مختص بيئي يمني يشرح لـ«العين الإخبارية» كيف دخلت عدن نطاق التأثر بتغيرات المناخ
يشهد العالم تغيرات في المناخ نتيجة الاحتباس الحراري، وللنشاط الصناعي للدول الكبرى الذي أثر على الدول النامية.
ويأتي اليمن على رأس الدول النامية المتأثرة بهذه التغيرات المناخية التي تسببت بالكثير من الكوارث الطبيعية الناتجة عن تقلبات المناخ الحادة، بحسب الخبراء البيئيين المختصين في هذا المجال.
"العين الإخبارية" التقت أحد أبرز المختصين في مجال البيئة بالعاصمة المؤقتة عدن، الدكتور فواز باحميش، أستاذ الجيومورفولوجية الطبيعية، والذي أدلى بتصرحات مهمة حول تأثرات اليمن عموما ومدينة عدن خصوصا بالتغيرات المناخية.
الإنسان يهدد نفسه
الدكتور فواز باحميش أشار في بداية الحوار إلى أن التغيرات المناخية أصبحت حديث العالم وباتت المؤتمرات التخصصية تعقد كل عام، وآخرها مؤتمر cop28 في دبي، بينما كانت سابقا تعقد كل عقد.
ويقول الخبير البيئي إن "سبب ذلك يعود إلى التغييرات الحادة التي تحدث في العالم، وهي في الأساس أسباب ذاتية بفعل الإنسان، الذي يتدخل في تغيير البيئة، وبالتالي ينتظر ما قد يأتيه جراء هذا التدخل".
ويضيف: "الإنسان هو السبب في إطلاق الغازات الدفيئة من المصانع والمعامل وعوادم السيارات، والتي تؤدي إلى حدوث الاحتباس الحراري، وذوبان الجليد الذي يهدد عشر مدن على مستوى العالم تأتي مدينة عدن اليمنية في المرتبة السادسة، ضمن المدن المهددة بالغرق".
عدن مهددة بالغرق
الدكتور باحميش استند إلى دراسات علمية حديثة وموثقة تشير بشكل واضح إلى أن مطار عدن -تحديدا- مهدد بالغرق جراء ذوبان الجليد، ويأتي في المرتبة رقم 20 ضمن 1200 مطارا حول العالم مهددة شملتها الدراسة.
وأرجع السبب إلى ذوبان الجليد في القطب المتجمد الشمالي، والذي يزيد من ارتفاع مياه البحر في شواطئ المدن الساحلية سنتيمترا واحدا كل عام، لافتا إلى وجود مناطق في مدينة عدن تعتبر فعليا مناطق منخفضة عن سطح البحر، وبالتالي فهي مهددة بالغرق.
وأشار الدكتور باحميش إلى أن من تلك المناطق كانت الفارسي، الحسوة، وخور مكسر، مذكرا بمناشدة أهالي الفارسي عام 2010 عندما استنجدوا بالسلطات بسبب دخول مياه البحر إلى منازلهم.
تغيرات عاصفة تهدد عدن
وأضاف باحميش أن مدينة عدن بدأت تدخل نطاق التأثر بالتغييرات المناخية المتمثلة بارتفاع منسوب السقوط المطري منذ عام 2016، هذا التأثر أدى إلى كارثة 21 إبريل/نيسان عام 2021، عندما وصلت كمية الهطول المطري إلى 125 مليمتر مكعب خلال ساعة ونصف فقط؛ ما شكل كارثة صحية غير عادية تزامنت مع تفشي جائحة كوفيد 19 حينها.
ويواصل: "المعروف أن الأمطار في مدينة عدن شتوية وليست صيفية، ولكن أن تأتينا الأمطار في فصل الصيف وبكميات كبيرة، يؤكد أن مدينة عدن بدأت تدخل ضمن التغييرات المناخية".
وأوضح الدكتور باحميش أنه من الطبيعي تكرر حدوث المنخفضات الجوية في بحر العرب والتي تضرب حضرموت والمهرة باعتبارها مناطق مفتوحة، لكن أن تتحول التيارات المائية هذه في مساراتها وتدخل إلى خليج عدن فهذا يعني أن التغيرات تشتد.
وتوقع الخبير البيئي إن يشهد هذا العام أو العام المقبل هطولا مطريا كبيرا في عدن ومدن السواحل الجنوبية من اليمن؛ لأن الاحترار يضرب المحيطات؛ ما يؤدي لحدوث العواصف، وبالتالي فإن عدن مهددة بالفعل.
مخاطر العشوائيات
غزت العشوائيات معظم مديريات مدينة عدن، مسببة مشكلة حضرية وسكانية كبيرة، غير أن أبرز مشكلات البناء العشوائي في عدن أنها بنيت على مجاري السيول، وفي هذا الشأن يصف مدير مركز دراسات وعلوم البيئة بجامعة عدن، الدكتور فواز باحميش ذلك بأنها "الكارثة الأعظم".
ويضيف: "مدينة عدن ليست ببعيدة عن كارثة درنة الليبية؛ والسبب يعود إلى المباني العشوائية التي أنشئت في مجاري السيول، فطريق السيل يظل ويبقى حتى بعد خمسين عاما، وهذا ما حدث تماما في درنة عندما اخترق المدينة وشق طريقة إلى البحر، آخذا في طريقه مئات المنازل".
وقال: "مديرية صيرة في عدن بالذات مكونة من ثلاثة أودية، هي الطويلة، والعيدروس والخساف، والمباني العشوائية سدت هذه الأودية، وهو ما يجعل المنازل المبنية في تلك الأودية وأعلى الجبال المجاورة على طريق الخطر".
وأشار إلى أن كارثة أبريل/نيسان 2020 والسيول التي حدثت حينها تسببت بوفيات نتيجة جرف البيوت، كما أن الجلاميد والصخور والتربة نزلت من الجبال ولم تجد تصريفا فعملت على سد المنطقة، وخاصة بوادي العيدروس؛ ما أدى إلى تكدس المخلفات خلف سد كبير من الصخور والتربة المنهارة جراء السيول، وتزامن ذلك مع تفشي كوفيد 19، ما ضاعف معاناة الناس من الأمراض والأسقام.
ويؤكد الدكتور باحميش تلك الحقائق بالإشارة إلى أنه وثقها وصورها بنفسه، حيث كانت الأدوار الأرضية من البيوت مدفونة تحت التربة والصخور، وكل ذلك بسبب العشوائيات، كما أن بعض المنازل شقها السيل نصفين، لأنه مبني في المجرى الطبيعي.
مسؤولية جماعية
يرى الدكتور باحميش أن مسؤولية الفوضى التي تعيشها مدينة عدن بالنسبة للبناء العشوائي، هي مسؤولية جماعية بين المواطنين وبين السلطات المسؤولة.
وقال: "إن بعض المواطنين يبني منزله في المكان الخطأ، في ظل غياب دور الأجهزة الحكومية المعنية، ثم عندما تحل الكارثة يطالب الدولة بالتدخل أن يحملها المسئولية".
في المقابل، فإن الدولة يقع على عاتقها مسؤولية الحد من العشوائيات، فأيام الاحتلال البريطاني لعدن، كان يمنع البناء في الجبال عند ارتفاع 150 مترا، لكن الآن يتم البناء لمسافة 350 مترا فوق الجبال، وأصبحت الهضبة عدن الواقعة فوق صهاريج عدن مبنية من منازل من حجر؛ ما يجعل القادم أسوأ والكارثة ستكون أعظم.
تعويضات دولية
القمم المتخصصة المنعقدة مؤخرا لمعالجة تبعات التغيرات المناخية، تحدثت عن إمكانية قيام الدول الصناعية الكبرى المتسببة بالانبعاثات الحرارية وتلويث كوكب الأرض بتعويض الدول النامية المتضررة.
ويعلق الدكتور باحميش على ذلك بالحديث عن تسبب انبعاث ثاني أكسيد الكربون بكميات كبيرة من الدول الصناعية، بالإضرار بالدول النامية، وتطرقت نقاشات القمم المناخية إلى جانب إلزامي بتعويض البلدان المتضررة، ومنها اليمن.
ولفت إلى أن هناك اقتراحات للعمل على منع انبعاث الغازات والتقليل منها، أو حتى الاستفادة من الغازات لتوليد الطاقة الكهربائية، بحيث يكون خروجها أقل من الكمية المحددة عالميا.
أنشطة مركز دراسات البيئة
الدكتور فواز باحميش مدير مركز دراسات وعلوم البيئة منذ يناير/كانون أول عام 2023، يتحدث عن أنشطة المركز التابع لجامعة عدن، والتي عمل على إثرائها من خلال تنفيذ شراكات مع جهات معنية، مثل الهيئة العامة لحماية البيئة، وبعض المنظمات المجتمع المدني.
وأشار إلى أن المركز أقام مؤتمرا حول التغيرات المناخية التي تعاني منها اليمن في عام 2019، كما تم الاتفاق مع منظمة دولية متخصصة للدخول في شراكة مع المركز وإقامة دورات تدريبية لبناء قدرات المؤسسات المحلية.
بالإضافة إلى شراكات مع وزارة الزراعة والري والثروة السمكية، بحسب رؤية مركز دراسات وعلوم البيئة في الارتباط مع الكثير من المؤسسات والوزارات وعمل توأمة معها لتفعيل دور المركز والارتقاء بالعمل البيئي، وفق تأكيدات الدكتور باحميش.
ويضيف: "نسعى بدعم رئاسة جامعة عدن ممثلة بالدكتور الخضر ناصر لصور، للانطلاق نحو المجتمع؛ لأن العمل الأكاديمي والعلمي يجب أن يكون مرتبطا بالمجتمع، والخروج من الجانب النظري إلى التطبيقي، وهذا يتحقق من خلال الشراكة والتكامل مع مؤسسات الدولة ومنظمات العمل المدني".
ولفت الدكتور باحميش إلى وجود شراكة مع رئاسة الجمهورية؛ لتدريب موظفي مكتب الرئاسة في مجال نظم المعلومات والاستشارة عن بعد، معتبرا أن الارتباط بمصدر القرار مهم لتأسيس أرضية صلبة للانطلاق منها نحو تنفيذ خطط المركز وتفعيل التوعية البيئية والعلمية.
aXA6IDMuMTQ5LjI1MC4xOSA= جزيرة ام اند امز