شهدت أسواق العملات المشفرة خلال الأسابيع الأخيرة موجة هبوط حادة، في واحدة من أعنف التراجعات منذ سنوات، وسط حالة من القلق المتزايد بين المستثمرين.
زجاء القلق نتيجة انسحاب جماعي من الأصول عالية المخاطر وتراجع الرهانات على تخفيف قريب للسياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، إضافة إلى مخاوف مرتبطة بالمبالغة في تقييم شركات التكنولوجيا.
هبوط بيتكوين
فقد انخفض سعر البيتكوين، أكبر عملة رقمية في العالم، بنسبة تجاوزت 2.1% ليهبط دون مستوى 86 ألف دولار، مسجلاً أدنى مستوى له منذ سبعة أشهر عند 85,350 دولاراً خلال التعاملات الآسيوية، فيما هبط الإيثر بأكثر من 2% ليصل إلى 2,777 دولاراً، وهو أدنى مستوى له منذ أربعة أشهر.
وخلال أسبوع واحد فقط، تكبّدت العملتان خسائر قاربت 8%، في مؤشر واضح على هشاشة المزاج الاستثماري العالمي، بحسب إذاعة "20 مينيت" الفرنسية.
النفور من المخاطرة
من جانبه، حذر المحلل في شركة IG للأسواق المالية، توني سيكامور، من أن هذه التراجعات تعكس ازدياد النفور من المخاطرة على مستوى واسع، مؤكداً أن استمرار هذا الاتجاه قد يؤدي إلى اضطرابات أشد في الأسواق.
ووفق بيانات منصة "كوين جيكو"، فقد تم محو نحو 1.2 تريليون دولار من القيمة الإجمالية لسوق العملات المشفّرة خلال 6 أسابيع فقط، وهو رقم يعكس حجم النزيف الذي تشهده السوق.
التراجع لم يقتصر على العملات نفسها، بل طال أيضاً الصناديق المتداولة المرتبطة بالبيتكوين في هونغ كونغ، إذ انخفضت قيمتها بنسبة تقارب 7%، كما تراجعت أسهم الشركات التي تحتفظ باحتياطيات كبيرة من العملات الرقمية، حيث هبط سهم شركة "ستراتيجي" الأمريكية بنسبة 11% خلال أسبوع ووصل إلى أدنى مستوى سنوي له، فيما فقدت الشركة اليابانية "ميتا بلانت" نحو 80% من قيمتها منذ ذروتها في يونيو/ حزيران الماضي.
انهيار سريع بعد صعود قياسي
وجاء هذا الهبوط بعد عام استثنائي شهدت خلاله بيتكوين صعوداً غير مسبوق إلى أكثر من 124 ألف دولار في أكتوبر/ تشرين الأول، مدعومة بتغيرات تنظيمية مواتية للعملات المشفّرة على المستوى العالمي.
غير أن السوق لم تتعافَ بعد من الصدمة الكبيرة التي تعرضت لها الشهر الماضي، عندما تسبب انهيار مفاجئ في تصفية مراكز مالية ذات رافعة مالية بقيمة تجاوزت 19 مليار دولار، ما أدى إلى موجة بيع مذعور وتقلبات عنيفة.
وبحسب تقرير مؤسسة CryptoQuant البحثية، فإن ظروف سوق البيتكوين تعتبر حالياً "الأكثر تشاؤماً منذ بداية الدورة الصعودية الحالية في يناير/ كانون الثاني 2023"، مرجحة أن تكون غالبية موجة الطلب قد استنفدت بالفعل.
هل الوضع مقلق فعلاً؟
ورغم الهبوط الذي تجاوز 28% منذ القمة التاريخية المسجلة في 6 أكتوبر/ تشرين الأول، يرى عدد من الخبراء أن هذه التصحيحات ليست بالضرورة مدعاة للهلع.
وأكد المحلل الرئيسي في منصة eToro، أنطوان فرايس-سولييه، أن هذا الانخفاض "ليس غير اعتيادي" نظراً لطبيعة العملات المشفّرة شديدة التقلب، مستشهداً بانهيار 2022 حين هبط البيتكوين من 45 ألف دولار إلى أقل من 19 ألفاً خلال أسابيع قليلة.
من جانبه، أوضح الرئيس التنفيذي لمنصة Bitpanda، لوكاس إنزرسدورفر-كونراد، أن ما يحدث يندرج ضمن "دورة تصحيح طبيعية لنهاية العام"، حيث يعمد المستثمرون إلى جني الأرباح، مشيراً إلى أن البيتكوين يتأثر كذلك بالظروف الاقتصادية العالمية وأسواق الأسهم والتوترات الجيوسياسية ومعدلات الفائدة والتضخم.
حدود الخطر والسيناريوهات المحتملة
ويرى بعض المحللين أن مستوى 90 ألف دولار يشكل حالياً حاجزاً نفسياً مهماً، فيما يذهب آخرون إلى اعتبار 75 ألف دولار سقفاً حرجاً قد يؤدي اختراقه نزولاً إلى موجة بيع واسعة بدافع الذعر.
ومع ذلك، يجمع الخبراء على أن احتمال انهيار كامل للبيتكوين ضعيف، بل إن التوقعات المتوسطة والطويلة المدى ما زالت إيجابية، حيث يقدّر بعضهم إمكانية وصول السعر إلى 150 ألف دولار، بل وربما 500 ألف دولار في المستقبل.
ويستند هذا التفاؤل إلى تزايد اهتمام الدول والبنوك الكبرى بالعملات الرقمية، وبدء الحديث عن إدراجها ضمن الاحتياطيات الرسمية، وهو ما يعد مؤشراً قوياً على تحول هيكلي في مكانة هذه الأصول.
هل نبيع أم ننتظر؟
يبقى القرار رهين استراتيجية المستثمر نفسه، غير أن الخبراء يحذرون من البيع في لحظات الهبوط الحاد، لما يحمله ذلك من مخاطر تكبّد خسائر مؤكدة.
ويشيرون إلى أن المستثمر الذي اشترى البيتكوين قبل خمس سنوات فقط، كان قد ضاعف استثماره عشرات المرات، بينما حقق من استثمر فيه منذ 2016 أرباحاً تجاوزت 19000%.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTIwIA== جزيرة ام اند امز