إذا كان رئيس الوزراء العراقي يقصد الهوية الطائفية فتلك مصيبة كبيرة ستكون لها تداعيات على المستوى المحلي
على مرّ السنوات الماضية عمدت الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي عدم الخوض في مصير مليشيا الحشد الشعبي، التي تشكلت بدعوة من المرجع الديني علي السيستاني للقتال إلى جانب الجيش العراقي.
توالت المطالب، سواء من الداخل العراقي أم خارجه، بتحديد مستقبل هذه المليشيات، وطبيعة التعامل معها في المشهد العراقي، مع تكرار العبادي على الدوام عدم سماحه بوجود سلاح خارج إطار الدولة.
الهوية الجديدة المفترضة للجيش العراقي لن تكون مقبولة من الأطراف الداخلية ولا الخارجية المهتمة بالشأن العراقي، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وستعمل هذه القوى على الوقوف بوجه الخطوة وعدم السماح بتنفيذها على أرض الواقع
بالفعل أعلن رئيس الحكومة العراقية عن دمج هذه العناصر بالمؤسسة العسكرية، ولكنه ذكر نقطة مهمة للغاية في بيانه الذي تلاه في العاشر من مارس/آذار الجاري "أن عملية الدمج ستكون مع الحفاظ على هوية الحشد"، والسؤال هنا.. ما الهوية التي قصدها العبادي في حديثه الأخير؟ هل هي الهوية السياسية لهذه المليشيات أم الهوية الطائفية؟ وما تأثير ذلك على تركيبة الجيش العراقي بعد انتصاره على تنظيم داعش الذي كان مسيطراً على ثلث مساحة البلاد؟
إذا كان رئيس الوزراء العراقي يقصد الهوية الطائفية فتلك مصيبة كبيرة ستكون لها تداعيات على المستوى المحلي، وسيترتب عليها مزيد من الانقسام بين مكونات الشعب العراقي الطامح إلى جيش عراقي بعيد عن الطائفية والعرقية.
أما إذا كان المقصود الهُوية السياسية وما تنتمي إليه عناصر هذه المليشيات إلى أحزاب في معظمها دينية ستكون ردات الفعل أكبر من أن يتحملها العبادي وفريقه السياسي، خاصة أن الكثير من هذه الأحزاب مرفوض من الولايات المتحدة، المدركة تماماً تبعيتها لإيران، المنافس القوي لواشنطن على الساحة العراقية.
وفق النظريتين السابقتين في تفسير ما قاله العبادي عن الحفاظ على هُوية الحشد، فإن دخوله إلى المنظومة العسكرية سيغير حتماً من طبيعة وشكل الجيش العراقي، لتكون أقرب لإيران التي دعمت الخطوة الأخيرة بإيفاد إسحق جهانغيري نائب الرئيس حسن روحاني للضغط على بغداد، باتجاه تنفيذ مشروع الدمج، وفق ما كشفت عنه صحيفة نيوزويك الأمريكية.
الهوية الجديدة المفترضة للجيش العراقي لن تكون مقبولة من الأطراف الداخلية ولا الخارجية المهتمة بالشأن العراقي، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وستعمل هذه القوى على الوقوف بوجه الخطوة وعدم السماح بتنفيذها على أرض الواقع، وهذا يتوقف على ثلاثة عوامل.
العامل الأول: يتعلق بمواصلة الولايات المتحدة دعمها التيار المحسوب عليها في الداخل العراقي، وعدم تسليم البلاد على طبق من ذهب لإيران، كما حصل في زمن حكومة نوري المالكي.
الدعم الأمريكي كفيل بإحداث التوازن في ظل الوجود الإيراني على الأرض والمتمثل بمليشيا الحشد التي يقدر عددها بمئة واثنين وخمسين ألف عنصر، خصوصاً بوجود الكثير من الضباط العراقيين المخلصين لوطنهم والرافضين لأي هيمنة على مقدرات البلاد، والزج بها في محاور لا تخدم العراق على الإطلاق.
المطلوب من واشنطن ليس الدعم العسكري للعراق فحسب، وإنما بتوفير الغطاء السياسي الدولي لكل الأطراف والشخصيات العراقية في الداخل والباحثة عن التحرر من الهيمنة الإيرانية، وهذا لا يعني بالضرورة السقوط الكامل في الحضن الأمريكي، فكلا الطرفين طهران وواشنطن تسعيان إلى مصالحهما فقط ولا يهمها فيما إذا عاش العراقيون بأمان وسلام أو لا.
أما العامل الثاني فهو مرتبط بقدرة السياسيين الممثلين للمكون السّني من فرض حصة المحافظات الست الغربية في عديد القوات العراقية، بإدراج قوات العشائر التي ساندت الجيش في معاركه ضد عناصر داعش، واستيعاب هذه الأعداد ضمن صفوف القوات العراقية، وتبديد الهواجس الأمنية التي كانت تختلقها بعض القوى المتطرفة داخل قيادة التحالف الوطني الحاكم، وتحذيرها الدائم من خطورة ضم بعض الشباب السّني بذريعة عدم ضمان وضعهم الأمني.
العامل الثالث والأخير يتمثل بقدرة الشارع العراقي بمختلف انتماءاته على إنتاج طبقة سياسية جديدة مؤمنة بعراق واحد غير طائفي ولا عرقي، وهذا يقف على الانتخابات العراقية المقبلة، وما ستحدده صناديق الاقتراع سيكون كفيلاً برسم المشهد السياسي والعسكري الجديد، وسيحدد حتماً هوية الجيش العراقي الذي استطاع رغم خسائره الكبيرة دحر أقوى تنظيم متطرف في العالم.
العوامل الثلاثة السابقة تعتبر الأكثر أهمية في تحديد هوية الجيش العراقي وتجنيبه الصبغة الطائفية التي يعتقد أنها ستكون الغالبة، فيما إذا تمكنت إيران من فرض مشروعها على المؤسسة العسكرية لتكون بذلك ضمنت وجودها إلى ما لا نهاية على الأرض العراقية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة