أفكار سيد قطب وجدت في الخمسينيات والستينيات وحتى إعدامه في السبعينيات من ينزلها إلى أرض الواقع في شكل تنظيمات إرهابية.
اعتبرت السبعينيات المرحلة التي تحولت فيها أفكار العنف والتكفير والقتل إلى أفعال حقيقية مجربة.
فقد وجدت أفكار سيد قطب في الخمسينيات والستينيات وحتى إعدامه في 29 أغسطس/أب عام 1966 في السبعينيات من ينزلها إلى أرض الواقع في شكل تنظيمات إرهابية تبدأ من تكفير الحاكم وحتى المجتمعات.
فلماذا السبعينيات؟
عودة إلى فكرة السياق التي طرحتها في مقال سابق- وأقصد هنا السياق الزمني- وفيه سأركز على صدمة الستينيات أو خيبة الستينيات، خصوصا نصفها الثاني الذي ظهر في هزيمة 1967 أمام إسرائيل، هذه الهزيمة لم تكن هزيمة عسكرية فقط وإنما كانت مجموعة من الهزائم "العسكرية، النفسية، الفكرية، المجتمعية".
الهزمية الفكرية تأتي من سقوط "فكرة القومية العربية" التي عمل عليها الرئيس المصري عبدالناصر باعتبارها مشروع خلاص حقيقي من الخطر الخارجي المتمثل في إسرائيل، والخطر الداخلي المتمثل في فكرة الشتات بين الأمة وفروعها. هذه الهزيمة وصلت إلى كل بيت عربي وإلى كل قلب عربي، وطالت الجغرافيا العربية ولم تقف عند حدود مصر، وضاعت سيناء في مصر، ضاعت الجولان في سوريا، والقدس الشرقية في فلسطين.
خلقت تلك الصدمة خلخلة في النفوس خصوصا جيل الشباب، وولدت كفرا كاملا بكل ما قاله عبدالناصر، من هذه الخلخلة تسرب خبث جماعات الإسلام السياسي خصوصا تنظيم الإخوان المسلمين، حيث ركبوا هذه الموجة الغارقة في الإحباط لتمرير أفكارهم بهدف التشفي والانتقام من العهد الناصري.
الهزمية الفكرية تأتي من سقوط "فكرة القومية العربية" التي عمل عليها الرئيس المصري عبدالناصر باعتبارها مشروع خلاص حقيقي من الخطر الخارجي المتمثل في إسرائيل، والخطر الداخلي المتمثل في فكرة الشتات بين الأمة وفروعها، هذه الهزيمة وصلت إلى كل بيت عربي وإلى كل قلب عربي، وطالت الجغرافيا العربية ولم تقف عند حدود مصر
وظهرت فكرة أن "الإسلام هو الحل"، تلك الفكرة التي قال لي أحد رموز هذا المرحلة إن الشباب كان يعلنها في الجامعات، "طالما أسلحتكم أتت لنا بالهزمية والنكسة دعونا نجرب وحدة الدين والإسلام "
العامل الثاني الذي جعل حقبة السبعينيات حقبة التنظيمات العنيفة، هو حالة التحول السياسي بين نظامين، موت عبدالناصر ووصول السادات إلى السلطة.
ثمة أحداث وقعت في بداية العهد الساداتي جعلته يقع في الفخ الذي نصب له وهو الارتماء في الحضن الإسلاموي، وهنا سأسوق تلك الواقعة لأنني أراها مفصلية، وهي مظاهرات الطلبة في الجامعات المصرية عامي 1972 / 1973.
تلك المظاهرات التي خرجت احتجاجا على تأخر قرار الحرب بعد أن شعروا بمماطلة في خطابات السادات، واشتعلت الجامعات المصرية كاملة، بدا التيار اليساري قويا ومسيطرا، وهنا تجلت خطورة الحاشية التي كانت محيطة بالرئيس السادات.
وكان أولهم المحامي محمد عثمان إسماعيل الذي ربطته علاقات وطيدة بالرئيس السادات، والذي كان له دور كبير، ومعه عثمان أحمد عثمان المقاول الكبير مؤسس شركات "المقاولون العرب" الشهيرة. لقد كان محمد عثمان إسماعيل صاحب فكرة خلق التوازن بفتح الجامعات أمام التيار الإسلامي لمجابهة التيار اليساري، وفعلا أوكل الرئيس السادات إليه مهمة تأسيس الجماعة الإسلامية، وكذلك تجنيد وتمويل الإخوان بالجامعات .
نجح محمد عثمان في المهمة، وكافأه السادات بتعيينه محافظا لأسيوط، وهنا تأسست الجماعة الإسلامية الطلابية التي اكتسحت الجامعات، واجتاحت التيار اليساري نهائيا، وهي التي أوجدت الجيل الذي خرجت منه كل التفريعات العنيفة من أيمن الظواهري، وصولا إلى البلتاجي، والعريان وجيل الإخوان الحالي.
المقدمة السابقة والسياق الفكري هما أمران لابد من ذكرهما لأنهما يكشفان لنا جانبا في منتهى الأهمية في تحويل الأفكار العنيفة إلى أفعال يحركها أشخاص ينتمون إلى تنظيمات :
أولاً المناخ العام في مصر، الذي كان جاذبا لكل الأفكار في العالم العربي، باعتبار مصر تقود ما سمي وقتها بالصحوة الإسلامية. فصحوة مصر الإسلامية في السبعينيات كما كانوا يقولون جذبت بعض العناصر غير المصرية من الخارج، وهنا المفارقة المهمة:
لقد خرجت الأفكار العنيفة من عقل سيد قطب ومن قبله أبو الأعلى المودودي الباكستاني، لكنها تحولت إلى أفعال حين خرجت عن الحدود المصرية، ثم عادت عبر أشخاص غير مصريين.
وهنا سأتحدث عن تنظيمين وشخصيتين بالأسماء والأدلة، كان لهما دور كبير في تأثيث التنظيمات العنيفة أولهما :
"صالح سرية" وتنظيم "الفنية العسكرية" 1974 :
هذا التنظيم صنف باعتباره أول تنظيم جهادي إسلامي انقلابي في مصر، كما صنف أيضا كأول محاولة انقلاب عسكري ضد السادات، وأسفرت عن مقتل 17 وإصابة 65- وقعت يوم 18 إبريل/نيسان 1974- بعدما اقتحم عدد كبير من أفراد هذا التنظيم مستودع الكلية الفنية العسكرية، واستولوا على أسلحة بقيادة الإرهابي صالح سرية.
كان هدفهم قتل الرئيس السادات من أجل إعلان ولادة "جمهورية مصر الإسلامية"، لكن هذه المحاولة فشلت، وعرفت فيما بعد تلك الخلية الإرهابية باسم "تنظيم الفنية العسكرية" وقبض عليهم وتم إعدامهم.
وهنا النقطة المهمة، وهي أن "صالح سرية" ليس مصريا، وإنما فلسطيني ويمثل نموذجا واضحا جدا لفكرة الإخوانية العابرة للحدود، فهو فلسطيني النشأة، عراقي التكوين، إخواني العقيدة، جاء إلى مصر ليحقق ما تمناه، وهو جمهورية مصر الإسلامية.
هو خلاصة فكر سيد قطب تماما مثلما نجح الخميني في نهاية السبعينيات في تأسيس هذا النموذج، وهو "الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، وأيضا متأثرا بأفكار سيد قطب .
كان أول مؤلف له "بين الاتباع والتقليد" في 1956. وتلقى علما شرعيا على يد السلفي عبد الكريم الصاعقة، ثم محمد محمود الصواف، وهو من قيادات حركة الإخوان في العراق، وانخرط مبكراً في العمل العسكري في صفوف الثورة الفلسطينية، مؤسساً مع رفاق له "جبهة التحرير الفلسطينية" في 1959، والتي انضمت لاحقاً إلى حركة فتح، وحافظ على علاقات وثيقة مع الراحل ياسر عرفات.
انضم إلى "الإخوان المسلمين" في العراق، وكان قائداً في جناحها العسكري، وضابطا برتبة نقيب في "فوج التحرير الفلسطيني" الذي شكله الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم 1961.
وباعتباره عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني، حضر "سِرّية" اجتماعات القاهرة في 1968. وبعد إطاحة البعثيين بعبد الرحمن عارف في 1968، وتورط التيار الإسلامي في محاولة اغتيال أحمد حسن البكر، غادر العراق إلى سورية ثم إلى القاهرة في 1971، لينال درجة الدكتوراه من جامعة عين شمس، عن أطروحته "تعليم العرب في إسرائيل" عام 1973.
لم يضيّع "صالح سرية" حال وصوله إلى القاهرة أي وقت، فاتجه مباشرة إلى منزل السيدة زينب الغزالي التي لعبت دوراً أساسياً في تقديمه إلى المرشد العام المستشار "حسن الهضيبي"، وتعريفه بمجموعات الشباب الجديد، ومنهم "طلال الأنصاري" و"إسماعيل الطنطاوي" و"يحيى هاشم" من قيادات حركة الجهاد الإسلامي المصري الذين كون بهم "تنظيم الفنية العسكرية".
وقتها تبرأ منه الإخوان إلا أن هناك مفاجأة فجرها طلال الأنصاري في مذكراته، وهي أن تنظيم "الفنية العسكرية" كان في الأساس ضمن تحرك كبير من الإخوان المسلمين لمحاولة تقويض نظام السادات، ولكن بطريقة مختلفة، فلو نجح "صالح سرية"، وصنع انقلابا ناجحاً تبناه الإخوان وسيطروا بذلك على الحكم، ولو فشلت المحاولة أنكرها الإخوان وقالوا إنها محاولة فاشلة من شباب متحمس غير مسئول، ويتحملون هم نتيجة فعلهم وحدهم.
نكمل في المقال القادم
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة