بالأمن السيبراني.. كيف تحمي السعودية العالم من قراصنة إيران؟
فعاليات المنتدى الدولي للأمن السيبراني الذي نظمته السعودية يعد أكبر حدث دولي في مجال الأمن السيبراني عالميا
جهود ومبادرات نوعية سعودية تتزايد وتيرتها في الآونة الأخيرة لحماية الأمن السيبراني في المملكة والعالم، من إرهاب إيران ومن يسير في ركابها ومن يحذو حذوها.
أحدث تلك الجهود كانت استضافة المملكة على مدار اليومين الماضيين فعاليات المنتدى الدولي للأمن السيبراني الذي نظمته الهيئة الوطنية السعودية للأمن السيبراني، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، كأكبر حدث دولي في هذا المجال الأمني عالميا.
واختتم المنتدى بإصدار بيان جاء بمثابة خارطة طريق لحماية الأمن السيبراني في العالم، أكد خلاله المشاركون "تصميم الجميع على العمل لمواجهة السلوكيات الإجرامية في الفضاء السيبراني التي تستغل شبكة الإنترنت العالمية للتحريض على التطرف والعنف والإرهاب"، في رسالة واضحة لإيران وقراصنتها.
كما تم خلال المنتدى الإعلان عن تبني الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، لمبادرتين دوليتين تتعلقان بحماية الأطفال في العالم السيبراني، وتمكين المرأة في القطاع نفسه كهدية من المملكة للعالم.
وتعكس خطوة ولي العهد السعودي حجم اهتمام المملكة بخلق فضاء سيبراني آمن حاضرا ومستقبلا، مع الاهتمام بشكل خاص بالأطفال والنساء؛ كونهما أكثر الفئات المستهدفة لتهديدات الفضاء الإلكتروني، وأيضا باعتبارهما من أهم اللبنات في بناء الأسرة.
أهمية خاصة
ويحظى هذا المنتدى بأهمية خاصة لأكثر من سبب، أبرزها تأكيد السعودية مكانتها الريادية على الصعيدين الإقليمي والدولي، بعد أن رفعت من قدراتها وإمكاناتها في مجال الأمن السيبراني خلال السنوات الأخيرة، وأضحت مصنفة في المركز الثالث عشر دوليا بحسب مؤشر الأمم المتحدة GCI لتصنيف الدول ومدى التزامها بالأمن السيبراني.
ويأتي تنظيم هذا المنتدى تزامنا مع رئاسة السعودية لمجموعة العشرين الأكبر اقتصادا في العالم، في الوقت الذي يشهد فيه الاقتصاد العالمي نموا متسارعا في التحول الرقمي.
ووفقاً للإحصاءات العالمية، فإن هجمات الأمن السيبراني هددت أنشطة تقدر بستة تريليونات دولار تعادل 70% من الاقتصاد العالمي، مما يجعل العالم باقتصادياته وتماسك مجتمعاته واستقرار أجياله، بحاجة حتمية إلى تعزيز الأمن السيبراني وبلورة استراتيجية قوية لمستقبله.
وتتناغم الجهود السعودية في حماية الأمن السيبراني مع رؤية المملكة 2030 في مسألة تطوير قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، خلال عصر الثورة الرقمية وظهور التقنيات الحديثة.
ولا تتوقف أهمية هذا المنتدى على مخرجاته فقط من بين بيان ختامي ومبادرات تم الإعلان عنها واتفاقيات تم توقيعها، وإنما يكتسب أهمية خاصة من كونه يعد بمثابة أول جهد منظم تقوم به دولة بحجم وثقل السعودية لحشد العالم نحو تأسيس تحالفات دولية لمواجهة تهديدات الإرهاب السيبراني، وووضع خارطة طريق تتجه بالعالم لتحقيق فضاء سيراني آمن، لأهمية هذا الأمر على مختلف الأصعدة الأمنية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
مبادرات ولي العهد
وفي إطار تلك الشمولية، يمكن إدراك أهمية مبادرات ولي العهد السعودي، في بعدها الاجتماعي والثقافي؛ حيث أعلن الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض خلال المنتدى عن تبني الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، مبادرتين دوليتين لتعزيز حماية الفضاء السيبراني، الأولى مبادرة لحماية الأطفال في الفضاء السيبراني، والثانية مبادرة لتمكين المرأة في الأمن السيبراني.
