لم تواجه دولة واحدة حملة تشكيك في ملف "سجناء القاعدة"، بقدر ما واجهته السعودية، إذ لم تتوقف حملات التشويش منذ 24 عاماً.
لم تواجه دولة واحدة حملة تشكيك في ملف "سجناء القاعدة"، بقدر ما واجهته السعودية، إذ لم تتوقف حملات التشويش منذ تدشين التنظيم إرهابه قبل 24 عاماً، وفي كل موسم تأخذ شكلاً جديداً، أما الراعي الدائم لكل مواسمها، فليس سوى الشقيقة المنشقّة "جرثومة الخليج".
في السنوات الأولى، وجّهت "جرثومة الخليج" العمل السياسي والدعائي للإرهاب في السعودية بدقة عالية. غير أن اتساع نشاط التنظيم، كشف الكثير من الخفايا التي قادت خيوط الاستجواب إليها، من خلال مئات الموقوفين، من توفير جوازات سفر، وخلق جناح سياسي في لندن، وتمكينه بالأدوات الإعلامية
وعندما انتصف عام 1995 انقلب الحكم في الدولة الشقيقة، ولم ينته ذلك العام حتى بدأت "القاعدة" عملياتها، وواكبتها حملة الدفاع عن الجناة، والتشكيك بكل خطوة أمنية لمواجهة الإرهاب، وإطلاق منظمات مشبوهة في لندن، ورعايتها بالمال والمعلومات والدعاية عبر شبكة إعلامية واسعة.
وما أن امتدت شبكة الإنترنت، حتى أخذت الحملة شكلاً جديداً، مواقع إلكترونية وحسابات مجهولة تسوق لمظلومية الموقوفين، وتنفي عنهم جرائم الإرهاب وخطاب التكفير، واستمر الحال تصاعداً مع زيادة عنف التنظيم، وحلّت المقاطعة، وصارت الرعاية علنية وعلى المكشوف.
وفي السنوات الأولى، وجّهت "جرثومة الخليج" العمل السياسي والدعائي للإرهاب في السعودية بدقة عالية، غير أن اتساع نشاط التنظيم كشف الكثير من الخفايا التي قادت خيوط الاستجواب إليها، من خلال مئات الموقوفين، من توفير جوازات سفر، وخلق جناح سياسي في لندن، وتمكينه بالأدوات الإعلامية من قنوات فضائية وبث إلكتروني، ودفع ذلك كله إلى منظمات تتاجر بحقوق الإنسان، وتبحث عن ممول لعموم أنشطتها.
ونتيجة لجهد السنوات ومثابرة الجار، تشكل رأي عام خاطئ حيال عناصر "القاعدة"، إذ تم تقديمهم سجناء سياسيين، قذفت بهم الدولة في السجون لمطالب مشروعة، وتعاقب ذويهم بمنع زيارتهم، وتتجاهل محاكمتهم. فيما الواقع أنهم قتلة، جاهروا بإرهابهم، وسفكوا دماء أقرب الناس إليهم، ومطلبهم هدم الدولة وسحق المجتمع، وهذا رأيهم الصريح والمعلن ضمن خطابهم، ومع ذلك يزورهم ذووهم بانتظام، وللأسف أن ذلك يحصل على نفقة الحكومة، إذ تصرف لهم تذاكر سفر وإقامة لزيارة السجين البعيد عن مقر إقامة ذويه.
وأكثر ما يلفت الانتباه في هذا الشأن، صمت منظمات حقوق الإنسان عن جرائم التنظيم، على رغم تفاخره بها صوتاً وصورة، وكأن الضحايا الأبرياء وسلم المجتمعات وأمنها بلا حقوق. لنأخذ أحدث الأمثلة، أعدمت السعودية 37 مداناً بالإرهاب والتجسس، 26 منهم اغتالوا وقتلوا رجال أمن في حوادث كثيرة. هل دانت المنظمات استهداف حفظة الأمن؟ طبعاً، لا. لكنها كشرت عن أنيابها منذ مواجهة القتلة وإيقافهم، ودعت إلى إطلاق سراحهم، ولم تبحث في ما ارتكبوا، وفي لا بصمات أصابعهم و"قطرات" دمائهم عندما أصيبوا في مسارح جرائمهم. ليسأل العاقل: ما هي تلك المنظمات؟ وما دورها؟ ولماذا تأخذها وسائل إعلام عالمية بجدية؟
ربما يأتي جواب تقليدي: "لأن أسوار المملكة عالية، وسجونها مظلمة". لكن الحكومة تجدد كل مرة أن الأبواب مفتوحة أمام الإعلام الأجنبي والمنظمات الجادة، وزارها الكثيرون منهم، فيما امتنع عن ذلك من أراد الحفاظ على رأيه، وهذه الفئة خشيت أن تهز الحقيقة صدقية تاريخها أمام جمهورها، أو أن تخسر علاقتها مع "جرثومة الخليج"!
نقلاً عن "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة