"قوة النمر".. كوماندوز سعودي أم قصة هوليوودية؟
لم يخرج الرئيس الأمريكي جو بايدن للحديث حول تقرير استخباراتي رفع عنه السرية بشأن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي كما كان مقررا.
ربما بسبب هشاشة التقرير اكتفى البيت الأبيض، ببيان لوزارة الخارجية طالب فيه الرياض بتفكيك ما سماها بـ"قوات التدخل السريع" التي قال إنها معروفة باسم "فرقة النمر"، التي أعلن في وقت سابق إدراجها على قائمة عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية.
- تقرير خاشقجي.. هل تتأهب واشنطن لإحياء "ربيع الفوضى"؟
- سفير السعودية: تقرير واشنطن بشأن خاشقجي "لا يستند لأدلة"
وفي أعقاب الكشف عن التقرير الاستخباراتي الذي جاء في 3 صفحات، إحداها تتضمن عنوانه، وحفل بالعبارات الظنية واستنتاجات وتقييمات لم يدعمها أي دليل، سادت وسائل الإعلام الأمريكية خيبة أمل بعد أن كانت الأجواء معدة لقصة مثيرة تتغذى عليها لأسابيع.
خيبة أمل رافقتها موجة غضب في العالمين العربي والإسلامي من استهداف السعودية، ما دفع -على ما يبدو- المكتب البيضاوي لتعديل خطته بمنح المتعطشين للاصطياد في الماء العكر فرصة لكتابة قصة هوليوودية حول قوة التدخل السريع المزعومة التي قال إنها تحمل اسم "فرقة النمر".
فما قصة تلك الفرقة المزعومة؟
على الصعيد الرسمي السعودي، لا توجد أية فرقة أمنية أو عسكرية أو استخباراتية بالمملكة تحمل اسم فرقة "النمر"، ولم يسبق أن تعرضت أي وسيلة إعلام سعودية، لاسم تلك الفرقة تصريحا أو تلميحا.
والمصدر الوحيد للمعلومات عن تلك الفرقة المزعومة، هو إما معارضون للمملكة أو وسائل إعلام معادية لها.
لذلك يختلف الحديث عن تلك الفرقة وتسليحها ومهامها، من وسيلة إعلام لأخرى، حسب هوى تلك الوسيلة وخيال الكاتب، وحجم العداء والحقد المكنون للمملكة.
وحتى وسائل الإعلام التي تروج للحديث عن الفرقة المزعومة، تكذب نفسها بنفسها، عندما تؤكد أنها فرقة اغتيالات سرية ترتبط مباشرة بولي العهد السعودي.
كما أن هذا الحديث يثير التساؤل عن أنه إذا كانت سرية فيكف تم معرفة كل المعلومات عنها؟! وإذا كان مصدر المعلومات عنها تقارير استخباراتية أمريكية، فلا يخفى على أحد كم الأخطاء والاستنتاجات والتقييمات غير الصحيحة التي تحملها، وسبق أن حملتها، تلك التقارير، وتسببت في نتائج كارثية، أبرزها غزو العراق عام 2003، الذي تم بناء على تقارير استخباراتية خاطئة.
ولو نحّينا اسم "فرقة النمر" المزعوم جانبا، وبحثنا عن "قوات التدخل السريع" في المملكة، لوجدنا الاسم نفسه يحمله أكثر من فرقة في أكثر من قطاع أمني وعسكري، وليس سريا، على العكس بل إن مهام بعض منها ذات طبيعة إنسانية، وتشترك جميعها في القيام بمهام يفتخر بها أي سعودي، وتتداول وسائل الإعلام السعودية أخبارهم وتنشر صورا لفرقهم.
"كوماندوز" الحجاج
أبرز تلك الفرق هي "التدخل السريع" التابعة لوزارة الداخلية السعودية، فهذه القوات مهمتها الرئيسية حماية الحجاج، وبدأت فكرة وجود كوماندوز المشاعر المقدسة عام 2012، لتأمين الطرق المحيطة بمكة المكرمة، وكذلك على المنافذ البرية بالمملكة.
وفي سبتمبر/أيلول 2014، نشر موقع "سبق" السعودي تقريرا عن تلك القوات، تحت عنوان "بالصور.. وحدات التدخُّل السريع تباشر أعمالها على طرقات "الحج"".
ونشر التقرير صورا لتلك القوات التي قال إنها تابعة للقوات الخاصّة لأمن الطُرق .
وبيَّن أنها تضم "نخبةً من الضباط والأفراد المدربين تدريباً خاصًّا والمجهزين بالأسلحة النوعية ووسائل السيطرة الأمنية والمنتشرين على مفاصل الطرق؛ لخدمة حجاج بيت الله الحرام وزوّار المسجد النبوي الشريف ومرتادي الطرق".
وأسهمت تلك القوات في رفع مستوى الأمن والسلامة والضبط المروري على الطرق وبثّ روح الطمأنينة للمسافرين والمعتمرين، كما قدّمت الخدمات الإنسانية لمُستخدمي الطرق، وقامت بواجبها في تغطية الحوادث المرورية لتأمين سلامة المركبات وتسهيل حركتها المرورية.
وفي سبتمبر/أيلول 2016، نشرت أيضا جريدة "عكاظ" السعودية، تقريرا عن تلك القوات، وأكدت أن "قوة "التدخل السريع" هي إحدى تشكيلات قوة "أمن الطرق الخاصة" والتي تسند إليها مهمات عديدة وتقوم بأدوار كبيرة في حفظ الأمن على كافة الطرقات، ما بين المدينة المنورة ومكة المكرمة، وتوجد في مراكز الضبط الأمني لضبط المخالفين ومساعدة مرتادي الطرق".
وبينت أنها "تبذل جهودا كبيرة وحثيثة لخدمة ضيوف الرحمن وتوجيههم إلى مكة المكرمة، وللتأكد من أن الإجراءات نظامية وسليمة ومنع دخول الحجاج غير النظاميين من المواطنين والمقيمين إلى مكة المكرمة".
وانطلق عمل وحدة التدخل السريع بقوة أمن الطرق الخاصة عام 1433هـ/2012م، وتم تسليحها وتجهيزها بأحدث الأسلحة وأفضلها، وذلك لتسهيل أداء مهماتهم المناطة بهم في مواجهة أي ظروف غير عادية على منافذ المشاعر المقدسة.
ويقف رجال الكوماندوز بأعين فاحصة ترقب العابرين وتهدي لهم الأمن والسلامة، وأياديهم تتوسد الزناد، تعرف معنى حماية أغلى ضيوف وأشرف بقاع، ويرسلون رسالة واضحة لكل من في قلبه مرض بأن الحجاج في أيد أمينة.
وتلقت تلك القوة أيضا تدريبات مكثفة على كيفية نزع السلاح من العدو وإطلاق النار بكلتا اليدين في سرعة ومهارة في التصويب، مستفيدين مما لديهم من قدرات وما بحوزتهم من أسلحة رشاشة تعد الأحدث في العالم.
وفي يوليو/تموز 2017 نشرت عكاظ أيضا تقريرا يبرز عمل القوة تحت عنوان "قوات تدخل سريع على مداخل مكة.. ومراكز أمنية لاصطياد مخالفي الأنظمة".
كما يوجد قوات تحمل مسمى قوات التدخل السريع في القطاعات العسكرية، ففي 12 مارس/آذار 2015، نشرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس" خبرا عن وصول الأمير محمد بن سلمان مدينة عرعر في زيارة تفقدية للقوات العسكرية للمنطقة الشمالية.
وأشار الخبر إلى أن الأمير محمد بن سلمان "تفقد معدات قوة الواجب 35 و36 وما تضمه من أسلحة مشاة ودبابات ومدفعيات وقوة للتدخل السريع".
وفي 9 فبراير 2016م، نشرت "واس" أيضا خبرا عن زيارة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز لقطاع جازان جنوب المملكة.
وأشارت في الخبر إلى أن الأمير محمد بن سلمان زار قوات التدخل السريع لقوة جازان، واطلع على ما تمتلكه من الآليات المتطورة والتدريب المتقدم.
وعبر الأمير محمد بن سلمان عن فخره بدقة العمليات المنفذة والسرعة في الاستجابة للمواقف الطارئة والجاهزية القتالية العالية للقوات المسلحة في قطاع جازان، مؤكدا أن ما يقوم به أبناء القوات المسلحة محل اعتزاز القيادة والشعب السعودي.
