كلٌّ يدعي وصلاً بخاشقجي، ولا أعلم إذا كان الزميل الكاتب السابق في هذه الصحيفة يقرّ لهم بذاك أم لا؟
كلٌّ يدعي وصلاً بخاشقجي، ولا أعلم إذا كان الزميل الكاتب السابق في هذه الصحيفة يقرّ لهم بذاك أم لا؟ ما أعلمه هو أن قميص خاشقجي الذي يلوّح به دعاة شيطنة السعودية يبدو ثقيلاً جداً عليهم، حتى وإن تلقفته بعض الأجندات الخارجية.
هل تقرر تركيا خوض معركة أردوغان الخاصة ضد السعودية؟ لا أعتقد، فالسعوديون الذين ترَكوا الترك لن يصمتوا طويلاً أمام فرعنة الرئيس، الذي لم يتركهم وشأنهم، والأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت ما لم يتدارك أردوغان نفسه، وكرسي حكمه الذي يترنح
في أمريكا، يحاول خصوم ترامب السياسيون استغلال القضية برمتها لتصفية حساباتهم الخاصة معه من خلال تصويره سطحياً يتحالف مع أشرار لا أكثر، بدليل تهافت القيادات الديمقراطية على إصدار بيانات الاستنكار «غير» المعهودة، حتى إن هوّة الاختلاف العميقة مع ترامب جعلت «زميله» الجمهوري السيناتور بوب كروكر، الذي تخلى بالمناسبة عن فكرة الترشح في الانتخابات التجديدية النصفية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، إثر خلافات حادة مع ترامب الذي رفض بدوره دعمه، يصرح بأنه «شاهَد» معلومات أمريكية تشير إلى تورط السعوديين، مع أنه في الواقع «ما شافش حاجة»! أما الأوروبيون الذين يغطون في سبات الماضي العريق فإنهم يقاومون عجزهم عن صناعة الحدث بالتشبه بمعلقي كرة القدم، الذين يصرخون عند كل هجمة.. ولكلا الفريقين.
على ذكر قميص خاشقجي، أين هو خاشقجي؟ ليس سراً أن للرجل علاقاته المتميزة جداً بالسياسيين النافذين الأتراك، فهو ليس نكرة يصعب التعرف إليه، خصوصاً أن تركيا تعيش حالة أمنية متأهبة، مكنتها من إلقاء القبض على عتاة الإرهابيين ممّن مهنتهم التخفي، وفي وقت قياسي. لقائل أن يقول إن الأمن التركي على علاقة بالإرهابيين في الأساس، إذ سهل لهم استخدام بلاده منصة انطلاق إلى سوريا حسب تقارير استخبارات متفرقة، إلا أن المقصود هنا ليس «داعش» الذي كشفت روسيا عن شراء تركيا النفط منه، ولا «جبهة النصرة» التي حاولت تركيا وقطر إقناع الأمريكيين أنها تمثل «الاعتدال في المعارضة السورية المسلحة»، وإنما عموم العمليات الإجرامية، وتأتي في مقدمها محاولة الانقلاب التي أطاحت بعشرات الآلاف، سياسيين وعسكريين وإعلاميين، بل ربات منازل أيضاً! يطالب أردوغان المسؤولين في القنصلية السعودية بتقديم أدلة تثبت «ادعاءاتهم»، بينما هم ليسوا في دائرة الاتهام في الحقيقة، هم من انفجر في وجوههم «لغم خديجة» ووسائل «الأفلام» التركية دون سابق إنذار، والقاعدة القضائية تقول: «البينة على من ادعى» لا على من أنكر، وبناء عليه يقع على عاتق السلطات التركية واجب إثبات افتراءاتها، بدلاً من الولوغ وعلى أعلى المستويات في جريمة بث شائعات هزلية، لم تكن الإمكانات المحدودة لـ «نشطاء» سعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي عائقاً أمام تفنيدها.
من المستفيد؟ حتى نجيب على هذا السؤال لا مناص من العودة إلى الوراء قليلاً، لنتذكر أن جمال خاشقجي كان أبرز دعاة قيام تحالف سعودي-تركي، على رغم التباين الشاسع في الرؤى بين البلدين، والذي لم يبلغ حجم «القطيعة»، وهذا في رأيي لبّ المسألة برمتها، وجوهر ما تسعى قطر وجماعة «الإخوان» إليه في رحلة البقاء المستحيلة، خصوصاً أن تركيا تعتبر بالنسبة إليهم الملاذ «السني» الأخير، ولثقتهم جميعاً في أنه ليس أسرع من عكس «الخليفة» لخط سيره، سوى تنكر تنظيم الحمدين لأصدقائه، وأعتقد جازماً أن إخفاء خاشقجي أو قتله ليس أكثر من عربون «حسن نوايا» بين الجانبين، على طريقة: «لا تعايرني ولا أعايرك، الهمّ طايلني وطايلك» الشهيرة، وأن الهدف الرئيسي إنما هو تقويض مشروع السعودية الجديدة، الذي يرى فيه الطرفان ما يقزم أحلامهما، ولا يتناسب وشخصيتهما المنتفخة غروراً.
في مملكة أردوغان الخاصة لا وجود حتى لتركيا، لقد عزل نفسه عنها بعد أن استأثر بإمكاناتها في خانته هو فقط، إنها مملكة الجشع والتمثيليات السمجة، منذ منتدى دافوس والانسحاب المفتعل، مروراً بمسرحية الانقلاب، ووصولاً إلى قضية القس الأمريكي الذي أطلق أردوغان سراحه عن يد وهو صاغر، بعد أن ظل لفترة يرعد ويزبد متوشحاً سيف المبادئ وحفظ حقوق الدولة.
هل تقرر تركيا خوض معركة أردوغان الخاصة ضد السعودية؟ لا أعتقد، فالسعوديون الذين ترَكوا الترك لن يصمتوا طويلاً أمام فرعنة الرئيس، الذي لم يتركهم وشأنهم، والأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت ما لم يتدارك أردوغان نفسه، وكرسي حكمه الذي يترنح.
نقلا عن "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة