ما فعلته رؤية 2030 أنها أعطتهم الفرصة، خاصة أن نسبة الشباب، ذكوراً وإناثاً، هي ما تقارب 37% من تعداد السعوديين.
رغم أن الأخبار السعيدة كانت تركز على اكتتاب شركة "أرامكو" الناجح وعلى مردودها على الدخل القومي السعودي، الذي فاق 25 مليار دولار، فإن الثروة الحقيقية للمملكة لم تكن موجودة في قاعة البورصة، بل كانت موجودة في قاعة "أرامكو" في فندق "الهيلتون"، التي حضرت على مدى يومين للمشاركة في المنتدى الإعلامي السعودي الأول.
لم يمنح الشباب السعودي هذه المساحة من الحركة من قبل، إنها الدولة.. وإنها الرؤية.. التي فتحت له طاقة الإبداع في السنوات الأخيرة، فانطلق كالصاروخ ليحول بلاده قبلة للإعلام والفن والصناعة والخدمات
منتدى الإعلام السعودي كان شاهداً على أهم وأغلى رأس مال تملكه المملكة العربية السعودية، يفوق في أهميته الذهب الأسود والأصفر في أرضها، بل يفوق جميع مواردها الطبيعية، كان المواطن السعودي، أي المورد البشري، الذي شهدناه ولمسنا طاقته وحماسه هو الثروة الحقيقية التي ستنطلق بها السعودية في السنوات المقبلة إلى المستقبل، شباب السعودية لهم بطولة المشهد.
جمهور القاعات كان سعودياً بامتياز، وهذا ما يميز هذا المنتدى الإعلامي، حضورهم كان يملؤها ويفيض خارجها رغم أن الجلسات كانت فكرية ثقافية، أي جرعاتها ثقيلة والجلسات تحدثت عن الإعلام والدبلوماسية، الإعلام والذكاء الصناعي، الإعلام والحملات المضادة العابرة للحدود، الإعلام والتواصل الاجتماعي، الإعلام والتحول الرقمي، ومع ذلك كانوا يتدفقون بالآلاف.
صعد المنصة شباب سعودي في أكثر من جلسة، مذيعون سعوديون وأكاديميون سعوديون ومفكرون وكتاب سعوديون وسفراء سعوديون ومشاهير التواصل الاجتماعي وجميعهم كانوا متحدثين بامتياز، يملكون الجرأة ومَلَكة التعبير والعمق الثقافي. كشف المنتدى عن إمكانيات وقدرات هائلة يملكها هؤلاء المثقفون المؤهلون للصدارة في عالمنا العربي، بل الدولي.
الأحاديث الجانبية التي حفل بها المنتدى بين المتحدثين الرسميين والجمهور أبرزت محتوى هذه الثروة الحقيقية ومستواها الفكري ودرجة اطلاعها ومتابعتها، لا تملك إلا أن تنبهر، هذا هو الحدث الأهم في هذا المنتدى، هنا رأس المال الحقيقي الذي لا يقدر بثمن، والذي سيمكن المملكة العربية السعودية أن تحرق المراحل وتتقدم.
الثقة بالشباب ومنحهم الفرص للقيادة والتغيير، هو المشهد الأهم.. لقد سوّق المنتدى السعودي لمئات الزوار الأجانب الذين عبروا عن اندهاشهم وعدم تصديقهم ما تراه أعينهم ومدى اختلاف الواقع عن الصورة الذهنية التي شوهت لدى المتلقي الأجنبي.
التنظيم كان سعودياً بامتياز، بدءاً من الداعم الرئيسي لها وزير الإعلام د. تركي الشبانة ومنظمها هيئة الصحفيين السعوديين المنتخبة ورئيسها د. محمد الحارثي، ووصولاً إلى شباب وشابات سعوديين منتشرين في القاعات والممرات، القيادة لهم والعمل الميداني لهم كذلك، وهذا هو الحدث الأهم، حتى الحضور السعودي في العمل الفندقي كان بارزاً، في المطاعم، السعودي كان موجوداً كنادل، وفي المطار كانت الفتاة السعودية موجودة في خدمة المسافرين.
لم يمنح الشباب السعودي هذه المساحة من الحركة من قبل، إنها الدولة.. وإنها الرؤية.. التي فتحت له طاقة الإبداع في السنوات الأخيرة، فانطلق كالصاروخ ليحول بلاده قبلة للإعلام والفن والصناعة والخدمات، أعجبتني تغريدة معبرة عن هذا الواقع الجديد للشباب السعودي للإعلامي مفيد النويصر مقدم برنامج "من الصفر" كتب فيها: "تعشيت في مطعم (برغرايزر) السعودي لمحمد الرويغ 42 عاماً، ودفعت من نظام (جيديا) السعودية لعبدالله العثمان 38 عاماً، وكان نظام العمل بالمطعم لشركة (فودكس) لأحمد الزيني 37 عاماً، شعور بالفخر والسعادة لا يمكن وصفه وأنا أرى شركاتنا السعودية تتوسع محلياً وإقليمياً".
خلاصة القول، قيل إن هذا الشباب هو نتاج سياسة الابتعاث، ربما، وقيل هو نتيجة النظام التعليمي المحلي، ربما، وقيل إنها الجينات والعوامل الوراثية، ربما أيضاً، المهم هو كيف تتعامل الدولة مع هذه الثروة؟ بإمكانها أن تقيدها وبإمكانها أن تبددها، وبإمكانها أن تفتح لها المجال لتبدع، وتمنحها المساحة الكافية وتحررها من قيود البيروقراطية وتعطيها الأولوية وتثق بقدراتها وتسهل لها الطريق وتزيل عنها العقبات وتضع التشريعات كي تخدمها لا العكس كما يحدث في العديد من دولنا العربية التي دفعت شبابها للهجرة هرباً من قيودها وتضييقها الخناق عليهم بحجة حمايتهم.
ما فعلته رؤية 2030 أنها أعطتهم الفرصة، خاصة أن نسبة الشباب السعودي، ذكوراً وإناثاً، هي ما تقارب 37 في المائة من تعداد السعوديين وهم يزيدون على 7 ملايين تتراوح أعمارهم من 18 إلى 40 عاماً.
الجدير بالذكر أن عدد حضور المنتدى في حدود 8 آلاف مشارك، أي أننا شهدنا 1 في المائة من هذه الثروة الطبيعية السعودية مجتمعين في واحدة من القاعات، وخرجنا بهذا الانطباع، وكان ذلك بالنسبة لي أهم حدث في منتدى الإعلام السعودي أن يمنح هؤلاء الشباب فرصة التسويق لدولتهم، كما مُنحوا فرصة التعلم والاحتكاك بالخبرات الإقليمية والدولية.
نقلاً عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة