لماذا ينمي العلماء خلايا المخ البشري في المختبر؟
سمح التطور العلمي للباحثين باستحداث خلايا جذعية بشرية ومتابعة تفاصيل عملها بدقة، لكن السؤال لماذا ينمي العلماء خلايانا في المختبر؟
لدى البالغين خلايا جذعية في نخاع العظام ما يسمح لهم بتكوين العديد من أنواع خلايا الدم، ويُعرف هذا باسم "تعدد القدرات"، وهو أمر حاسم للسماح لجهاز المناعة بالرد على العدوى على سبيل المثال.
كان أحد أعظم الإنجازات التي حدثت في العقد الماضي هو القدرة على التأثير على الخلايا الجذعية البالغة للتمايز لتكوين أنواع معينة من الخلايا، لكنها غير قادرة على التمايز إلى جميع أنواع الخلايا المختلفة التي تشكل الجسم البالغ.
أبحاث الخلايا الجذعية ونماذج الأعضاء
تم إجراء الكثير من الأبحاث حول كيفية تحويل نوع واحد من الخلايا إلى نوع آخر، وهي مستمرة، حيث يمكن بالفعل أخذ خلايا الدم والجلد من الشخص وتعريضها لمواد كيميائية ووسائط معينة تسمح لهم باستعادة قدرتها المتعددة، أي القدرة على التطور إلى أي نوع من الخلايا.
يُطلق عليها اسم "الخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدرات"، ويتابع الباحثون حاليًا خطين رئيسيين من العمل باستخدام هذا النهج.
لقد قاموا بإنشاء نماذج أجنة باستخدام الخلايا الليفية، وهي نوع من الخلايا الموجودة في الجلد على سبيل المثال، وسمحت هذا للباحثين بمراقبة بداية تكوين الأعضاء في المختبر.
تعتبر العضويات مفيدة بشكل خاص عندما يمكن استخدامها لإنشاء نماذج من الأعضاء أو الأنسجة التي لا يمكن تكرارها بسهولة بأي طريقة أخرى، والمخ مثال على ذلك كونه شديد الخطورة ويصعب أخذ خزعة مقارنة بالجلد على سبيل المثال.
يتضمن خط العمل الثاني إنشاء نماذج للأعضاء أو الأنسجة تُعرف باسم العضيات، وهذه تسمح للعلماء بالتحقيق في كيفية عمل أنواع معينة من الخلايا ويمكن حتى استخدامها لنمذجة أعضاء كاملة.
في الواقع، تم صنع أول عضوي دماغي من خلايا جذعية مستحثة متعددة القدرات من مريض مصاب بصغر الرأس حيث يتم تقليل حجم الدماغ، وفقا لموقع medicalnewstoday.
واستخدم الباحثون، الذين يعملون مع الدكتورة مادلين لانكستر، هذا النموذج لاكتشاف أن تمايز الخلايا العصبية المبكرة من المحتمل أن يكون السبب وراء انخفاض حجم الدماغ الذي لاحظوه لدى المريض، ونشروا النتائج في مجلة Nature المختصة.
وأظهر هذا الاكتشاف لأول مرة أنه يمكن تكوين خلايا المخ من الخلايا الجذعية المحفزة متعددة القدرات، ويمكن أن توفر نظرة ثاقبة للطريقة التي يعمل بها الدماغ والآليات التي يقوم عليها المرض.
التطورات الأخيرة في استحداث الخلايا البشرية
منذ أن تم تطوير هذه العضيات الأولية، زاد تعقيد العضيات الدماغية التي تم إنشاؤها والمعلومات التي تم الحصول عليها منها.
وتمكن الباحثون من ملاحظة أن الخلايا الجذعية المستحثة قادرة على التنظيم الذاتي في هياكل مماثلة لتلك الموجودة في الحيوانات والبشر.
عُضيات الدماغ، التي تم إنشاؤها من خلايا جذعية مستحثة متعددة القدرات سمح لها بالنضوج لمدة 60 يوما، شكلت أكوابًا بصرية أو فجوات حيث تتشكل العيون، وفقًا لورقة نُشرت في Cell Stem Cell العام الماضي.
وبالمثل، أظهرت دراسة نُشرت في Nature العام الماضي تغيرات خلوية في العضيات القشرية بعد 250-300 يوم في المختبر (9 أشهر)، والتي تحاكي تلك التي لوحظت عند الأطفال حديثي الولادة.
أيضا سمحت القدرة على نمذجة نمو دماغ الجنين في المختبر بمزيد من الوضوح بشأن تأثير الأدوية المختلفة على نمو الدماغ في الرحم، وهذا ما حدث مع فضيحة فالبروات الصوديوم.
فالبروات الصوديوم هي فضيحة عالمية شهدت نساء حوامل مصابات بالصرع يتلقين دواء لعلاجه تسبب في إعاقات تعلم خطيرة لدى الأطفال الذين تعرضوا للمخدرات في الرحم.
في الآونة الأخيرة، استخدمت دراسة نُشرت في PLOS Biology عضويات مشتقة من الخلايا البشرية لإظهار أن الدواء تسبب في تسريع الشيخوخة والموت في الخلايا الظهارية العصبية للدماغ، موضحًا بعض الأعراض التي تظهر عند الأطفال المصابين.
أيضا تم استخدام العضيات لنمذجة الأمراض، مثلا تم استخدامها للتحقيق في تأثير SARS-CoV-2 وهو الفيروس الذي يسبب "كوفيد-19"، على الدماغ لاكتساب نظرة ثاقبة لتأثيراته أثناء العدوى الأولية وما بعدها، كما تم إجراء بعض الأبحاث لنمذجة ألزهايمر والفصام والتوحد.
قواعد تنمية أشباه عضويات واعية
في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2022 نشرت ورقة بحثية توضح كيف تمكن الباحثون من تعليم الخلايا العصبية التي تم إنشاؤها باستخدام الخلايا الجذعية متعددة القدرات كيفية لعب لعبة الفيديو Pong.
وزعم المؤلفون أن هذا يُظهر أن الخلايا العصبية قادرة على التنظيم الذاتي وإظهار الشعور.
قال الدكتور بريت كاجان، كبير المسؤولين العلميين في شركة Cortical Labs: "بالطبع كانت هناك اعتبارات أخلاقية في التجارب التي أجروها، لكنها لم تكن مختلفة عن الاعتبارات المطلوبة لآلاف التجارب الأخرى التي تجرى حول العالم".
وتابع المسؤول في الشركة التي ابتكرت نظام DishBrain المستخدم لتعليم الخلايا العصبية القشرية : "نحن واضحون جدًا في الورقة البحثية أن الإحساس ليس وعيًا".
بينما أخبر البروفيسور أليسون آر موتري ، أستاذ الطب الخلوي والجزيئي في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا، موقع MNT في رسالة بريد إلكتروني، أن هناك طرقًا مختلفة للاختبار لمعرفة ما إذا كانت العضيات قد وصلت إلى الوعي.
وأضاف أنه تم توضيح هذه في مقال تعليق شارك في تأليفه ونُشر في مارس 2022 في المجلة Seminars in Cell and Developmental Biology.
عندما سئل عما إذا كانت الخلايا العصبية التي تم اختبارها بواسطة Cortical Labs واعية أم لا، قال البروفيسور موتري: "من الصعب معرفة ذلك على وجه اليقين، ومع ذلك هناك بعض الاختبارات التي يمكن للمرء القيام بها لمعرفة ما إذا كانت تستجيب بطريقة مماثلة للدماغ الواعي".
كما اعتقد أنه إذا تم إنشاء عضويات واعية فمن المهم تنظيمها، واقترح: "على غرار النماذج الحيوانية في الأبحاث الواعية يجب أن يكون لدينا مجموعة من القواعد لتنمية أشباه عضويات واعية".