نحن مسؤولون جميعاً، كمجتمع وكأفراد، عن مواجهة هذه الأزمة والخروج منها بسلام
لا خلاف على أن الدرس الأهم الذي استخلصه العالم كله من أزمة "كوفيد-19" هو أن مواجهة هذه الأزمة لا يمكن أن ينجح دون تضافر جهود المجتمع بكل فئاته مع الجهود الحكومية الهادفة إلى التصدي لهذا الوباء واحتواء آثاره.
وقد رأينا ذلك واضحاً في العديد من التجارب الدولية مثل الصين، التي انطلق منها الوباء، وكوريا الجنوبية وغيرهما من دول العالم، التي تمكنت بدعم الجهود الشعبية والالتزام المجتمعي الصارم من تحجيم الوباء في أراضيها، فيما أدى عدم الالتزام الشعبي والمجتمعي في دول أخرى، بعضها متقدمة وغنية، إلى خسائر باهظة في الأرواح وعلى المستويات كافة بسبب بعض السلوكيات المجتمعية غير المسؤولة.
في دولتنا الحبيبة، دولة الإمارات العربية المتحدة، لم تقصر حكومتنا الرشيدة في اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المواطنين والمقيمين من خطر هذا الفيروس، واحتواء آثاره، ولاسيما على المستوى الصحي الوقائي، والذي تجسد في استجابتها السريعة للأزمة ومحاولة منع انتشار الفيروس.
وذلك عبر التوسع في إجراء الفحوصات اللازمة للكشف عن الحالات المصابة وعزلها وعلاجها، مما مكنها من تصدر دول العالم في عدد الفحوصات نسبة إلى عدد السكان، أو من خلال دخولها ركب التنافس العالمي الرامي لاكتشاف علاج لهذا الفيروس والوقاية منه، حيث حققت إنجازاً علمياً عالمياً بتوصلها إلى ابتكار علاج جديد باستخدام تقنية الخلايا الجذعية وتطويرها تقنية سريعة لاكتشاف الفيروس باستخدام أشعة الليزر.
واتخذت الدولة العديد من الإجراءات غير المسبوقة لتقليل التداعيات السلبية لهذا الوباء على مختلف مناحي الحياة، حتى أصبحت تمثل نموذجاً عالمياً رائداً في إدارة هذه الأزمة وكيفية مواجهتها، بل وبدأت الاستعداد لمرحلة ما بعد الأزمة على النحو الذي جسده اجتماع حكومة الإمارات "عن بعد" الأسبوع الماضي الذي حمل عنوان "الاستعداد لمرحلة ما بعد كوفيد19".
وضمن هذه الجهود الضخمة، وفي إطار سعيها لتحقيق التوازن بين جهود مواجهة الوباء ومحاولة استعادة الحياة الطبيعية وتقليل الآثار السلبية الناجمة عن حالة الإغلاق التي تسبب بها هذا الوباء، اتخذت الدولة إجراءات مهمة للتخفيف الجزئي من القيود على الحركة، والسماح بفتح المراكز التجارية وبعض الأنشطة الاقتصادية الضرورية،ولكنها أحاطت هذه الإجراءات بالعديد من القيود والشروط الواجب اتباعها من الجميع لإنجاح الهدف منها.
نحن مسؤولون جميعاً، كمجتمع وكأفراد، عن مواجهة هذه الأزمة والخروج منها بسلام
فلا يخفي على أحد أن حالة الإغلاق التي تسبب بها الفيروس في العالم كله، وليس الإمارات وحدها، قد أضرت بكثير من أصحاب الأعمال الذين تعطلت أعمالهم التجارية، ومن هنا تقتضي الحكمة أن نعيد عمل عجلة الإنتاج ولو بالتدريج، مع الحفاظ في الوقت نفسه على إجراءات السلامة والوقاية التي تقررها الحكومة لمنع انتشار الوباء والقضاء عليه والعودة السريعة للحياة الطبيعية، وهذا ما بدأت تلجأ إليه معظم دول العالم، حتى تلك الأشد تضرراً، مثل إيطاليا وفرنسا وبريطانيا.
ولكن من المهم أن ندرك جميعاً أن تخفيف القيود لا يعني بحال من الأحوال التهاون في تطبيق إجراءات الوقاية الصحية والالتزام بها، كما أنه لا يعني أن خطر الوباء تلاشى، فالفيروس قد يستمر لبعض الوقت، ولكن القضاء التام عليه لن يكون إلا من خلال الالتزام الصارم من قبل فئات المجتمع وجميع أفراده بالتعليمات الوقائية وبسياسة التباعد الاجتماعي.
فتخفيف القيود الهدف منه فقط هو دعم بعض القطاعات الحيوية وإعادة تنشيط عجلة الإنتاج التي يجب أن تستمر، ولا يعني أن خطر الفيروس قد زال وانتهى.
ومع الاعتراف بحقيق أن غالبية المقيمين على أرض هذه الدولة الطيبة يلتزمون تماماً بكافة الإجراءات التي تضعها الحكومة لمنع انتشار الفيروس، فإن هناك قلة صغيرة العدد أظهرت للأسف سلوكاً غير مسؤول وصل إلى حد الاستهتار.
وكان نتيجة ذلك أن تزايدت معدلات الإصابة، بالرغم من نجاح الجهود الحكومية في رفع نسب الشفاء بين المصابين بمعدلات كبيرة. وهذه السلوكيات اضطرت أجهزة الدولة إلى إعادة تشديد بعض القيود والإجراءات من جديد، بما في ذلك تعديل مواعيد برنامج التعقيم الوطني وزيادته لمدة ساعتين، وتحديث قائمة المخالفات والغرامات على المخالفين وتغليظ بعضها لمواجهة هذه التصرفات اللامسؤولة من قبل البعض.
نحن مسؤولون جميعاً، كمجتمع وكأفراد، عن مواجهة هذه الأزمة والخروج منها بسلام، فالمسؤولية لا تقع على عاتق الحكومة وحدها، فهي تبذل كل ما في وسعها، ولكن يتبقى فقط أن نقوم نحن بواجبنا، وهو ليس بالأمر الصعب، فقط الالتزام بالتعليمات الصادرة عن الجهات المختصة، وهو أمر رغم بساطته لكنه جوهري في تحديد مصيرنا والخروج من هذه الأزمة بسلام وبأقل الخسائر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة