال المناورة في الملفات الخلافية، خصوصاً أن الديمقراطيين مقبلون على انتخابات صعبة في مواجهة ترامب.
ولنأخذ العداء بين القطبين الأكبر عالمياً كنموذج براغماتي لاستمرار الحوار، برغم الخلافات المستمرة بين بكين وواشنطن منذ عقود، فهذا لم يمنع قادة البلدين من اللقاء، ولو كانت النتائج بطيئة، فاستمرارية اللقاءات تقرب المسافات، وتحل الخلافات على المدى الطويل، وهو من زاوية إيجابية ما تفتقده منطقة الشرق الأوسط، في ظل صراع فلسطيني إسرائيلي يفتقد للحوار المباشر، وأدوات فعالة تنطلق منها أفق السلام.
ومن هذه الزاوية الإقليمية، نجحت السياسة الإماراتية عندما اتجهت إلى تنوع علاقاتها وتجارتها، وحتى تسليحها، في استباقية موفقة، فتنوع العلاقات أعطى دولة الإمارات خيارات متعددة في الغرب والشرق، فنجد العلاقات التاريخيّة المميزة مع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وتعاونا اقتصاديا كبيرا مع روسيا والصين، وعلاقات تنموية فاعلة مع الاقتصادات الصاعدة، في الهند وكوريا الجنوبية واليابان وإندونيسيا والبرازيل.
وتميز النموذج الإماراتي بقيادة رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بكونه منفتحاً في العلاقات والشراكات مع دول العالم كافة، في عالم مضطرب ومتغير، وتسوده أجواء براغماتية لإعادة تشكيل العلاقات الجيوسياسية.
فالغرب بقيادة الولايات المتحدة يحاول الدفاع عن نفوذه المطلق عبر احتواء بكين، والشرق بقيادة الصين مستمر في صعوده، والعالم في طور التغيير من قوة منفردة إلى قوى متعددة الأقطاب، وهو ما أدركته القيادة الإماراتية مبكراً بتنوع علاقاتها وقوتها الناعمة وتأثيرها السياسي والاقتصادي والثقافي والعلمي، لتتمكن بكل جدارة من تبوء موقع ريادي في النظام الدولي الجديد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة