السعودية والإمارات.. "شراكة الخندق الواحد" تنتصر لأجل المنطقة
مع كل قمة سعودية إماراتية، يترقب الكثيرون حول العالم، ما ستسفر عنه من نتائج تصب في صالح دعم أمن واستقرار المنطقة والعالم.
فالعلاقة التي تجمع البلدين، التي وصفها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، في تصريحات سابقة، بأنها "شراكة الخندق الواحد في مواجهة التحديات المحيطة"، يدرك الجميع أهميتها في الوقوف بحزم في وجه الأطماع والمؤامرات التي تحاك ضد دول المنطقة، ومواجهة مختلف التحديات.
والذي أكد عليها اليوم، بعدما قال خلال زيارته للرياض، اليوم الإثنين، إن "الشراكة بين الإمارات والسعودية قوية ومستمرة لما فيه خير البلدين والمنطقة".
ويأتي على رأس التحديات التي تواجه المنطقة، التدخلات الإيرانية في شؤون الدول ومكافحة الإرهاب ودعم شرعية اليمن ونشر السلام، بل وحتي نشر مفاهيم التسامح والأخوة الإنسانية حول العالم.
ووصل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، اليوم الإثنين، إلى الرياض في زيارة إلى المملكة العربية السعودية. وكان في استقباله لدى وصوله إلى مطار الملك خالد الدولي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير دفاع المملكة العربية السعودية.
وتعد المباحثات التي تجمع القيادتين محطة جديدة في سلسلة نجاحات مشتركة بينهما على صعيدي السياسة الداخلية والخارجية، وترجمة لأهمية الشراكة بين البلدين في دعم أمن واستقرار المنطقة.
وتمثل الشراكة السعودية الإماراتية صمام أمان ليس للبلدين فحسب، بل للمنظومة الإقليمية برمتها، كونهما تجسدان قيم الاستقرار والتنمية، كما تمثلان منطق العقلانية السياسية ومفهوم الدولة الحديثة، في احترام القيم والتشريعات الدولية.
الأخوة الإنسانية
شراكة قوية وعلاقات أخوية تؤكد أن ما يجمع الإمارات والسعودية ليس أمراً عادياً، ولا مصالح آنية، وطبيعة العلاقة بينهما استثنائية بكل المقاييس، يعم نفعها الإنسانية جمعاء.
فسبق أن دعمت السعودية مبادرة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حول اليوم الدولي للأخوة الإنسانية الذي احتفل به العالم للمرة الأولى 4 فبراير / شباط الماضي، كما سبق أن دعمت الإمارات" مبادرة الشرق الأوسط الأخضر " التي أعلنها ولي عهد السعودية مارس/آذار الماضي وتهدف - بالشراكة مع دول المنطقة - إلى زراعة 50 مليار شجرة بوصفه أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم للحفاظ على البيئة وحمايتها.
وأهدى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للعالم يوما دوليا للأخوة الإنسانية، إثر رعايته لوثيقة الأخوة الإنسانية التي تم توقيعها في الإمارات 4 فبراير/ شباط 2019 ، والتي تحولت ليوم عالمي تم الاحتفاء به دوليا لأول مرة فبراير/ شباط الماضي.
واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع، 4 فبراير/شباط يوما عالميا للأخوة الإنسانية بناء على مبادرة قدمتها الإمارات، بالتعاون مع السعودية والبحرين ومصر.
أيضا كانت الإمارات في طليعة الدول التي أعلنت دعم " مبادرة الشرق الأوسط الأخضر " ، وذلك بعد تلقي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان اتصالاً هاتفياً من الأمير محمد بن سلمان 29 مارس/ آذار الماضي جرى خلاله بحث العلاقات الأخوية الراسخة بين البلدين وتعاونهما في مختلف المجالات.
وتطرق الجانبان إلى "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر" التي أعلنها ولي عهد السعودية وتهدف - بالشراكة مع دول المنطقة - إلى زراعة 50 مليار شجرة بوصفه أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم للحفاظ على البيئة وحمايتها واستدامة مواردها وزيادة مساهمة الطاقة المتجددة.. إضافة إلى أهمية التعاون المشترك لمواجهة التحديات البيئة.
