الملتقى البحري السعودي.. جهود نوعية لحماية الملاحة الدولية
الملتقى، الذي تنظمه القوات البحرية الملكية السعودية في الرياض تحت عنوان "أهمية تأمين الممرات البحرية الاستراتيجية"، يكتسب أهمية خاصة.
جهود نوعية لتأمين الممرات البحرية الاستراتيجية وحماية الملاحة الدولية، خصوصاً من تهديدات واعتداءات إيران، يبحثها مسؤولون عسكريون وخبراء دوليون وأكاديميون وقانونيون على مدار 3 أيام، خلال الملتقى البحري السعودي الدولي الأول، الذي يختتم أعماله الثلاثاء.
الملتقى الذي تنظمه القوات البحرية الملكية السعودية في الرياض، تحت رعاية الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، تحت عنوان "أهمية تأمين الممرات البحرية الاستراتيجية"، يكتسب أهمية خاصة للكثير من الأسباب.
أبرز تلك الأسباب أنه يأتي بعد أسبوعين من بدء "التحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية وضمان سلامة الممرات البحرية"، الذي تقوده الولايات المتحدة من البحرين، رسمياً مهمته المتمثلة في حماية الملاحة في الخليج من اعتداءات تعرضت لها سفن واتهمت إيران بالوقوف خلفها.
أيضاً يأتي الملتقى على وقع تصاعد واستمرار تهديدات في الممرات البحرية في المنطقة، وكان أحدث تلك الاعتداءات قيام مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران قبل أيام بتنفيذ عملية خطف وسطو مسلح للقاطرة البحرية (رابغ-3) بجنوب البحر الأحمر.
السبب الثالث هو أهمية مثل هذه الملتقيات في حشد الجهود الدولية وبحث سبل التعاون الدولي لمواجهة تهديدات إيران وأذرعها لسلامة الملاحة في الممرات البحرية الاستراتيجية.
والرابع هو الأهمية الاستراتيجية للمضائق التي تقع في المنطقة (مضيق هرمز بالخليج العربي ومضيق باب المندب جنوب البحر الأحمر)، الذي يجعل تأمين الملاحة عبرهما أهمية خاصة، كون أن أي تهديد للملاحة بها يؤثر على الاقتصاد العالمي.
تلك الأسباب كانت إطاراً عاماً لفعاليات الملتقى خلال مناقشة سبل تأمين الممرات البحرية الاستراتيجية، وكيفية التعامل مع التهديدات المستمرة وأثرها على الاقتصاد العالمي، وضمان سلامة الممرات البحرية.
الجهود الدولية
وفي ضوء تلك الحقائق، برزت الدعوات خلال الملتقى بضرورة العمل الجماعي لحماية الملاحة الدؤوبة ومواجهة ما يهددها.
وأوضح قائد القوات البحرية الملكية السعودية الفريق الركن فهد بن عبدالله الغفيلي، في كلمته التي ألقاها في افتتاح الملتقى، أن هذا الملتقى يأتي في ظل ما تشهده المنطقة من تهديدات للممرات وخطوط الملاحة، التي تتطلب من الجميع العمل جنباً إلى جنب لتأمين وتعزيز الأمن البحري.
وبيّن أنه تم اختيار عنوان (أهمية تأمين الممرات البحرية الاستراتيجية) لهذا الملتقى، الذي يعد استمراراً لإسهامات المملكة العربية السعودية في تعزيز السلم والأمن الدوليين، ودور القوات المسلحة ممثلة في القوات البحرية بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة بالبيئة البحرية على المستوى الوطني، وما تقوم به القوات المشتركة ممثلة في قوة الواجب البحرية (15) والقوات البحرية للدول الشقيقة والصديقة لدعم الجهود الإقليمية والدولية وحماية الممرات البحرية الاستراتيجية وتأمين حركة الملاحة البحرية والإسهام في المحافظة على الاقتصاد العالمي، ومكافحة الأعمال غير المشروعة التي تهدد الأمن البحري في ظل الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به المنطقة من الإطلالة على بحار ومضائق حاكمة بين ثلاث قارات، والاعتماد على البحار كوسيلة رئيسية لنقل الصادرات والواردات بين جميع دول العالم.
وأكد "الغفيلي" أن ما تتعرض له المنطقة من تهديدات متصاعدة تمس الأمن البحري متمثلة في استهداف واحتجاز ومضايقات للسفن التجارية والتهديد بإغلاق المضائق واستخدام الزوارق المفخخة من قبل المليشيات المسلحة وزيادة نشاط عمليات تهريب البشر والأسلحة والمخدرات والفحم والتهديد بالصواريخ الساحلية لحركة الملاحة البحرية وبدعم من دول إقليمية، كل ذلك هو أساس المهددات للأمن البحري.
وبيّن أن تلك التهديديات "يدعونا للاطلاع بمسؤوليتنا لحماية وتأمين الممرات البحرية الاستراتيجية وفرض الأمن وتأمين حرية حركة الملاحة البحرية، لما له من أهمية في نماء اقتصاد بلداننا".
وأكد العميد البحري الركن عوض بن مشوح العنزي من حرس الحدود السعودي، خلال فعاليات ثاني أيام الملتقى، أن تعزيز الأمن البحري يمثل أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الأسرة الدولية، وتستدعي الكثير من الجهد والمزيد من العمل المشترك.
التعاون الدولي أكد عليه أيضاً العميد في القوات البحرية البريطانية، دين باسيت، قائلاً: "تحالفنا في خطوط التجارة البحرية اليوم مهم جدا"، مؤكداً أن الهجمات الأخيرة على السفن البحرية كان لها تأثير مباشر على أسعار النفط وعلى التجارة البحرية في المنطقة، مشيراً إلى أنه في ظل الاقتصاد المترابط فإن حدوث مثل هذه الهجمات سيكون لها تأثير على الاقتصاد العالمي، لذلك فإن إجراء سلامة الخطوط البحرية هي مسؤولية عالمية يجب العمل عليها.
اعتداءات إيران
أبرز التهديدات التي تتطلب تعاون دولي لمواجهتها، كانت اعتداءات إيران وأذرعها وتهديدها للملاحة.
وكشف الفريق البحري المتقاعد أحمد بن يوسف الملا من دولة الكويت، في كلمته بثاني أيام الملتقي، الإثنين، أن إيران قامت بتعطيل وإعاقة الملاحة في الخليج العربي التي نتج عنها إصابات للعديد من ناقلات النفط .
التهديدات الإيرانية للملاحة، سبق أن أبرزها قائد القيادة المركزية للقوات المسلحة الأمريكية الجنرال كينيث ماكنزي خلال مشاركته في حوار المنامة قبل يومين، السبت، مشيراً إلى "أن النظام الإيراني يشكل التهديد الأساسي للأمن الملاحي في منطقة الخليج العربي، والذي لا يمكن ردعه إلا بتكاتف جهود جميع الشركاء الإقليميين والعالميين، لما تمثله منطقة الخليج العربي من أهمية بالغة بالنسبة إلى العالم".
وأكد قائد القيادة المركزية للقوات المسلحة الأمريكية أهمية وحيوية منطقة الشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة لما تتضمنه من ممرات مائية مهمة تشكل عصب الاقتصاد العالمي، حيث يمر منها معظم احتياجات العالم من النفط.
وأشار الجنرال ماكنزي إلى أنه ومنذ الاعتداءات على السفن في مياه الخليج العربي، مايو/أيار الماضي، ارتفعت أسعار تأمين ناقلات النفط، وهو ما ترك أثره على الجميع، وبغض النظر عن الكمية أو مكان وجود التهديدات، منوهاً بأن أمن الملاحة البحرية مسؤولية مشتركة تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع شركائها الاستراتيجيين في المنطقة لردع أي تهديدات قد تقع.
أهمية استراتيجية
وأبرز رئيس مركز الخليج للأبحاث الدكتور عبدالعزيز بن صقر، في كلمته بالملتقى السعودي الأهمية الاستراتيجية للمضائق في المنطقة.
وبيّن أن معظم صادرات النفط الخام من السعودية والإمارات والكويت والعراق تمر عبر مضيق هرمز، وكذلك الدول الأخرى الأعضاء في منظمة أوبك .
وأردف: "كما تمر ما بين 20 ـ 30 ناقلة بترول يوميا عبر الخليج العربي فقط، حاملة نحو 15 مليون برميل نفطي، وذلك بمعدل ناقلة بترول كل 6 دقائق في ساعات الذروة".
من جانبه، قال اللواء البحري الركن علي الغانمي إن المملكة العربية السعودية لديها ما يقارب 16% من احتياطي النفط في العالم، لذلك هي من أكبر المصدرين للنفط الخام في العالم.
وأشار إلى أن نقاط الاختناق والمعابر البحرية مسؤولة تقريباً عن 61% من احتياطي الوقود في العالم والمنتجات البترولية، موضحاً أن مضيق هرمز هو الأهم في العالم بتدفق نفط بما يقارب 19 مليون برميل يومياً في العام الجاري 2019.
وفي ضوء تلك الرؤى، اعتبر رئيس الهيئة العامة للنقل بالسعودية الدكتور رميح بن محمد، الملتقى يمثل نقلة نوعية في مناقشة سبل تأمين وسلامة الممرات الملاحية نظراً لدورها المؤثر في حركة الملاحة الدولية.
وبيّن أن مضائق هرمز وباب المندب وقناة السويس تشكل ممرات حيوية في طريق الحركة البحرية عالمياً، مؤكداً أن تأمين الممرات البحرية الاستراتيجية يأتي ضمن أولويات المملكة، والتزاماتها الأكيدة أمام المجتمع الدولي وانعكاس هذا على تحقيق ما نعمل ونسعى إليه جميعاً من تطوير النقل البحري وتأمين سلامته.
دعم التحالف الدولي
أيضاً تعد تلك الرؤى والاقتراحات والمناقشات التي شهدها الملتقى بمثابة دعم للتحالف العسكري البحري الذي تقوده الولايات المتحدة من البحرين، الذي بدأ في 7 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، رسمياً مهمته المتمثلة في حماية الملاحة في الخليج من اعتداءات تعرضت لها سفن واتُهمت إيران بالوقوف خلفها.
ووضع الملتقى المجتمع الدولي أجمع أمام مسؤوليته في حماية الممرات البحرية وخطوط الملاحة كونهم شركاء في الاستفادة من هذه الممرات.
وبعد ترقب دام لأشهر منذ الإعلان عن الفكرة في يونيو/حزيران، ولد "التحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية وضمان سلامة الممرات البحرية"، بعضوية 6 دول إلى جانب الولايات المتحدة، هي: السعودية والإمارات والبحرين وبريطانيا وأستراليا وألبانيا.
وتتهم الولايات المتحدة ودول غربية إيران بالوقوف خلف هجمات ضد ناقلات نفط وسفن في مياه الخليج قرب مضيق هرمز الاستراتيجي منذ مايو/أيار الماضي، حين شدّدت واشنطن عقوباتها على قطاع النفط الإيراني.
وتشمل منطقة المهمة البحرية التي أطلق عليها اسم "سنتينال" مياه الخليج، مروراً بمضيق هرمز نحو بحر عمان ووصولاً إلى باب المندب في البحر الأحمر.
وكانت واشنطن سعت إلى تشكيل تحالف عسكري لحماية المياه الاستراتيجية في الخليج، مؤكدة أنها ستوفر بموجب الخطة سفن للمراقبة والاستطلاع.
يهدف التحالف الدولي لأمن الملاحة البحرية "آي إم إس سي" إلى حماية السفن التجارية، من خلال توفير الأجواء الآمنة لضمان حرية الملاحة البحرية والتجارة الدولية ومصالح البلدان المشاركة في التحالف، وبالتالي تعزيز أمن وسلامة السفن التجارية التي تمر عبر الممرات البحرية.
وكانت الولايات المتحدة دعت أكثر من 60 دولة للمشاركة في تشكيل قوة بحرية دولية تؤمّن الملاحة العالمية في الخليج، على خلفية الحوادث المتكررة التي طالت في الأشهر الماضية ناقلات نفط في مياه المنطقة، لا سيما احتجاز طهران ناقلة نفط بريطانية.
ويمر نحو 40% من النفط المنقول بحراً في العالم عبر مضيق هرمز، ولطالما هددت إيران بإغلاق المضيق الاستراتيجي.
ودأبت إيران وأذرعها المنتشرة بالمنطقة على استهداف السفن التجارية، لا سيما ناقلات النفط في مضيق هرمز، الأمر الذي تكرر في أكثر من حادثة خلال الأشهر الماضية.
aXA6IDMuMTQ0LjMxLjg2IA==
جزيرة ام اند امز