المحاكم الإسلامية الشرعية في إثيوبيا.. 100 عام من التحديات
تعود انطلاقة عمل المحاكم الشرعية الإسلامية بإثيوبيا إلى نحو قرن من الزمان، حيث بدأت كمؤسسات شرعية تعمل في خدمة مسلمي البلاد.
ولم يكن قرن من الزمان أمرا سهلا لمؤسسة تهم شريحة كبيرة من المجتمع في دولة تعد إحدى أكبر دول شرق القارة السمراء وتحتل المرتبة الثانية في أفريقيا من حيث عدد السكان، فقد شهدت المحاكم الشرعية الإسلامية بإثيوبيا تحولات وتحديات خلال العقود التي مضت، يستعرضها لـ"العين الإخبارية" الشيخ محمد المبارك الشيخ محمد، الرئيس الحالي للمحاكم الإسلامية الشرعية الفيدرالية في إثيوبيا.
وابتدر الشيخ المبارك حديثه لـ"العين الإخبارية" قائلا: "تأسيس المحاكم الشرعية حسب الروايات الشفهية من كبار العلماء القدامى، بدأ ما قبل حكم الإمبراطور هيلا سلاسي (1930 حتى 1974) أو في الفترة التي احتلت فيها إيطاليا بعض المناطق في إثيوبيا، فمنذ تلك الفترة كانت هناك محاكم إسلامية وإن اختلف شكلها".
ولفت إلى أن إثيوبيا في تلك الفترة التي نشأت فيها المحاكم الإسلامية كانت تعرف باسم "الحبشة"، وأضاف: "في عهد الإمبراطور هيلا سلاسي، أصدرت الحكومة بيانا بمنح تعريف رسمي للمحاكم كمؤسسة إسلامية باسم المحاكم الشرعية الإسلامية الإثيوبية، واستمرت خدماتها حتى عهد حكومة منجستو هيلا مريام (1974 حتى 1991)" .
وأوضح الشيخ المبارك أنه في عهد نظام الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا "الائتلاف السابق" (1991 حتى 2018) تمكنت المحاكم الشرعية الإسلامية بإثيوبيا من تأسيس فروع لها في جميع أقاليم البلاد، بجانب المحكمة الشرعية الفيدرالية بالعاصمة أديس أبابا ومدينة دري داوا شرق البلاد والتي توجد بها محكمة أولية وأخرى استئناف.
وقال إن التحديات التي واجهت المحاكم الإسلامية الشرعية في إثيوبيا تختلف من عصر لآخر، أصعبها في عهد الإمبراطور هيلا سلاسي، حيث وصلت مرحلة التهميش وكانت الحريات شبه معدومة، حتى لم يكن بمقدورهم إبراز أو إظهار مشاعرهم الدينية كالاحتفال بالعيدين وغيرها من الشعائر الدينية الأخرى.
وحول عمل المحاكم الشرعية الإسلامية في عهد الإمبراطور هيلا سلاسي، قال الشيخ المبارك الرئيس الحالي للمحاكم الشرعية بإثيوبيا، إنها شهدت وضعا سيئا وكانت ضعيفة جدا، وروى المبارك أنه سمع من الشيخ محمود سراج صالح، الذي كان رئيس مجلس النواب في عهد الإمبراطور هيلا سلاسي، ثم مفتيا في فترة لاحقة بالبلاد، أن المحاكم الشرعية كانت ضعيفة جدا حتى لم تكن باستطاعتها توفير رواتب للقضاة إلا مقابلا بسيطا ورمزيا.
وأضاف أن مسلمي إثيوبيا في تلك الفترة من حكم الإمبراطور هيلا سلاسي، كانوا يعانون لدرجة أنهم لم يستطيعوا معرفة يوم الإمساك لشهر رمضان وحتى عيد الفطر، وأرجع ذلك لعدم السماح لهم باستخدام وسائل الإعلام الحكومية.
وتابع الشيخ المبارك أن مسلمي إثيوبيا اليوم هم أفضل حالا من تلك السنوات التي شهدوها في عهد الإمبراطور هيلا سلاسي، وقال: "المسلمون اليوم لا يعانون من مثل تلك التحديات وقد أصبح لهم حرية كاملة في معتقداتهم وعباداتهم وأنشطتهم بمختلف مذاهبهم وطوائفهم الدينية".
وأضاف: "أصبح للمحاكم الشرعية في إثيوبيا اليوم فروع في جميع الأقاليم وحتى المحليات بشتى مستوياتها.. المحكمة الأولية والمتوسطة والعليا".
وأشار إلى أن ترشيح القضاة بجميع مستوياتهم في عهد حكومة الإمبراطور هيلا سلاسي، يتم بقرار من وزارة العدل، وقال: "في عهد الإمبراطور هيلا سلاسي كان يتم ترشيح وتعيين القضاة سواء في المحكمة الابتدائية أو محكمة الاستئناف أو المحكمة العليا أو رئيس المحاكم وحتى نائبه".
وأضاف: "لكن بعد أكثر من 20 عاما أصبح المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية هو المخول لترشيح القضاة".
وأوضح أن القانون الإثيوبي الحالي أعطى حق ترشيح القضاة للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بإثيوبيا، مشيرا إلى أن المجلس الإسلامي هو الذي يختار القضاة في المحاكم الشرعية وهو الذي يعقد لهم الامتحانات ثم يقدمها إلى إدارة القضاء الفيدرالي، ومن ثم رئيس المحكمة الفيدرالي الذي يقوم بتعيين هؤلاء القضاة بمختلف مستوياتهم حتى رئيس المحاكم الشرعية بإثيوبيا.
ولفت إلى أن المحاكم الإسلامية الشرعية في إثيوبيا مختصة في الأحوال الشخصية، كالميراث والحضانة والوقف والإيجار وإلى غير ذلك من قضايا المسلمين المرتبطة بالأحوال الشخصية كما هو حال المحاكم الإسلامية الشرعية حول العالم بحسب توضيح الشيخ المبارك.
وتابع: "المحاكم الشرعية هي مكون أساسي للدولة، وأي قاض حول العالم يحتاج إلى حرية فيما يقوله ويفعله وليس هناك قلق ينتاب القاضي سواء تغيرت الحكومة أو لا".
وأكد الشيخ المبارك أن المسلم المحب لدينه ويطبق الإسلام على حياته يلجأ إلى المحاكم الإسلامية سواء كانت قضية الميراث أو النكاح وغيرها من القضايا الشخصية.
وقال إن المحكمة الشرعية لا تختلف عن سائر المحاكم المدنية في البلاد من حيث التعامل مع آليات تنفيذ الحكم أو الشرطة مثلها مثل المحكمة الجزائية والمدنية ولها قوانينها وضوابطها.
aXA6IDEzLjU4LjYxLjE5NyA=
جزيرة ام اند امز