سيناريوهات ما بعد قانون الإيجار القديم في مصر.. انتعاشة أم ركود في سوق العقارات؟

دخل سوق العقارات المصري مرحلة جديدة من التغيّرات، بعد سنواتٍ طويلة ظلّت خلالها العلاقة بين المالك والمستأجر أسيرة لقانون قديم، وموضع خلاف دائم.
هذا القانون القديم تشبّث به ملايين من المستأجرين باعتباره درعًا يحميهم، بينما رآه الملاّك "مظلمة" حرمتهم من حقوقهم المشروعة لعقود.
الآن، ومع طرح قانون الإيجار القديم لعام 2025، تبدو الساحة مهيّأة لتحوّلات جذرية تمس واحدة من أكثر القضايا الاجتماعية والاقتصادية تعقيدًا في مصر.
- بعد إقرار المادة الأولى دون تعديل.. البرلمان المصري يوافق نهائيا على قانون الإيجار القديم
- قانون الإيجار القديم في مصر.. كل ما تحتاج إلى معرفته عن التعديلات الأخيرة
بين من يعتبر القانون انفراجة طال انتظارها، ومن يراه تهديدًا لاستقرار ملايين الأسر، يقف السوق العقاري عند مفترق طرق حاسم.
منطق العرض والطلب
وفي تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية"، يرى الدكتور محمد الشوادفي، أستاذ الإدارة والاستثمار، أن التعامل مع قانون الإيجار القديم 2025، يمثّل عودة حقيقية إلى منطق السوق الحر، القائم على آليات العرض والطلب، بعد سنوات من القيود التي فرضتها مرحلة الاقتصاد الاشتراكي.
ويعتبر أن تثبيت القيمة الإيجارية كان أحد أبرز مظاهر هذا التقييد، وهو ما جعل العلاقة بين المالك والمستأجر بعيدة عن منطق السوق لسنوات.
ومع تطبيق التعديلات الجديدة، خصوصًا بعد انتهاء فترة السبع سنوات الانتقالية، من المتوقع أن يترك عدد من المستأجرين وحداتهم السكنية، غير أن النسبة الكبرى – حسب تقديره – ستتجه إلى التوافق مع الملاك للاستمرار في الإقامة، لكن وفق قواعد السوق الجديدة.
مصير العلاقة بين المالك والمستأجر
من وجهة نظره، يتوزع المشهد على ثلاثة أبعاد رئيسية:
أولا: البعد النفسي والاجتماعي، والمتعلق بأثر الانتقال القسري على بعض المستأجرين الذين سيضطرون للبحث عن مساكن بديلة، وهي نسبة يرى أنها لن تتجاوز 20%.
ثانيا: الشق التفاوضي، حيث سيفضّل معظم الملاك تأجير وحداتهم بأسعار السوق بدلًا من تركها خالية، ما يفتح المجال لتفاهمات جديدة بين الطرفين.
أما البعد الثالث والأكثر أهمية من وجهة نظره – فهو الأثر المباشر على سوق العقارات، إذ إن خروج عدد من المستأجرين سيولد طلبًا جديدًا على الوحدات السكنية، خاصة في المناطق العمرانية الحديثة، مما ينعش حركة البيع والشراء.
القانون ينعش السوق
ومن جانبه، يرى الخبير الاقتصادي المصري أحمد الزيات أن تعديل قانون الإيجار القديم أطلق موجة من الجدل القانوني والاجتماعي، انقسمت حولها الآراء ما بين مؤيد للتصحيح التشريعي، ومعارض يخشى تبعاته على الفئات المتأثرة ويبدو أن هذا الجدل مرشح للاستمرار خلال الفترة المقبلة، خاصة في انتظار صدور اللائحة التنفيذية عقب موافقة مجلس النواب.
من وجهة نظره، فإن القانون سيُحدث تحولات ملحوظة في سوق العقارات، بفعل أن نحو من مليوني وحدة سكنية وتجارية وإدارية من المتوقع أن يعاد طرحها مجددًا في السوق بعد إخلائها من قِبل المستأجرين، وهو ما يُنتظر أن يعزز استقرار السوق ويمنع أي قفزات مفاجئة في الأسعار.