وثمن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في هذا السياق مبادرة ولي عهد السعودية النوعية وتأثيرها في مواجهة مختلف التحديات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالأوضاع البيئة في المنطقة والعالم وتحسين جودة حياة المجتمعات.
مكافحة كورونا
أيضا تجلى تأثير "شراكة الخندق الواحد" على أكبر تحدٍ يواجه العالم في الفترة الراهنة.
وفي ظل انتشار جائحة كورونا كوفيد-19، قام البلدان ومن خلال اجتماعات مجموعة العشرين، والتي ترأست دورتها عام 2020 المملكة العربية السعودية، بتنسيق عالي المستوى والتعاون فيما بينهما لبناء استجابة عالمية منسقة لمواجهة تداعيات الجائحة العالمية.
وشارك الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في أعمال الجلسة الختامية لقمة قادة مجموعة العشرين الافتراضية، والتي عُقدت برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، على مدار يومين، وشاركت فيها الإمارات بصفتها ضيفا ورئيس الدورة الـ40 لمجلس التعاون الخليجي.
وأكد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أهمية الإسهام السعودي وأثره في معالجة أهم وأبرز القضايا التي تعنى بمستقبل المنطقة والعالم، منوهاً بالدور المحوري للمملكة بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ومتابعة ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، في تحفيز الجهود الدولية لمواجهة مجمل التحديات القائمة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وأثنى على الاختيار الدقيق للموضوعات التي دارت حولها نقاشات القمة وتركزت على آفاق تعزيز العمل الجماعي المشترك، وتوحيد الجهود من أجل التصدي للتحديات الراهنة التي يواجهها العالم وفي مقدمتها جائحة كوفيد-19.
كما شارك الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في قمة قادة مجموعة العشرين "G 20" الاستثنائية الافتراضية التي عقدت برئاسة خادم الحرمين الشريفين في مارس/آذار 2020.
وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بمناسبة انعقاد القمة الحاجة الآن أكثر من أي وقت مضى إلى التعاون والتكاتف الدوليين للتصدي لفيروس كورونا، فالعالم كله يمر بظروف غير مسبوقة في ظل انتشار الفيروس وتحوله إلى وباء عالمي يؤثر على كل مناحي الحياة على وجه الكرة الأرضية.
وأعرب عن خالص الشكر والتقدير إلى المملكة وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود على المبادرة الكريمة بالدعوة لعقد هذه القمة الاستثنائية لمجموعة العشرين للعمل على تعزيز الجهود الدولية في مواجهة فيروس "كورونا" المستجد.
أمن الخليج
وتجلى التأثير الإيجابي للشراكة الإماراتية-السعودية على الأمن القومي الخليجي، حيث لعب البلدان دورا كبيرا في التصدي لحركة الاحتجاجات التي شهدتها مملكة البحرين في مارس/آذار عام 2011، بمؤامرة ودعم من إيران.
وقادتا تحركا عاما لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بإرسال قوات "درع الجزيرة" إلى مملكة البحرين، انطلاقاً من الاتفاقيات الأمنية والدفاعية الموقعة بين دول المجلس وهو الأمر الذي كان له عظيم الأثر في إعادة حفظ الأمن والاستقرار إلى مملكة البحرين.
وظهر الموقف السعودي الإماراتي الموحد عندما تدخلت قوات "درع الجزيرة" في البحرين بـ1200 عسكري سعودي و800 جندي إماراتي تحت لواء قوات درع الجزيرة بناء على طلب حكومة مملكة البحرين لوقف محاولات نشر الفوضى والتخريب في البلاد مطلع 2011.
واستطاعت السعودية والإمارات في نهاية الأمر بموقف ثابت وشجاع أن تجنب البحرين الفوضى التي شهدتها العديد من الدول آنذاك تجت مسمى "الربيع العربي"، ليسجل التاريخ في فصله المتعلق بالخليج العربي بحروف من نور كيف تحمى الأوطان وكيف يذود الشقيق عن شقيقه.
