«مذكّرات سجين».. الزنزانة والصراع السياسي في حكاية ساركوزي
من صخب السلطة إلى رقمٍ داخل زنزانة، هكذا وجد نيكولا ساركوزي، الذي اعتاد الوقوف في قلب العاصفة، نفسه خلال ثلاثة أسابيع وجهاً لوجه مع هشاشة الإنسان ومعركة العدالة التي تطارده منذ أكثر من عقد.
إلا أن الرئيس الأسبق خرج من السجن -بينما لا زالت القضية التي يحاكم فيها تتفاعل- لا ليطوي صفحة، بل ليكتبها بيده، في كتابه الجديد «مذكّرات سجين»؛ مسجلا شهادة شخصية على واحدة من أكثر اللحظات إثارة في تاريخ الحياة السياسية الفرنسية الحديثة.
وبين ضجيج الزنازين، وقيود العزلة، وحراسة مشددة تعكس مكانته بقدر ما تعكس خطورة الملف، عاش ساركوزي تجربة يُراد لها أن تكون دليلاً على «الخطورة الاستثنائية» لأفعاله، فيما يراها هو ثمرة «كراهية» تطارد اسمه منذ قضية التمويل الليبي.
فماذا نعرف عن كتابه المرتقب؟
بعد أقل من أسبوعين على خروجه من السجن، أعلن الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي يوم الجمعة عن صدور كتاب له، في 10 ديسمبر/كانون الأول المقبل يتناول فترة سجنه في إطار قضية التمويل الليبي، بعنوان «مذكرات سجين».
الكتاب الصادر عن دار نشر فايار التي يديرها فانسان بولوري، قالت عنه صحيفة «لوموند» الفرنسية، إنه سيتناول تجربة اعتقاله المرتبطة بالمحاكمة في قضية التمويل الليبي.
وبعد أن قضى ثلاثة أسابيع خلف القضبان إثر إدانته في قضية التمويل الليبي، كتب الرئيس الفرنسي الأسبق على منصة «إكس»، قائلا: «في السجن، لا يوجد ما يرى ولا ما يفعل. أنسى الصمت الذي لا وجود له في سجن (لا سانتي) حيث هناك الكثير مما يسمع. الضجيج هناك دائم للأسف. وعلى غرار الصحراء، تتعزز الحياة الداخلية في السجن».
وفي بيان صادر عنها، قالت دار نشر «فايار» إن الكتاب يتألف من 216 صفحة، وسيتم طرحه في الأسواق بسعر 20.90 يورو.
وفي 25 سبتمبر/أيلول الماضي، أُدين الرئيس السابق، البالغ من العمر حالياً 70 عاماً، ابتدائياً بالسجن خمس سنوات مع أمر بإيداعه السجن والتنفيذ الفوري بتهمة تكوين جمعية أشرار، إضافة إلى غرامة مالية قدرها 100 ألف يورو.
من جانبها، قات مجلة «فانتي فير» الفرنسية، تحت عنوان: «عشرون يوماً خلف القضبان: ساركوزي يستلهم منها كتابه الجديد»، إن عشرون يوماً كاملة من السجن كانت كافية لنيكولا ساركوزي كي يستلهم الإلهام ويمسك قلمه ليسطّر على الورق تجربته الحياتية داخل سجن لا سانتي.
ثلاثة أسابيع من الاحتجاز
المجلة الفرنسية قالت إن ساركوزي الذي دخل السجن في 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بسجن (لا سانتي) في باريس، الواقع في الدائرة الرابعة عشرة من العاصمة، وُضع في إحدى الزنزانات الخمس عشرة التي تبلغ مساحتها 9 أمتار مربعة، في عزلة تامة، لتفادي أي احتكاك مع باقي السجناء.
وبحسب إذاعة «إر إف إي الفرنسية»، فإن السجين السابق كان يكتفي في غذائه أساساً بالزبادي، تجنباً لتناول أطعمة قد تكون تعرّضت للتلاعب من قبل سجناء آخرين.
