مع تصاعد غضب الشعب في وجه نظام الملالي في عدة مدن إيرانية، تعود بِنَا الذاكرة إلى شرارة الثورة الإيرانية التي أطاحت بالشاه عام ١٩٧٩
مع تصاعد غضب الشعب الإيراني في وجه نظام الملالي في عدة مدن إيرانية، والتي انطلقت من مدينة مشهد الإيرانية، تعود بِنَا الذاكرة إلى شرارة الثورة الإيرانية التي أطاحت بشاه إيران عام ١٩٧٩، وقيام نظام الملالي الثوري والإرهابي وإلى شرارة ما سُمّي بالثورات العربية التي خرجت من تونس.
الثورة الشعبية التي تجتاح إيران أثارت اهتمام العالم كله، فهناك العديد من الصحف والمواقع والقنوات العالمية نشرت أخبار وانتفاضة الشعب الإيراني المكلوم وأطلقت عليها العديد من المسميات (الربيع الإيراني، ثورة الجياع، ثورة الشعب إلخ...) بينما النظام الإيراني أسماها بثورة الفتنة.
لاشك أن المشهد السياسي الإيراني كان وسط عملية تحول كبيرة، حيدت المتطرفين على ضفتي اللعبة السياسية الداخلية، من أصوليين وإصلاحيين متشددين، لصالح المعتدلين، مما سهل عملية تحضير الأرضية لأي تغيير مستقبلي على مستويات عالية والذي بدوره سيجعل أكثر من ٨٠ مليون إيراني جزءا من عملية العبور إلى المرحلة الجديدة، لذا فالأمر يحتم وجود البراغماتيين وليس الراديكاليين .
ثورة 2017 ليست فورة أو انتفاضة يمكن أن تهدأ بوعود؛ فقد تعددت أسبابها ومسبباتها التي أدت إلى ثورة شعبية واسعة وإلى نزول الآلاف من المحتجين إلى الشوارع، منددين بسياسات الملالي والولي السفيه التي دفعت البلاد إلى حافة الهاوية، بسبب سياسات اقتصادية فاشلة وأوضاع اجتماعية مزرية مع تفشي الفقر والبطالة والمخدرات وارتفاع في الأسعار ومعدل التضخم وفساد وحريات منعدمة تصل إلى أدق تفاصيل الحياة اليومية، وتردٍّ للخدمات وسوء في الإدارة وقمع مبالَغ فيه وإعدامات يومية، وظروف صحية سيئة وأمراض مزمنة وزلازل مدمرة، وسياسات خارجية عدوانية تصدر الإرهاب والدمار للجيران ومليارات تُهدر في سَبِيل الثورة والمشروع التوسعي الذي استنزف كل ثروات الشعب.
إذا وجدت ثورة الشعب الدعم المباشر من الخارج مع انحياز كامل من الجيش في صف المتظاهرين، أو حدوث شيء لم يكن في الحسبان عندها سنقول إن رحيل خامنئي قربت ساعته وانتصار شعبه بات قاب قوسين أو أدنى.
الشعب الإيراني اليوم يرى بأنه أمام فرصة وتحول تاريخي سيغير من حياة الإيرانيين الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية.
والآن بعد انطلاق هذه الثورة نحن أمام مرحلتين؛ إما التحرر من قيود هذا النظام أو أن تتحول إيران إلى دولة معزولة عن العالم وتصبح كوريا شمالية أخرى بالمنطقة، والخيار سيبقى للشعب وعلى العالم أن يقبل به.
إيران الملالي الثورية يقطنها حوالي 30 مليون من الشباب هم دون سن الـ35 عاما وهم الأكثر انفتاحا على العالم، مما يعني أن أغلبهم لم ير ويشاهد ثورة الخميني ولا تعني لهم الثورة شيئا؛ إنما يرغبون العيش في حياة كريمة وبدون تهميش في دولة غارقة بالنفط والغاز كبقية الدول المجاورة.
إيران التي ترتكز على عدد من الأقليات، مثل العرب، والبلوش، والأذريين، والأكراد، والأتراك، بالإضافة إلى الفُرْس ومذاهب وديانات متعددة الكل فيها يعاني من تجاهل متطلبات البنية التحتية والدعم وشح في الوظائف، مما يجعل تلك الأقليات تعيش أوضاعا اقتصادية واجتماعية غير طبيعية، لهذا ظهرت ثورتهم خالية من المذهبية، فالكل يريد إسقاط السلطة الفاسدة بعد أن كسر حاجز الخوف وتجاوز القداسة الوهمية التي تقتل وتسرق الشعب باسم الله وباسم الدين. حينها أبى الشعب إلا أن يقول كلمته ويضع النقاط على الحروف انتصارا لكرامته ولقمة عيشه فأسقط وأحرق صور الولي السفيه.
إيران الصفوية التي ترى من السعودية السنية العدو اللدود تكفر أهلها وحكامها، بعدما كانت الدولة الصفوية تعادي الدولة العثمانية وتكفرها، والتي كانت تدعم وتؤيد ثورات الربيع العربي وتزرع خلاياها وأذنابها لإشعالها ولم تسمّها بثورات الفتنة، والذي من دلالاته أن مشروعهم وأهدافهم واحدة وأنهم كانوا حزب الشر والإرهاب في المنطقة وكل ما يحدث بها بالإضافة إلى إسرائيل.
لا شك بأنه من السابق لأوانه الحكم على كيفية نجاح الثورة من عدمه، فإذا نجح الحرس الثوري في قمع الاحتجاجات، فإنهم سيواصلون سياستهم التوسعية، مما يعني تصعيدا في المواجهة مع السعودية، أما إذا سقط النظام أو حكومة روحاني وهو المأمول، ولكنه مستبعد في ظل رغبة الغرب في بقاء هذا النظام للمحافظة على المصالح الاقتصادية المشتركة ولخدمته أجنداتهم في المنطقة، وما الاتفاق النووي وبنوده السرية إلا جزء منها، وفِي ظل عدم رغبتهم في وقوع إيران تحت السيطرة والنفوذ الروسي والصيني، وفِي ظل وجود إمكانية أخذ المدد من أذنابها كالحشد الشعبي، وحزب اللات، وغيرهم من المغرر بهم، والذين يعيشون حالة رعب مما يحدث في إيران، لأن سقوط حكم الملالي سيكون سقوطا مدويا لهُم؛ عندها ستنتهي كل أذرع إيران وعملائها وهو ما يجب استغلاله عربيا وخليجيا الذي تعاني من تدخلات إيران المزمنة والمزعجة .
أما إذا وجدت ثورة الشعب الدعم المباشر من الخارج مع انحياز كامل من الجيش في صف المتظاهرين، أو حدوث شيء لم يكن في الحسبان عندها سنقول إن رحيل خامنئي قربت ساعته وانتصار شعبه بات قاب قوسين أو أدنى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة