منظمة لعلاج قدامى المحاربين الأمريكيين من الاكتئاب
المحاربون القدامى يستمتعون بالتفسح في الهواء الطلق وممارسة اليوجا والتجديف بالكاياك، وكلها نشاطات تهدف إلى تعزيز الشعور بالأمان والرفقة
تنتشر حالات الاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة بين الجنود الأمريكيين، خصوصا الذين شاركوا في حروب منها العراق وأفغانستان ويقدم جزء كبير منهم على الانتحار، لذلك، أنشئت منظمة غير حكومية لمساعدة هؤلاء على المضي قدما.
كان رودجر كينج في التاسعة عشرة من العمر عندما انضم إلى سلاح البحرية الأمريكية في 2005، إلا أنه غادر صفوفها بعد 4 سنوات إثر مهمتين في العراق؛ حيث كادت رصاصة قناص أن تنهي حياته.
وبعد عودته إلى بلاده، واجه مشاكل جمة عندما حاول الانخراط مجددا في الحياة المدنية في لونج آيلاند في نيويورك، بما في ذلك شعور خانق بالقلق وصعوبة الوجود ضمن مجموعة.
وكان كينج يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة وإصابة دماغية وهما من الإصابات المنتشرة بين قدامى المحاربين في الجيش الأمريكي المنخرط في صراعات لا نهاية لها على ما يبدو في العراق وأفغانستان.
يقر كينج (33 عاما) الذي بدأ شرب الكحول مدفوعا بمعاناته من الاكتئاب بسبب التحديات الجديدة التي طرأت على حياته، بأنه حاول الانتحار مرتين.
راسل كيزر وهو من سكان نيويورك أيضا، انضم إلى الحرس الوطني بعد فترة قصيرة من هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
وهو الآن يبلغ من العمر 42 عاما ويعاني من الأرق ونوبات الهلع وأعراض اضطراب ما بعد الصدمة، وذلك بعدما أمضى سنتين مع حلف شمال الأطلسي في كوسوفو حيث تتناوب فترات من الاستقرار النسبي مع نوبات من العنف.
بعد عودته إلى الديار في 2008، غرق كيزر في حالة من الاكتئاب وبدأ شرب الكحول أيضا، ونتيجة لذلك، انهار زواجه ووجد نفسه بلا مأوى، وقد حاول الانتحار أكثر من 7 مرات، على ما يقول.
لكن كينج وكيزر يؤكدان أنهما اليوم أفضل حالا بفضل "مشروع جوزيف ب. دواير للمحاربين القدامى لدعم الأقران"، وهي منظمة غير حكومية أنشئت عام 2012 تكريما لأحد الأطباء في الجيش الذي انتحر عام 2008 بعد عودته من العراق.
مهمة لا تزال كبيرة
تحدث كينج وكيزر عن المراحل القاتمة في "يوم العافية" الذي نظمته المنظمة في حديقة في قرية سنتر موريشيس الساحلية.
استمتع المحاربون القدامى بالتفسح في الهواء الطلق وممارسة اليوجا والتأمل والتجديف بالكاياك، وكلها أنشطة تهدف إلى تعزيز الشعور بالأمان والرفقة.
وقد أنشأت نحو 20 منظمة أكشاكا لتقديم المساعدة والمعلومات لهم. وقال كينج: "هناك المزيد من الأمور التي يجب القيام بها.. كان يجب إنشاء جمعيات مثل مشروع دواير بعد الحربين العالميتين وحرب فيتنام".
وهو يقود مجموعة من 12 جنديا سابقا ضمن هذا المشروع، وهم يلتقون أسبوعيا.
وأضاف كينج: "لم نكن نعتقد أبدا أن جمعيات مثل "ألكوهوليك أنونيموس" و"ناركوتيكس أنونيموس" قد تكون مفيدة للمحاربين القدامى".
فيما أضاف كيزر: "لو أننا حصلنا على الدعم المناسب لما كنا لجأنا إلى الكحول والمخدرات، لكن الأمور تتحسن يوما بعد يوم. فهناك المزيد من الجمعيات التي تنشأ من أجل الجنود السابقين".
دعم الأقران
تضاعف عدد جمعيات الدعم النفسي المشابهة لمشروع دواير في الولايات المتحدة؛ حيث يكافح هذا البلد لمساعدة 20 مليون من المحاربين القدامى، وهم يشكلون نحو 10% من السكان البالغين، في التغلب على المصاعب التي يواجهونها وإزالة الأفكار المتعلقة بالانتحار التي تجول في عقولهم.
فقد انتحر سنويا بين عامي 2008 و2016 أكثر من 6 آلاف من قدامى المحاربين وفقا لتقرير نشرته أواخر العام الماضي وزارة شؤون المحاربين القدامى الأمريكية.
وبالمقارنة، توفي 6951 جنديا أمريكيا في مناطق حرب رئيسية بين عامي 2001 و2018 وفقا لتحليل أجرته جامعة براون.
ونظرا لهذه الإحصاءات المقلقة، جعلت الوزارة التي تدير نحو 1200 مستشفى وعيادة، مكافحة الانتحار أولوية لها، وأنشأت خطا ساخنا للمحاربين القدامى الذين يعانون من اضطرابات.
زيادة الوعي
أُطلقت إدارة خط الأزمة المخصص لقدامى المحاربين عام 2007 مع 14 موظفا، أما اليوم فيعمل فيها 900 موظف مع 3 مراكز اتصال في أنحاء البلاد بما في ذلك واحد في ولاية نيويورك كما قال مديرها مات ميلر لوكالة فرانس برس.
وأوضح أن عدد المكالمات الواردة زاد بشكل مطرد، وهو يبلغ حاليا 650 ألف مكالمة في السنة.
وأضاف: "نحن نزيد نسبة الوعي" بالانتحار، ليس فقط في صفوف قدامى المحاربين بل بين المدنيين الذين ترتفع لديهم معدلات الانتحار أيضا.
وقالت مارسيل ليس التي أمضت 20 سنة في الحرس الوطني وهي ترأس مشروع دواير، إنه بعد 50 عاما من جحيم فيتنام وبعد أكثر من 17 عاما من دخول القوات الأمريكية في أفغانستان "هناك وعي أكبر" بحاجات قدامى المحاربين.
وأضافت "المهمة كبيرة أمامنا". وأوضحت أنه على عكس ما كان معتمدا في حربي كوريا وفيتنام، يخدم الجنود في العراق وأفغانستان "مرات عدة"؛ الأمر الذي يسبب لهم صعوبات جمة.
وفيما يكافحون للعودة إلى الحياة المدنية، يواجه المحاربون القدامى عائقا إضافيا؛ ففي ثقافتهم العسكرية، قد يُنظر إلى طلب المساعدة على أنه دليل ضعف.
وقالت ليس "جزء كبير من الأمور التي نقوم بها هو تغيير أفكارهم المتعلقة بطلب المساعدة وتعليمهم أن هذا الأمر دليل على القوة".
وهي شعرت بالراحة إزاء حقيقة أن العديد من قدامى المحاربين في فيتنام انضموا إلى المجموعات التي تقدم الدعم للمحاربين القدامى الأصغر سنا.
وروى كينج أن أول شخص شجعه على الحصول على علاج نفسي هو محارب فيتنامي سابق وكان خطوة حاسمة في طريق الشفاء.
وهو اعترف بأنه لا يزال يواجه أوقات صعبة، لكن الجندي البحرية السابق الذي تزوج ولديه طفل عمره ثلاثة أشهر، يملك خططا للمستقبل؛ فمع شهادته التي حصل عليها أخيرا، يأمل في العمل كمدرس في مدرسة ثانوية.
aXA6IDMuMTQwLjE5Ny4xNDAg جزيرة ام اند امز