السعودية بلد عظيم يقوده ملك عظيم بإنسانيته وحبه وسماحته وعطفه، وولي عهد متمكن شجاع، استطاع بهدوء شديد تصحيح النهج والمسار.
قبل دخوله القنصلية بساعتين، تلقيت اتصالاً من جمال خاشقجي، قال فيه «إنه يرغب في فتح صفحة جديدة مع بلاده والعودة إلى أهله ووطنه، وقريباً سأسمع الأخبار الطيبة»، هذا نموذج لعدد كبير من الروايات الإيجابية والسلبية، التي تناثرت في أرجاء المعمورة منذ اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بدأ بخطيبة مزعومة نسقت حملة عالمية للترويج في أقل من 24 ساعة، تحتاج دولاً، لديها إمكانيات ضخمة، إلى تمويلها، ولم تنته بعشرات التصريحات والتغريدات لشخصيات وصحفيين غربيين وعرب يدّعون صداقة وثيقة مع «جمال» وينشرون أحاديث دارت بينهم وبينه قبيل اختفائه.
اختفاء جمال خاشقجي، ليس موضوعي اليوم، وعلى العكس فإنني من المجموعة التي تعتقد أن خاشقجي شخص عادي، قد لا يرتقي ليصبح رمزاً لأحداث كبيرة وعلاقات دولية بهذا الحجم، لولا أن الإحداثيات التي رافقت «اختفاءه» أو «تواريه» وتدخل طرف ثالث لحياكة مجموعة من المسرحيات الكوميدية، ثم تدخّل عشرات الأطراف، لدول أو قنوات إخبارية أو صحفيين، جعلت منها جميعاً مادة دسمة لتغطية أخبار أخرى مخزية من طراز تورط إعلامي قطري في علاقات مشبوهة في الدوحة.
سواء استمر أصدقاء خاشقجي المزعومون بالتشبث بتلفيق قصص خيالية، يعلمون أن خاشقجي حي سيفندها ويكذبها، أو توقفوا للبحث عن «كبش فداء» آخر يمسحون به خطاياهم الكثيرة والمتجددة، فإنني سأظل مقتنعة قناعة عميقة أن الرياض بريئة من دم جمال خاشقجي
بالنسبة لمن لا يتابعون مواقع التواصل، خصوصاً «تويتر»، سيجدون أن قصة تواري خاشقجي -أحب أن أستخدم هذا التعبير ولا شيء سواه، حتى يثبت العكس- فإنهم جميعاً يعلمون، وبعيداً عن الأكاذيب والروايات الملفقة، أن خاشقجي مواطن سعودي، يحب أهله ووطنه، ويأمل العودة إليها، وأن السعودية بلد عظيم، يقوده ملك عظيم بإنسانيته وحبه وسماحته وعطفه، وولي عهد متمكن شجاع، استطاع بهدوء شديد تصحيح النهج والمسار، وتمكن مع فريقه المؤهل من جعل السعودية تتحول بشكل كبير، لتصبح قائدة إقليمية في المنطقة، ولدرجة قال عنها خاشقجي نفسه: «السعودية تمر بتحول كبير، والذي قد يشمل كل سعودي ويؤثر عليه».
ليس من قبيل المصادفة أبداً، أن نرى تخبطاً شديداً لدى مؤسسات إعلامية، أو مافيا إعلامية غير مهنية، تريد أن تستثمر في قضية «تواري خاشقجي»، ولديها الاستعداد المفرط لأن تعمل على مدار الدقيقة لنشر أخبار ثم مسحها وكتابة تغريدات ثم تغييرها، ونشر صور لمتهمين محتملين ويظهر في النهاية أنهم مجرد سياح سعوديين كانوا قد جاؤوا في إجازة لزيارة إسطنبول، وفي نهاية المطاف تستند هذه المافيا إلى تصريحات منسوبة لصحف تركية تلقت أخبارها من «قناة ربما» أصلاً وجرى تكذيبها جميعاً على لسان حكومة أنقرة فقال أردوغان عن تواري خاشقجي: «نأمل أن نسمع قريباً الأخبار الطيبة».
لمن لا يعلم، فقد أظهر الشعب السعودي بكافة أطيافه وفئاته، وحسب متابعتي الدقيقة لمعظم ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي، سواء من «الطرف الثالث» في جزيرة شرق سلوى أو الأخبار العالمية والتصريحات المختلفة، وفي التعقيب عليها أن السعوديين يثقون بقيادتهم ثقة عالية جداً، وليس السعوديين فحسب بل جميع الشرفاء من هذه الأمة، الذين يعلمون حجم المؤامرة المشتركة لثني السعودية عن مشروعها الإصلاحي الداخلي، وأهدافها الخارجية في لجم الإرهاب ومحاربة التطرف وإعادة الأمة إلى مكانتها التي تستحقها.
سواء ظهر خاشقجي خلال كتابة هذا المقال، أو بعد عام، أو لم يظهر، وسواء بلغت الادعاءات والأكاذيب حول مقتله أو اختفائه ما بلغت، وسواء استمر أصدقاء خاشقجي المزعومون بالتشبث بتلفيق قصص خيالية، يعلمون أن خاشقجي حي سيفندها ويكذبها، أو توقفوا للبحث عن «كبش فداء» آخر يمسحون به خطاياهم الكثيرة والمتجددة، فإنني سأظل مقتنعة قناعة عميقة، أن الرياض بريئة من دم جمال خاشقجي، وأن الذين استدرجوه أول الأمر، ليصبح معارضاً، هم قتلته، حتى لو ظهر حياً.
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة