صيد العقارب في مصر.. ومن السموم دواء ورزق وفير
مشروع يستهدف في مرحلته الأولى تجميع 50 ألف عقرب لاستخلاص 6 جرامات من السم، وبيعها في السوق المحلية والخارجية.
بينما تمثل رؤية العقرب مشهدا مرعبا للسواد الأعظم من المصريين، فإن هناك فئة تبحث عنه، ذلك لأن اصطياده هو مصدر رزقها.
وحتى وقت قريب كان هذا النشاط مقصورا على عائلة طلبة الشهيرة في منطقة "أبو رواش" بمحافظة الجيزة المصرية، حيث تقوم بتوريد العقارب لمركز المصل واللقاح في مصر، غير أن شابين من محافظة الوادي الجديد المصرية اقتحما هذا النشاط، وأسسا مشروعا يحاولان من خلاله أن يجعلا هذا النشاط أكثر تنظيما وأجدى من الناحية الاقتصادية.
وتتوقف مسؤولية عائلة طلبة الشهيرة على صيد العقارب وتوريدها إلى مركز المصل واللقاح، ليتم استخلاص السم منها تحت إشراف المتخصصين بالمركز، ولكن المشروع الجديد الذي خصصت له محافظة الوادي الجديد مساحة 20 فدانا، يستهدف استخلاص السم من العقارب التي يتم اصطيادها وبيعه للداخل والخارج.
ويقول مدير المشروع المهندس محمد عبدالوهاب لـ"العين الإخبارية"، إن المشروع الذي بدأ قبل شهور يستهدف في مرحلته الأولى تجميع 50 ألف عقرب لاستخلاص 6 جرامات من السم، وبيعها في السوق المحلية والخارجية.
ويصل سعر الجرام الواحد من هذا السم إلى 8 آلاف دولار أمريكي، ويتم الحصول على هذه الكمية من نحو 8 آلاف عقرب، وهي مهمة كانت في السابق صعبة، لكن الاستراتيجية التي يستخدمها عبدالوهاب ورفاقه سهّلت من المهمة.
ويستعين عبدالوهاب بمجموعة من الشباب للتوجه إلى الأماكن الموبوءة بالعقارب، كما يستخدم متعاونين من كل أنحاء الوادي الجديد يقومون بتوريد العقارب للمشروع بعد تدريبهم على كيفية اصطيادها باستخدام أدوات الصيد الحديثة التي يتم توزيعها عليهم.
ويحصل الصيادون على ماسك عقرب، وصندوق لحفظ الأعداد التي يتم صيدها وحذاء آمن ضد اللدغات وغطاء يد، إضافة إلى كشاف أشعة بنفسجية هو الأول من نوعه في مصر تم استيراده من السعودية خصيصا لهذا المشروع، ويساعد على الكشف عن العقرب ليلا وتسهيل اصطياده بشكل يحافظ على حياته.
ويكشف فيديو نشره أحد الناشطين من محافظة الوادي الجديد على قناته بموقع "يوتيوب" عن نجاح المشروع في اصطياد 150 عقربا من منطقة واحدة خلال أقل من ساعتين، وهو ما يجعل منه وسيلة مساعدة لتخليص أهالي محافظة الوادي الجديد من العقارب التي تسبب لهم مشكلة خلال فصل الصيف، فضلا عن أنه قام بتحويل الأزمة إلى مصدر رزق، كما يؤكد المهندس عبدالوهاب.
ويمنح المشروع مبلغ جنيهين للصائدين عن كل عقرب من النوع الأصفر يتم جمعه، وهذا النوع هو الأكثر انتشارا في المحافظة، وهو الأخطر في السمية، حيث يتميز سمه بالنقاء الشديد.
ويتم استخلاص السموم من العقارب بواسطة جهاز يصدر ذبذبات كهربائية، ولا يعني الحصول عليها انتهاء مهمة العقرب، حيث يتم تربيته داخل مزرعة المشروع حتى يتم استحلاب السم منه مرة أخرى بعد 20 يوما، كما يقول المهندس أحمد أبو السعود، الشريك المؤسس في هذا المشروع.
وتُهيئ للعقرب، خلال تربيته بالمزرعة، بيئة تماثل حياته الطبيعية من حيث درجات الحرارة، ويحصل على غذاء بروتيني، يتم توفير معظمه من التكامل بين الأجزاء المختلفة للمشروع، والتي تشمل أيضا إنتاج نباتات طبية وعطرية وتربية النحل، كما يوضح المهندس أبو السعود.
ويضيف: "النحل يحصل على الرحيق اللازم لإنتاج العسل من أزهار النباتات الطبية والعطرية في المشروع، وتساعد حبوب اللقاح التي ينتجها النحل في نمو النباتات، ويهلك عدد كبير من النحل خلال دورة الإنتاج، وهذا العدد يتم تقديمه كغذاء بروتيني للعقارب".
وتثني د. إيمان عبدالمنعم، مدير المركز القومي للسموم بكلية الطب جامعة القاهرة، على فكرة المشروع، التي ترى أنه قد يسهم في علاج النقص الذي حدث في أمصال العقارب خلال هذا الصيف في بعض المحافظات.
وتتمنى د. إيمان أن يتم توجيه كل الإنتاج من السموم إلى الداخل، قائلة في تصريحات لـ"العين الإخبارية": " ليس من المنطقي أن تكون لدينا مشكلة محلية، ونقوم بتصدير السموم للخارج".
ولا تستخدم السموم في الخارج لإنتاج الأمصال بالدرجة الكبيرة، لكنها تدخل في الأبحاث التي تدرس استخدامها في الكشف عن الأورام السرطانية وحماية عضلة القلب والحماية من الإصابة بالجلطات الدموية.
ورغم أهمية هذه المجالات، فإن د. هالة عدلي حسين، الرئيس السابق لمركز المصل واللقاح "فاكسيرا"، ترى أن توجيه كل كمية السموم لإنتاج الأمصال بالداخل أفضل من تصديرها.
وتقول د. هالة: "إذا كنا قد نجحنا إلى حد كبير في تأمين الاحتياج المحلي من الأمصال المنتجة من السموم، فإننا يجب ألا نسمح بتصدير السم للخارج، ليتم إنتاج أمصال تنافس المنتج المحلي".
وتوضح طريقة إنتاج الأمصال من السموم في المركز، قائلة إنه يتم استخدام الخيول في هذه المهمة، حيث توجد مزرعة تابعة للمركز في منطقة حلوان، وداخل هذه المزرعة يتم حقن السم في الخيول، التي تكون أجساما مضادة للسم، ويتم سحب البلازما من دم الخيول، لتكون محتوية على تركيزات من الأجسام المضادة، التي يتم فصلها وإعداد المصل منها.