"السيف الأجرب"
إذن، لا وجود لما يسمى بـ"قوة النمر" بين قطاعات وزارة الداخلية أو القطاع العسكري المزعومة أمريكيا.. فهل هناك وجود لها بين الحرس الملكي؟
بالعودة إلى تقرير منشور في صحيفة "سبق" السعودية، يناير/كانون الثاني 2018، فإن هناك قوة عسكرية "مهيبة" تحمل اسم "السيف الأجرب"، لكنها أيضا واضحة المهام، ولم تتطرق التقارير عن قيامها بمهام خارج حدود المملكة.
وارتبط اسم كتيبة "السيف الأجرب" بعملية القبض على 11 أميراً سعوديا في 6 يناير/كانون الثاني 2018، بعد أن قاموا بالتجمهر في قصر الحكم، مطالبين بإلغاء الأمر الملكي الذي نص على إيقاف سداد الكهرباء والمياه عن الأمراء، وبالتعويض المادي المجزي عن حكم القصاص الذي صدر بحق أحد أبناء عمومتهم، حسب تقرير سبق أيضا.
آنذاك قدمت الصحيفة السعودية تعريفا لقوة "السيف الأجرب" بأنها إحدى كتائب الحرس الملكي، وتم استحداثها فور تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود مقاليد الحكم.
ونشرت الصحيفة صورا ومقاطع فيديو للقوة، أي أنها ليست سرية.
ويزيد عدد أفراد قوة "السيف الأجرب" على 5 آلاف عسكري من مختلف الرتب العسكرية، ويحمل جميع منسوبيها دورات عسكرية متقدمة، منها دورات الضفادع البشرية، الصاعقة، المظلات، مكافحة الشغب، قناصة ومتفجرات.
وترجع تسمية الكتيبة بهذا الاسم إلى اسم سيف مؤسِّس الدولة السعودية الثانية الإمام تركي بن عبدالله بن محمد آل سعود، الذي يلقب سيفه بـ"الأجرب".
إذن قوة "سيف الأجرب" التابعة للحرس الملكي، عندما تم استخدامها، كان ضد أمراء خالفوا الأنظمة، في رسالة من القيادة السعودية أن الجميع سواسية أمام الشرع، ومن لم ينفذ الأنظمة والتعليمات فستتم محاسبته كائناً من كان.
إذن، أين "قوة النمر" التي تحدث عنها بيان وزارة الخزانة الأمريكية؟!
ربما تكون الإجابة لدى كولن باول، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، والذي شغل منصبه الرفيع في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن بين 2001 و2005.
ورغم أنه رجل يملك خبرة عسكرية كبيرة، وقاد دبلوماسية بلاده خلال سنوات الحرب الأمريكية على العراق، إلا أنه كانت ضحية تقارير استخبارات بلاده الخاطئة.
ومعتمدا على تقارير استخباراتية أمريكية، قاد "باول" حملة بلاده في الأمم المتحدة لشن حرب استباقية على نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، حرب كان هو نفسه من أشد معارضيها لكنه عدل موقفه نتيجة معلومات استخباراتية.
ويعتقد بعض المحللين أن " كولن باول" الذي كان من المعترضين على فكرة الحرب داخل الإدارة الأمريكية تعرض لخدعة من المخابرات الأمريكية بتزويده بمعلومات مضللة.
واتهم باول بعض موظفي وكالة الاستخبارات بأنهم كانوا يعرفون أن مصادر المعلومات غير موثوق بها. "لقد كان هناك أناس في المخابرات حينها يعرفون أن بعض مصادر المعلومات ليست موثوقة، لكنهم لم يقولوا شيئا. لقد دمرني ذلك"، حسب تعبير باول.
وكانت تلك المعلومات المضللة تتعلق ببرنامج العراق النووي حيث استعرض باول في جلسة أممية شاحنات مزعومة استخدمها العراق كمواقع نووية متنقلة.
ليست سابقة إذن أن تختلق الاستخبارات الأمريكية وقائع استنادا لمعلومات غير موثوقة من أجل تحقيق أهدافها على خريطة العالم، ويبدو أن قوة النمر أو قوات التدخل السريع آخر تلك الأكاذيب.
aXA6IDE4LjIyMC4xMTIuMjEwIA==
جزيرة ام اند امز