وكلتا المبادرتين بقدر أهميتهما، فإنهما بمثابة رسالة من المملكة للعالم، على الأهمية التي تعطيها لحماية الأطفال في عالم الفضاء الإلكتروني وأهمية تمكن المرأة في هذا الفضاء أيضا.
وتتمحور المبادرة الأولى حول تطوير أفضل الممارسات والسياسات والبرامج لحماية الأطفال في العالم السيبراني، حيث تأتي هذه المبادرة لمواجهة التهديدات السيبرانية المتزايدة التي تستهدف الأطفال أثناء استخدامهم لشبكة الإنترنت وتعريضهم لجرائم سيبرانية متنوعة بعيداً عن أعين أسرهم.
وتشمل الجرائم المستهدفة للأطفال استغلالهم وجعلهم ضحايا للانقياد وارتكاب الجرائم بحقهم، والتأثير الفكري على توجهاتهم ودفعهم لتبني أيديولوجيات متطرفة وإرهابية تشكل خطراً على الدول والمجتمعات، والتنمر السيبراني، وسرقة البيانات الشخصية، والاحتيال.
وسيكون أحد أبرز أهداف المبادرة هو وضع البرامج وتكوين الشراكات الدولية لتعزيز تحقيق الأهداف المبتغاة على المستوى الدولي والعمل على تبني أفضل الممكنات من قبل المعلمين، والأسر، وصناع القرار لحماية الأطفال في الفضاء السيبراني الدولي.
أما المبادرة الثانية فتتمثّل بتمكين المرأة في الأمن السيبراني والتي تدعو لتكثيف الجهود لتشجيع المرأة ودعمها في مجال الأمن السيبراني وتمكينها من الحصول على التعليم والتأهيل المطلوب لتمكينها من المشاركة الفاعلة في بناء هذا القطاع ولتتبوأ المناصب القيادية فيه.
ويتوقع أن يكون لبرامج تعزيز دور المرأة وتمكينها في الأمن السيبراني أهمية كبيرة وإضافة نوعية لجودة وتنوع المهارات في الأمن السيبراني، علاوةً على الإسهام في تقليص نقص المهارات والمواهب في الأمن السيبراني على المستوى الدولي.
خارطة طريق
تلك المبادرات عززها ودعمها البيان الختامي للمنتدى الذي حمل اسم "بيان الرياض للأمن السيبراني"، وتضمن رسائل وتحذيرات لكل من يسعى لزعزعة الأمن السيبراني في العالم، وجاء لرسم خارطة طريق لتعزيزه في العالم قوامها التعاون الدولي في المجال العلمي والأمني والتقني.
وفي هذا الصدد، أكد المشاركون في المنتدى "تصميم الجميع على العمل لمواجهة السلوكيات الإجرامية في الفضاء السيبراني التي تستغل شبكة الإنترنت العالمية للتحريض على التطرف والعنف والإرهاب".
ولفت المشاركون في المنتدى إلى "أهمية استثمار فرص النمو الاقتصادي والاجتماعي الناتجة عن التقدم التقني المتسارع وتطور الأنظمة التقنية عالمياً، وضرورة التعاون لمواجهة التحديات المشتركة المصاحبة لذلك التقدم، والمتعلقة بالمخاطر والجرائم السيبرانية".
كما أكدوا أهمية "تعزيز التعاون العلمي والبحثي والتبادل المعرفي وبناء القدرات وصولاً لأفضل الممارسات في مجال الأمن السيبراني".