هذا المعروض الجديد، سواء من الوحدات المطوَّرة عبر الجهات الحكومية والمطورين العقاريين، أو تلك التي يستردها الملاك ويعيدون إدراجها للبيع أو الإيجار، يمثل شريحة إضافية من العرض، ستنعكس إيجابيًا على التوازن بين الطلب والمعروض، وتدفع نحو سوق أكثر استقرارًا.
ارتفاع الإيجارات
وفي هذا السياق، يكشف الخبير الاقتصادي المصري لـ "العين الإخبارية"، عن تقديرات غير رسمية تشير إلى وجود نحو 1.2 مليون وحدة إيجار قديم في محافظة القاهرة، وقرابة 635 ألفًا في الجيزة، إلى جانب 420 ألف وحدة تقريبًا في الإسكندرية، ما يجعل هذه المحافظات في مقدمة المشهد المتوقع للتحولات المقبلة سواء على مستوى حركة الإيجارات أو إعادة طرح الوحدات في السوق العقاري.
لا مفاجآت
وفي سياق متصل، تلفت الخبيرة المصرفية سهر الدماطي، نائب رئيس بنك مصر سابقًا، إلى أن تداعيات قانون الإيجار القديم، بمجرد إقراره، ستكون كبيرة على سوق العقارات، لكنها في الوقت نفسه ليست مفاجئة، إذ إن الحديث عن ضرورة تعديل هذا القانون يعود إلى ما يزيد عن عشرين عامًا، غير أن التنفيذ لم يكن مطروحًا بجدّية إلا مؤخرًا.
تشير الدماطي إلى أن عددًا كبيرًا من العقارات المؤجّرة تعود لملاك توفوا منذ زمن، واستمرّ فيها الأبناء أو الأحفاد كمستأجرين بأسعار رمزية، في وقت يُقدّر فيه قطاع العقارات السكنية – الذي يشمل وحدات الإيجار القديم – بنحو 22 إلى 23% من إجمالي الناتج القومي لمصر.
الأحياء الشعبية في قلب الأزمة
تُركّز الخبيرة المصرفية على طبيعة المناطق التي تنتشر فيها وحدات الإيجار القديم، موضحة أن الغالبية العظمى تقع في الأحياء الشعبية، أو ما يُعرف بـ"الطبقة المتوسطة الدنيا"، في حين تمثل الوحدات الواقعة في مناطق مثل مصر الجديدة، الزمالك، وهليوبوليس، نسبة أقل بكثير، وغالبًا ما تكون مشمولة باتفاقات فردية أو طُوّرت مع الوقت.
بدائل مغرية
وفي ظل الطفرة الحالية في حركة البناء، ترى أن السوق بات يوفر بدائل واقعية للشرائح التي قد تتأثر بخروجها من وحدات الإيجار القديم. فالمطورين العقاريين، بحسب وصفها، يطرحون الآن أنظمة سداد وتسهيلات غير مسبوقة – منها الدفع بالتقسيط على 12 سنة دون مقدم – وهو ما يعكس تغيرًا كبيرًا في فلسفة العرض العقاري.
وبالنسبة للشرائح محدودة الدخل، خاصة المقيمة في المناطق الشعبية، تتوقع الدماطي أن يكون التوجه نحو مشروعات الإسكان المدعوم، والتي تقودها الدولة، مشيرة إلى دور صندوق الإسكان الاجتماعي بقيادة مي عبد الحميد، باعتباره الجهة التي تمتلك الرؤية والأدوات للتعامل مع هذه الفئة، وتوفير البدائل الملائمة لها في مختلف المحافظات.
انتفاضة تأخرت كثيرًا
في السياق ذاته يرى الخبير الاقتصادي المصري أحمد خطاب أن إقرار قانون جديد للإيجارات في مصر يعد انتفاضة حقيقية منعشة للسوق سيما وأن القانون تأخر لسنوات وألحق ضرراً جسيما على الملاك لسنوات طويلة.
أبرز هذه الأضرار هو استخدام آلاف الشقق السكنية لغرض التخزين في الوقت الذي كان القانون فيه يقف عائقاً لصالح المستأجرين ضد الملاك.
ويختم خطاب حديثه مؤكداً أن القانون الجديد سينصف ملايين الأسر في مصر، ولن يضر أي فئة قليلة من المستأجرين من محدودي الدخل تعهدت الدولة بتعويضهم.