وإلى جانب هذا النظام الغذائي الخاص، تم إيواء ضابطَي أمن، وكليهما مسلحين، في زنزانة مجاورة لضمان حمايته الكاملة، في إجراء برره وزير الداخلية لوران نونيز، بأنه اتخذ "نظراً إلى وضعه والتهديدات التي تحيط به.
ضباط أمن
وقد استأنف الحكم فوراً، وسيحسم مستقبله خلال محاكمة جديدة مقررة من 16 مارس/آذار إلى 3 يونيو/حزيران 2026 أمام محكمة الاستئناف في باريس.
وخلال فترة احتجازه في الحبس الانفرادي، وتحت حماية ضابطَي أمن، كان الرئيس الأسبق محتجزاً في زنزانة تبلغ مساحتها 9 أمتار مربعة، حيث «كان الضجيج لا يتوقف»، وفق ما صرّح به محاميه وصديقه جان-ميشيل داروا بعد أول لقاء له مع ساركوزي في قاعة الزيارات، وهو ما أثار غضب نقابات موظفي السجون.
وأضاف محاميه أن موكله كان يعتزم قضاء وقته في الكتابة، وممارسة أكبر قدر ممكن من الرياضة، واستقبال زيارات أفراد عائلته ومحاميه، مؤكداً أنه «بدأ كتابة كتابه» منذ اليوم الأول من احتجازه.
وقد أدانته المحكمة الجنحية في باريس بتهمة تعمّده السماح لمقربيه بالتواصل مع ليبيا في عهد الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي من أجل طلب تمويل غير مشروع لحملته الرئاسية التي فاز بها عام 2007.
وساركوزي، الذي يعلن براءته منذ بداية القضية، عاش تجربة اعتقال غير مسبوقة لرئيس فرنسي سابق في تاريخ الجمهورية، وأثارت جدلاً واسعاً.
وبررت المحكمة أمر الإيداع في السجن بـ"الخطورة الاستثنائية" للوقائع، بينما اعتبر ساركوزي أن القرار كان مدفوعاً بـ"الكراهية".
وقد أُودع السجن في 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قبل أن يُفرج عنه في 10 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بقرار من محكمة الاستئناف في باريس، التي رأت أنه لا يشكل خطر فرار، وقررت وضعه تحت المراقبة القضائية.
غير أن القضاء فرض عليه حظر مغادرة الأراضي الفرنسية، ومنعه من الاتصال بباقي المتهمين وبعدد من الأشخاص، بينهم وزير العدل جيرالد دارمانان، الذي كان قد زاره في السجن في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكذلك أي عضو من مكتبه أو أي إطار قضائي قد يحصل على معلومات حول سير الإجراءات.
إعادة المحاكمة
كما ستعاد محاكمة تسعة أشخاص آخرين ابتداءً من منتصف مارس إلى جانب نيكولا ساركوزي.
ومن بين المتهمين اثنان من أقرب مساعديه السابقين: كلود غيان، الذي حكم عليه بالسجن ست سنوات دون أمر إيداع، وبريس أورتوفو، الذي صدر بحقه حكم بالسجن سنتين تُنفذ تحت المراقبة الإلكترونية في منزله مع التنفيذ الفوري.
كما سيعاد محاكمة الوسيط ألكسندر جوهري، المحكوم عليه ابتدائياً بالسجن ست سنوات وغرامة قدرها ثلاثة ملايين يورو، وهو موقوف حالياً.
وإلى حين ذلك، تنتظر ساركوزي مواعيد قضائية أخرى حاسمة، فبعد أن صدر بحقه حكم نهائي في قضية التنصت، سيعلم في 26 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، ما إذا كانت محكمة النقض ستصادق أو لا على إدانته في قضية بيغماليون، التي حكم فيها عليه بالسجن سنة واحدة، منها ستة أشهر نافذة قابلة للتنفيذ وفق ترتيبات خاصة، بتهمة التمويل غير القانوني لحملته الرئاسية الخاسرة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNTYg جزيرة ام اند امز