كما اتخذت الدولتان موقفا مشتركا من الأحداث التي شهدتها بعض الدول العربية في أعقاب ما عرف باحتجاجات الربيع العربي عام 2011، بدعم استقرار هذه الدول ضد التنظيمات الفوضوية.
نصرة الشرعية باليمن.
ويحسب للإمارات والسعودية أنهما كشفتا الأدوار التخريبية التي تقوم بها إيران في زعزعة أسس الأمن والاستقرار في المنطقة.
وامتدادا للعلاقات التاريخية الاستراتيجية بين السعودية والإمارات، شكّل البلدان نموذجا في مواجهة التحديات وصل إلى حد الشهادة التي امتزجت فيها دماء أبناء البلدين؛ دعما للشرعية في اليمن، في إطار تحالف يستهدف دحر الإرهاب ومواجهة التطرف.
وشاركت الإمارات في التحالف العربي لنصرة الشرعية باليمن بقيادة المملكة العربية السعودية، وكانت الدولة الثانية في هذه العملية؛ من حيث قوة المشاركة والتأثير السياسي والعسكري.
ومنذ دخول الإمارات كشريك رئيسي ضمن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، أخذت على عاتقها تحقيق المحافظة على مقومات الدولة اليمنية، وهزيمة المشروع الإيراني ودحر المليشيا الحوثية والتنظيمات الإرهابية بهذا البلد .
ومنذ اللحظات الأولى لـ"عاصفة الحزم" التي انطلقت في 26 مارس/آذار 2015، كانت دولة الإمارات سباقة في إنزال جنودها بالعاصمة المؤقتة عدن للمساهمة في تحريرها، وكان لهم دور كبير وبارز في تحريرها والمحافظات المجاورة لها.
وبالتزامن مع ذلك، ساهمت القوات الإماراتية في تنظيم قوات الجيش الوطني وتأهيل المقاومة ضمن ألوية عسكرية، وقدمت، خلال هذه المعارك، كوكبة من أبطالها شهداء رووا بدمائهم الطاهرة تراب اليمن، نصرة للحق والشرعية والواجب.
ومرارا، أكدت الإمارات دعمها ومساندتها لكل ما يحقق مصلحة الشعب اليمني ويساهم في استقراره وأمنه، مجددة التزامها بالوقوف إلى جانبه ودعم طموحاته المشروعة بالتنمية والأمن والسلام، في إطار سياستها الداعمة لكل ما يحقق مصلحة شعوب المنطقة.
بعد خمسِ سنوات من انطلاق "عاصفة الحزم"، وتحديدا في 9 فبراير/ شباط 2020، احتفت الإمارات بعودة جنودها البواسل الذين شاركوا في مهمة "إعادة الأمل" في اليمن بعد إنجازها مهام التحرير والتأمين والتمكينِ بنجاحٍ تام.
وأعلنت الإمارات التحول من استراتيجية الاقتراب المباشر التي نفذتها قواتها المسلحة باحتراف عالٍ إلى استراتيجية الاقتراب غير المباشر التي تنفذها القوات اليمنية بنفسها اليوم، عقب مرحلة التحول الاستراتيجي وصولا إلى اليوم، أكدت الإمارات التزامها بدعم التحالف العربيِ في العمليات الجوية والدعم اللوجستيِ والتدريب ومكافحة الإرهاب، وهو ما تواصل القيام به حتى اليوم.
التزام عبر عنه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، بقوله إن "دولة الإمارات ستظل تزرع الخير وتفتح أبواب الأمل وتقدم العون والمساعدات الإنسانية والتنموية في كل أنحاء اليمن".
ودعما لحلول سياسية مستدامة، ساندت الإمارات على الدوام الجهود السعودية والدولية الداعمة لتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن، حيث أعلنت، مرارا، ترحيبها بتنفيذ اتفاق الرياض المبرم بين حكومة اليمن الشرعية المعترف بها دوليا، والمجلس الانتقالي الجنوبي. وجرى توقيع اتفاق الرياض في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، لينهي أحداثا شهدتها العاصمة المؤقتة عدن، ويوحد صف جميع المكونات المنضوية تحت لواء الشرعية خصوصا بعد تشكيل حكومة كفاءات وطنية يشارك فيها الانتقالي للمرة الأولى.
والاتفاق جرى بحضور الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وعقب توقيع اتفاق الرياض، أعرب الأمير محمد بن سلمان عن شكره للشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مشيدا بما قدمته الإمارات من تضحيات جليلة مع جنود السعودية وزملائهم في بقية قوات التحالف على الأرض اليمنية.
كما دعمت الإمارات مبادرة للسلام في اليمن أعلنت عنها السعودية في مارس/ آذار الماضي، وتضمنت وقفا شاملا لإطلاق النار وتخفيف قيود شحنات الوقود المتجهة إلى ميناء الحديدة وفتح مطار صنعاء بإشراف من التحالف والأمم المتحدة واستئناف العملية السياسية.
خطر الإخوان
على صعيد مكافحة الإرهاب، انضم البلدان إلى الجهود الإقليمية والدولية الرامية للتصدي للتطرف والإرهاب، حيث شاركا في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "داعش" الإرهابي في عام 2014.
كما تقوم الإمارات والسعودية بدور محوري ورئيسي في الحرب الدولية ضد التطرف والإرهاب؛ خاصة في ما يتعلق بالتصدي للجوانب الثقافية والفكرية، وهي جهود تحظى بتقدير المجتمع الدولي أجمع.
وفيما يخص الجهود الدعوية لمحاربة تنظيم الإخوان الإرهابي وكشف خطورته، صدرت عن مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي نوفمبر الماضي، فتوى أكدت تجريم تنظيم الإخوان واعتباره منظمة إرهابية.
هذه الفتوى جاءت بعد نحو أسبوع من فتوى للمفتي العام للمملكة العربية السعودية، الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ، بأن جماعة الإخوان "ضالة ولا تمت للإسلام بصلة". واستبق الفتوى بيان لهيئة كبار العلماء في السعودية، بتاريخ 10 نوفمبر من الشهر نفسه، أكد فيه أن جماعة الإخوان تنظيم إرهابي لا يمثل منهج الإسلام، ودعا الجميع إلى "الحذر من هذه الجماعة وعدم الانتماء إليها أو التعاطف معها".
نشر السلام
أيضا كان لجهود السعودية والإمارات دور كبير في إنهاء أطول نزاع في أفريقيا، حيث أسهمت جهودهما الدولتين المشتركة في إنهاء الخلاف بين إثيوبيا وإرتيريا، حيث لم تأل السعودية والإمارات جهداً في متابعة خطوات المصالحة ضمن توجه البلدين الحكيم لإرساء علاقات استقرار في المنطقة واحترام حسن الجوار.
وفي 9 يوليو/تموز 2018، وقع أسياس أفورقي رئيس إريتريا وآبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا إعلانا حول السلام، ينهي رسميا عقدين من العداء بعد آخر مواجهة عسكرية عام 2000 بين الجانبين، خلفت نحو 100 ألف قتيل من الجانبين وآلاف الجرحى والأسرى والنازحين وأنفقت خلالها أكثر من 6 مليارات دولار.
وتوج الاتفاق عددا من الخطوات الإيجابية بمبادرة إماراتية ومساندة سعودية لإنهاء الصراع بين إثيوبيا وإريتريا من خلال قمة ضمت الزعيمين في العاصمة أبوظبي، لتشكل هذه الجهود، التي أسهم فيها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، انتصارا لدبلوماسية السلام. وبخطى واثقة، تمضي الشراكة الاستراتيجية بين السعودية والإمارات إلى آفاق أرحب، لمواجهة مختلف التحديات ودعم الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
وهكذا كانت ولا تزال العلاقة بين الإمارات والسعودية صمام أمان لحفظ الاستقرار والسلام في المنطقة والعالم، خاصة أن تاريخ البلدين يمتلئ بالمبادرات لتسوية الخلافات العربية أو لدعم الدول العربية وإطلاق مبادرات مشتركة لنزع فتيل الأزمات والتوترات في المنطقة وخارجها.