وشددوا على "أهمية استمرار المنتدى الدولي للأمن السيبراني ليكون منصة عالمية لتبادل الأفكار والخبرات وإطلاق المبادرات وخلق آليات للتعاون الدولي والعمل المشترك على مستوى القطاعين العام والخاص".
تحذير إيران
"بيان الرياض" جاء بمثابة تحذير واضح لإيران بأن العالم لن يسمح لها التمادي في العبث بأمنه السيبراني، وأن" الجميع مصممون على العمل لمواجهة السلوكيات الإجرامية في الفضاء السيبراني التي تستغل شبكة الإنترنت العالمية للتحريض على التطرف والعنف والإرهاب".
من هنا يعد المنتدى خطوة مهمة على طريق وضع أسس وقواعد التعاون الدولي وتنسيق الجهود لمواجهة التهديدات المتزايدة للهجمات والحرب الإلكترونية، وهو الأمر الذي تخشاه إيران ويربك حساباتها، ولا سيما مع تصاعد التحذيرات من تصعيد إيران إرهابها السيبراني، وخصوصا بعد مقتل قاسم سليماني قائد فيلق "القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني في غارة أمريكية قبل شهر.
وتأتي أهمية التعاون الدولي في وقت تسعى فيه إيران باستمرار لتطوير قدراتها في مجال الحرب الإلكترونية بشكلٍ هائل، لمحاولة تعويض العجز الذي تعاني منه في القدرات العسكريّة التقليديّة.
ولا ينسى العالم السجل الأسود لإيران لتهديد الأمن السيبراني، واستهداف منشآت مدنية مهمة، كان من أبرز تلك الهجمات تطوير فيروس شمعون، الذي استخدمته في هجمات ضد صناعة النفط في السعودية عام 2012، ولاحقا ضد الخدمات المالية الغربية في أوروبا والولايات المتحدة.
واستخدمت إيران قراصنتها في أكثر من مناسبة للرد على سياسات الولايات المتحدة الأمريكية تجاهها. فمنذ عام 2011 وحتى 2013، تعرض نحو 46 مؤسسة مصرفية وشركة مالية للهجمات الإيرانية.
وردا على العقوبات الأمريكية عام 2013/2012؛ قام القراصنة السيبرانيون الإيرانيون بشن هجمات تسببت في توقف خدمة الإنترنت بالمصارف الأمريكية الكبرى، وببورصة نيويورك وناسداك.
وبعد عامين، تجددت الهجمات التي قامت بمسح خوادم الإنترنت الخاصة بكازينو ساندز بلاس فيجاس.
وتراجع معدل الهجمات بعد التوصل لاتفاق بخصوص البرنامج النووي الإيراني مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في عام 2015، ولكن انسحاب دونالد ترامب من الاتفاقية في مايو/أيار 2019 أعقبته محاولات اختراق إيرانية لوكالات أمريكية.
وأكتوبر/تشرين الأول 2019، أعلنت شركة مايكروسوفت عن محاولات اختراق إيرانية لحسابات سياسيين وصحفيين بأحد الحملات الانتخابية.
كما أعلنت شركة فيسبوك إنشاء حسابات وهمية إيرانية لنشر دعاية متعلقة بالانتخابات الأمريكية المقبلة.
وبعد مقتل قاسم سليماني (قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري) في الثالث من يناير/كانون الثاني الماضي، تم رصد هجمات محدودة قام بها قراصنة موالون لإيران، تشير إلى أن امتلاك طهران القدرة على شن هجمات سيبرانية، هو الأمر الذي يجب الحذر منه، ومن هنا تأتي أهمية منتدى الرياض لحشد الجهود الدولية لمواجهة وردع أي إرهاب سيبراني.
aXA6IDMuMTM1LjIxOS4xNTMg جزيرة ام اند امز