تكاثر بيولوجي.. سر تحول مياه البحر الأحمر إلى اللون الوردي في الربيع
ظاهرة غريبة على سواحل البحر الأحمر المصرية والسعودية، إذ في هذه الأيام من فصل الربيع تتحول إلى اللون الوردي، فما السبب؟
تحول السواحل في مصر والمملكة العربية السعودية دليل على أن عملية التكاثر للشعاب المرجانية قد حدثت في البحر، وأن هذا دليل إيجابي على استقرار النظام البيئي للشعاب المرجانية، وقدرته على النمو والتكاثر.
ظاهرة التكاثر الجنسي للشعاب المرجانية هي إحدى العمليات البيولوجية لنمو الشعاب المرجانية وتكاثرها، ويمكن أن تساعد في التعافي النشط لمناطق الشعاب المرجانية المتدهورة، وهي ظاهرة طبيعية تحدث في التوقيت نفسه سنويًّا في النصف الثاني من شهر أبريل/نيسان وحتى نهاية الشهر نفسه، خصوصا لأنواع الشعاب المرجانية الصلبة المتفرعة من جنس أكروبورا.
400 كيلومتر مربع من الشعاب المرجانية الممتدة على الساحل الشرقي لمصر ما زالت في المنطقة الآمنة عالميا للشعاب المرجانية تتميز بـ13 نوعا من الشعاب المرجانية من جنس "أكروبوا"، الأكثر انتشارا في شمال البحر الأحمر وأهم أنواع المرجان في العالم، ويعتبره الباحثون في البيئة البحرية أمل البشرية في استمرار النظام البيئي، إذ تزامن التكاثر في توقيت واحد لإحداث عمليات التكاثر السنوية لإنتاج أجيال جديدة من الشعاب المرجانية.
هذا ما رصدته دراسة بعنوان "التباين المكاني في توقيت التفريخ لتجمعات Acropora متعددة الأنواع في البحر الأحمر"، وتمت بالمشاركة بين مركز أبحاث البحر الأحمر، جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، ومحمية البحر الأحمر التابعة لجهاز شؤون البيئة المصري، حيث تم مسح 572 مستعمرة للشعاب المرجانية، وتم مراجعتها من ماسايا موريتا الأستاذ بجامعة ريوكيوس في اليابان، وجيسيكا بوميستر بجامعة هاواي بالولايات المتحدة.
وكما يقول الدكتور إسلام عثمان الأستاذ بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا بالسعودية، في ملخص البحث، إن التكاثر الجنسي عملية حاسمة لبناء الشعاب المرجانية، لتعظيم التنوع الجيني والتعافي من الاضطرابات واسعة النطاق، وتمثل أحداث التفريخ الجماعي التي تقوم بها أنواع Acropora فرصًا حاسمة لاستمرار المجموعات، وهي عملية تُستغل بصورة متزايدة لاستعادة الشعاب المرجانية المتدهورة بشكل فعال، إلا أن التوقيت والقدرة التنبؤية لتكاثر المرجان في جميع أنحاء النظام الحراري والبيئي الواسع للبحر الأحمر -وهي منطقة تشهد أيضًا تطورًا كبيرًا واستعادة الشعاب المرجانية النشطة- لا يزال غير مكتمل.
- تغير المناخ يقتل الشعاب المرجانية.. دراسة تكشف تفاصيل صادمة
- تقنيات الجيل التالي للحفاظ على الشعاب المرجانية.. هل تنجح موريشيوس؟
وعليه قام الباحثون بدراسة ومسح في ثلاثة أماكن مختلفة على جانبي البحر الأحمر في مصر والسعودية، ومن المثير للاهتمام أن الشعاب المرجانية في موقعي جزيرة ثول وشوشه بالساحل السعودي، قد ظهرت في ليلة اكتمال القمر، شهري أبريل/نيسان ومايو/ أيار، في حين كانت الشعاب المرجانية في الغردقة مستقلة عن الدورة القمرية وتتكاثر قبل 7-9 ليالٍ من اكتمال القمر في شهر مايو/أيار، وتبدو عمليات رصد التفريخ في أثناء و/أو في ليالي اكتمال القمر ظاهرة شائعة نسبيًا تم توثيقها في مناطق حيوية مختلفة، ويعمل ضوء القمر كإشارة طبيعية للتنسيق بين المستعمرات المرجانية لمزامنة إطلاق الأمشاج الخاصة بها.
كما رصد الباحثون، أن انحراف توقيت وضع البيض عن يوم اكتمال القمر كان مرتبطًا بدرجة حرارة سطح البحر كأحد العوامل الأساسية التي تحكم إطلاق الأمشاج، من بين عوامل أخرى، التي من المحتمل أن تؤثر في يوم التفريخ خلال الشهر القمري.
ويؤكد إسلام في تقديمه للبحث: "توضح ملاحظاتنا أهمية الجهود الموازية عبر الحدود لجمع البيانات الهامة اللازمة لإرشاد استراتيجيات الإدارة التي تهدف إلى الحفاظ على الشعاب المرجانية واستعادتها في هذه المنطقة المتنوعة بيئيًا".
ولأهمية الدراسة يقول الباحثون، إن تغيير توقيت تفريخ المرجان قد يؤثر في اتصال المرجان، وانتعاش السكان، وتغيير تكوين المجتمع، وهذا يسلط الضوء على أهمية المراقبة الزمنية المستمرة والمنسقة لوقت وضع البيض المرجاني والتزامن.
لماذا يتغير لون المياه إلى الأحمر؟
كما ترصد الدراسة العلمية، فعملية التكاثر للشعاب المرجانية هي عملية بيولوجية تقوم بها الشعاب المرجانية لإنتاج بويضات تتكون داخل نسيج البوليب، وتتطور البويضة حتى تصبح لونها ورديا في إشارة إلى اكتمال نضجها ثم في إحدى الليالي في شهر أبريل/نيسان تطلق الشعاب المرجانية هذا البويضات في الماء، وإطلاق الحيوانات المنوية التي تخصب البويضات والتي تتحول إلى يرقة بمجرد تلامسها لجسم صلب تقوم بالتثبيت علية والتكاثر إلى أن تكون مرجانا جديدا وتتم عملية التكاثر في شهر أبريل/نيسان من كل عام.
قدرة إنتاجية مستعمرات الشعاب المرجانية من البويضات ما بين 265 بويضة/ سم2 و627 بويضة سم2 من بيض الشعاب المرجانية مكتملة النضج، وتتميز باللون الوردي.
الدكتور أحمد غلاب، مدير محمية الجزر الشمالية بالبحر الأحمر، أكد في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية"، أن أهم الملاحظات لهذه الدراسة هي ارتباط التكاثر للشعاب المرجانية باكتمال القمر في الشهر العربي، وهذه فرصة جيدة لمزيد من الدراسات في هذا الجانب، كما أنها ترتبط بموسم الربيع قبل ارتفاع درجات الحرارة، خاصة أن هذه الفترة تكون درجات الحرارة المثلي لتكاثر الكائنات البحرية، ومنها الشعاب المرجانية.
صمود المرجان أمام ارتفاع درجة الحرارة
تشير الأبحاث إلى أن الشعاب المرجانية في البحر الأحمر قادرة على الصمود أمام ارتفاع درجة حرارة المياه، ولكنها ليست محصنة، فقد انخفض غطاء الشعاب المرجانية الصلبة بنسبة 13.6% في المتوسط بين عامي 2005 و2019 في المواقع العشرة الأكثر تضررا قبالة السواحل المصرية، وفقا لتقرير صادر عن الشبكة العالمية لرصد الشعاب المرجانية.
كما شدد مدير محمية الجزر الشمالية بالبحر الأحمر على أن الشعاب المرجانية حتى الآن في شمال البحر الأحمر مستقرة، وأنها حتى الآن خارج دائرة الابيضاض، مضيفا أن 70% من حالات الابيضاض للشعاب المرجانية التي شهدتها بعض مناطق البحر الأحمر، خاصة في الجنوب حسبما ذكر بحث علمي نهاية العام الماضي لجمعية هبيتا برئاسة الدكتور محمود حنفي، استعادت عافيتها.
وهذا ما أكده الدكتور محمود حنفي، أستاذ البيئة البحرية بجامعة قناة السويس، ومستشار محافظة البحر الأحمر وجمعية حماية البيئة والإنقاذ بالغردقة (هيبكا)، من أن "المرجان المصري من بين عدد قليل جدا من المستعمرات المتبقية التي ظلت بحالة جيدة في الغالب، والشعاب المرجانية في المياه المصرية قادرة بشكل فريد على تحمل درجات الحرارة المرتفعة، في حين تساعد التيارات القوية على خفض درجات حرارة المياه أيضا".
وحسب الباحثين في الدراسة الجديدة، فسجلات التفريخ التاريخية تشير إلى أن وضع التفريخ في الغردقة يحدث عادة في الثلث الأخير من أبريل/نيسان إلى الأسبوع الأول من مايو/أيار، في حين تفرخ الشعاب المرجانية في ثول بالساحل السعودي في الغالب في أوائل أبريل/نيسان.
كما جمعت الدراسة ملاحظات متوازية في العام نفسه -بجسب الباحثين- من وسط وشرق وغرب شمال البحر الأحمر لأول مرة، حيث غطت أكثر من 572 مستعمرة تنتمي إلى 21 نوعًا من الأكروبورا لدراسة تكوين الأمشاج وأنماط التكاثر على طول البحر الأحمر.